أكثر من 100 ألف عاملة منزلية جُدّدت إقاماتهن خلال عام 2020، وفق بيانات وزارة العمل. هذه الأرقام، نسبة إلى الأوضاع الاقتصادية، تبدو لافتة، خصوصاً أن العقود تنصّ على دفع الرواتب بالدولار، ما يثير مخاوف من تعرض هؤلاء لمزيد من الاستغلال مع اشتداد الأزمة.
لكن، في المقابل، لم تعد آلاف العائلات قادرة على الاستعانة بخدمات العاملات المهاجرات. وتشير تقديرات نقابة مكاتب استقدام العاملات الى أن الأزمة تسببت في ترحيل نحو 50 ألف عاملة منزلية، فيما تؤكد المعطيات أن آلية الترحيل يشوبها كثير من الغبن في حق العاملات اللواتي يفتقدن أدنى مقومات الحماية بفعل غياب القوانين والتشريعات المنصفة، وطغيان نظام الكفالة الذي يربط إقامة العاملة بالعقد الموقع مع كفيلها.
في هذه الحال، يفترض أن يكون التعويل على القضاء لإنصاف هذه الفئة المُهمشة، إلا أن دراسة حديثة أعدّتها «المُفكرة القانونية»، بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، وحملت عنوان «متاهة العدالة، عاملات المنازل أمام المحاكم اللبنانية»، أكدت مساهمة القضاء في الظلم اللاحق بالعاملات وإضعاف فرصهن في نيل حقوقهن.
الدراسة التي رصدت الأحكام والملفات القضائية المرتبطة بقضايا العاملات بين عامي 2013 و2017 خلصت إلى أن مقاربة القضاء لهذا النوع من القضايا تتسم بالآراء النمطية والمسبقة في تفسير القانون. ويبدو ذلك واضحاً عبر اعتماد صيغة النماذج الجاهزة في الأحكام الصادرة، واعتماد مصطلحات غير قانونية (كالفرار بدل الهروب، وهو مصطلح كان يستخدم للدلالة على ترك العبيد لعملهم …)، وفي كيفية التحري واعتبار خصوصية العاملة دليل اتهام، وأن أي تصرف خارج إطار علاقة العمل المباشرة كالخروج يوم العطلة يعدّ مصدر شك في نيّة جرمية.
صدر في الفترة التي رصدتها الدراسة 693 حكماً غيابياً (91 في المئة من الأحكام) في مقابل 68 حكماً وجاهياً فقط (9%). وسبب ذلك أن النيابة العامة تركت للأمن العام مهمة بتّ كثير من شؤون العاملات، إذ «ينظر الأمن العام في أوراق إقامة العاملة الهاربة أو يقوم بعقد تسوية بينها وبين صاحب العمل أو التنازل لكفيل آخر».
أما في القضايا التي تعرض وجاهياً أمام القاضي، على قلتها، فقد سُجّلت خروقات ومساع من بعض القضاة لاستعادة دور القضاء في حماية الفئات الأضعف اجتماعياً. فسجلت الدراسة صدور عدد من الأحكام منها: السعي إلى الفصل بين نظام الكفالة والعقوبة الجزائية، أحكام بتبرئة العاملة مع إحالة الكفيل إلى النيابة العامة للادعاء بجرم افتراء، أحكام بإدانة أصحاب العمل بإساءة الأمانة عند تمنعهم عن تسديد أجور العاملات، إدانة ممارسة احتجاز جوازات السفر والمس بحرية التنقل… لكن هذه الخروقات، على أهميتها، «لا تزال محدودة ولا تغير النمط السائد في مقاربة قضايا العاملات، والتي غالباً تنسجم مع المنظومة السائدة التي تنظر إلى الفقراء والأجانب بعين الريبة والشبهة وصفات الخفة»، فضلاً عن إعطاء الأولوية للإجراءات الجنائية بدل التركيز على نزاعات العمل وحقوق العامل المهاجر، وهو ما يتبدّى في توسيع صلاحيات القاضي الجزائي باعتبار أن العاملة الهاربة ارتكبت جرماً جزائياً بعدم إعلام الأمن العام بمحل إقامتها الجديد، بدلاً من تفعيل مجالس العمل التحكيمية أو القضاء المدني. وهذا يزيد امتيازات صاحب العمل، ويجرّد العاملة من حقها في الدفاع عن نفسها والمطالبة بحقوقها.