في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة، طلبت الأجهزة الأمنية بواسطة وزارة الاتصالات، التعاقد بالتراضي من أجل تطوير وتحديث نظام «Astellia» لدى شركتَي الخلوي في لبنان. العقد ليست فيه مخالفة لقانون الشراء العام، لكنه يثير قلقاً واسعاً لدى الخبراء والمختصّين على خلفية وجود هذه الشركة أصلاً. فهي شركة تعرّف عن نفسها بأنها تعمل في مجال «استخبارات الأعمال» و«تحليل المعطيات»، فما هو عملها لدى شركتَي «ألفا» و«تاتش»؟ وما هي العلاقة التي تجمعها بالأجهزة الأمنية؟ ولماذا يبدو وزير الاتصالات جوني القرم ساكتاً عن كل هذا الملف؟تتولّى شركة Astellia التي صار اسمها EXFO تشغيل برنامج «نوفا» لتجميع داتا الاتصالات لصالح الدولة اللبنانية. البرنامج لديه وظيفة متصلة بتجميع الداتا وتصنيفها وتحليلها، ثم فتح الباب أمام الأجهزة الأمنية للولوج إليها والاطّلاع على التفاصيل المجمّعة وقراءتها، وحتى يمكن أيضاً التعامل معها بأكثر من طريقة. يقول أحد المطّلعين، إن هذا البرنامج، هو واحد من البرامج الأكثر تطوّراً، وهو مبنيّ على ما يُسمّى «ذكاء اصطناعياً»، أي أن لديه قدرات كبيرة في إطار تحليل سلوك المستهلكين أو سلوك حاملي الخطوط الخلوية. فبإمكان البرنامج أن يقوم بمراقبة الداتا المجمّعة للاطّلاع على أوقات الاتصالات، وربطها بالمواقع الجغرافية لحاملي الخطوط الخلوية، وأنماط ولوجهم إلى الإنترنت، واتصالاتهم، والمواقع الإلكترونية التي زاروها، والعمليات التي نفّذوها على الشبكة، وأحاديثهم عبر واتساب أو عبر أي تطبيق… ففي النهاية بإمكان البرنامج أن يرسم نمطاً واضحاً عن سلوك كل حامل خطّ خلوي، وأن يقدّم صورة وافية عن تحرّكاته تسمح بمعرفة أدقّ تفاصيل العمليات الحميمة والخبيثة والحميدة التي ينفّذها بواسطة الهاتف أو لأنه يحمل الهاتف. ثمّة من يقول إن البرنامج بإمكانه الولوج إلى الهاتف الخلوي بمجرد شبكه على الإنترنت. وبالتالي ستصبح صورة أعماله واضحة: مع من يجلس؟ أين يتنقل وفي أي أوقات؟ ما كانت سرعة وصوله؟ وتيرة يومياته كأن يتصل بأمّه أو زوجته يومياً في ساعة محدّدة، أو أن يجلس في مقهى معيّن مع رفيق يحمل خطّاً خلوياً محدداً أو أكثر… وسائر ما يتعلق بسلوكه. كل ذلك، بإمكان Astellia أن تطّلع عليه. فالعمليات تتطلّب أن يكون للشركة حقّ الولوج إلى الشبكة والتعامل مع الداتا. يقول بعض المطّلعين، إنه لا أحد يضمن ألا يكون للشركة الولوج إلى الشبكة وصلاحيات التلاعب بالداتا وتغييرها، إنما لا دليل على أنها قامت بذلك، ولا دليل أيضاً على أنها تحفظ حقوق المستهلكين. أصلاً في هذا المجال الشكّ وحده يكفي. لكن يبدو أن وزير الاتصالات جوني القرم لا تثيره هذه الشكوك بمقدار القلق الذي يبديه بشكل متواصل من أن تنفّذ السفيرة الأميركية في بيروت تهديداتها وتضعه على لائحة العقوبات.
لكن كيف حصلت الشركة على هذا العقد أصلاً؟ تمّ ذلك أيام الوزير السابق جمال الجراح ومستشاره نبيل يمّوت. في تلك الفترة، يقال إنه كان أمام وزارة الاتصالات عرضان من Astellia ومن شركة procera sandive، لكن أشيع أن هناك علاقة بين الشركة الثانية مع الكيان الإسرائيلي، ما دفع مباشرة إلى استبعادها. لكن لاحقاً، رفعت الشركة دعوى قضائية أثبتت فيها أن لا علاقات لديها مع إسرائيل، إنما في هذا الوقت كان الجراح ويمّوت قد سارعا إلى دفع شركتَي الخلوي نحو التعاقد مع Astellia حتى من دون التأكّد من مدى علاقتها مع الكيان الإسرائيلي. لكن على ما يبدو، لم تقدّم وزارة الاتصالات أي مراجعة تفصيلية بشأن حماية المستهلكين من قدرات البرنامج، ولا يكاد أحد يعلم ما الذي تقوم به، باستثناء القوى الأمنية التي ترى في عملها إفادة واسعة لتجميع الداتا وتحليلها في إطار مكافحة التجسّس والإرهاب. قيمة العقد بين الشركة وشركتَي الخلوي ليست واضحة، لكنّ تجديد الترخيص لاستعمال البرنامج كلفته ستكون 800 ألف دولار بحسب ما تبيّن أخيراً عندما عُرض ملف التجديد على مجلس الوزراء.
عملياً، وجود البرنامج يعني أن الشركة مخوّلة بالولوج إلى داتا الاتصالات الحسّاسة لدى شركتَي الخلوي لتجميعها وتصنيفها وتحليلها في إطار المهمة التي تقوم بها والخدمات التي تنفّذها. وهذا الأمر يثير سؤالاً مهماً؟ كيف لشركة أجنبية أن تحصل على إذن الولوج إلى داتا الاتصالات الحساسة بهذه البساطة؟ هل هناك موانع قانونية أو تعاقدية تمنعها من سحب الداتا وبيعها أو إعطائها إلى جهات أجنبية؟
المشكلة الكبرى هي أن هذه الشركة كان لها حضور مادي في لبنان من خلال مكتبها في بيروت. عبره كانت تقدّم خدمات الدعم التقني للبرنامج والمعدات الموصولة به. أي أنه، مع افتراض حسن النية، كان الولوج إلى داتا الاتصالات يحدث من مكتب لبنان فقط. لكن اللافت أن الشركة أنهت حضورها في لبنان عندما أقفلت مكاتبها منذ عدة أشهر وصرفت نحو 22 موظفاً لبنانياً كانوا يعملون لديها، ما يعني أن الدعم التقني والمهمة المولجة فيها أصبحا يتمّان من مكاتبها في الخارج، وترجّح المصادر أن يتم عملها من فرنسا حيث لا تخضع لأيّ رقابة لبنانية، بل ستكون لديها القدرة على جمع الداتا والتعامل معها وتحليلها وتصنيفها من هناك.
تعسّف ضدّ الموظفين
عندما أقدّمت Astellia على صرف موظفيها تعسّفاً، دفعت لهم جزءاً من مستحقاتهم بما يوازي أجر أسبوع عن كل سنة عمل، وهو أقل من التعويض الذي يفرضه قانون العمل أي 15 يوماً عن كل سنة لمن عمل أقلّ من 10 سنوات في الشركة، وشهراً عن كل سنة لمن تجاوزت مدة عمله في الشركة 20 سنة. وحجّة الشركة أنها تعاني من أوضاع مالية سيئة، لكن تبيّن أن تجديد الترخيص للبرنامج كان بقيمة 800 ألف دولار.