كشفت وزارة الخزانة والمالية التركية أنه سيتم الإعلان عن سلسلة من “الخطوات الموجهة نحو الحلول” الجديدة للاقتصاد المحاصر بارتفاع التضخم وانزلاق الليرة.
وساعد هذا الإعلان في وقف بعض الانخفاضات في العملة، ولكن ثبت أنه لم يدم طويلا، إذ بدا أن الليرة مهيأة الجمعة لتسجل أسوأ أسبوع لها منذ مارس الماضي، مدفوعة بمخاوف من مزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة وسط تصاعد التضخم.
وتراجعت الليرة إلى 17.27 عند نقطة واحدة مقابل الدولار، مما جعلها تقترب من أدنى مستوياتها القياسية في أواخر ديسمبر الماضي. وأدى تعهد الرئيس رجب طيب أردوغان بالحفاظ على أسعار الفائدة منخفضة في وقت سابق من الأسبوع إلى زيادة ضغط البيع على العملة.
وعلى مدار الأسبوع الحالي تراجعت العملة بنسبة 4.6 في المئة. ومن المقرر أن تسجل أكبر انخفاض أسبوعي لها في ما يقرب من ثلاثة أشهر. وقد سجلت تراجعا بواقع 15 في المئة خلال الربع الأول من هذا العام، ما جعلها الأسوأ أداء في الأسواق الناشئة.
وكشفت الوزارة في وقت متأخر الخميس الماضي أنها “ستبدأ في تقييم الطلب على السندات المقيدة بالعائدات في الخامس عشر من يونيو الجاري”. وأضافت أنه “سيتم الإعلان عن العائد الدقيق والاستحقاق في أقرب وقت للإصدار”.
وبينما قالت السلطات إنه لا يوجد شيء آخر يذكر بشأن برنامج السندات الجديد، استخدمت تركيا في الماضي السندات المقيدة بالإيرادات لتقديم عوائد للمستثمرين بالليرة مرتبطة بالأداء المالي للمؤسسات الاقتصادية المملوكة للدولة.
ويعد الإعلان الخطوة الأولى من السلطات بعد أن تعهدت الوزارة في وقت سابق بتبني إجراءات واسعة النطاق لعكس تراجع الليرة. وقالت الوزارة إن “جميع الأدوات الجديدة التي سيتم تبنيها ستكون متماشية مع مبادئ السوق الحرة ونظام الصرف الأجنبي”.
وتم إجبار وزارة الخزانة على اتخاذ إجراء بسبب الانخفاضات المتسارعة لليرة مقابل الدولار، حيث تعد العملة التركية الأسوأ أداء بين عملات الأسواق الناشئة حتى الآن هذا العام.
وفي خطوة منسقة مع الوزارة، اختصرت هيئة الرقابة المصرفية فترة سداد القروض الشخصية التي تزيد قيمتها عن مئة ألف ليرة (قرابة 6 آلاف دولار) إلى 12 شهرا بدلا عن عامين. كما تم رفع الحد الأدنى لمتطلبات الدفع على بطاقات الائتمان في محاولة لإبطاء نمو القروض.
ووفقا لوكالة ستاندرد آند بورز للتصنيفات الائتمانية، فقد لامست مقايضات التخلف عن سداد الائتمان في البلاد لمدة 5 سنوات أعلى مستوى لها في 14 عاما عند 790 نقطة أساس.
وأدت الليرة الضعيفة والارتفاع في أسعار السلع العالمية في أعقاب اندلاع الحرب بين روسيا وأوكرانيا في أواخر فبراير الماضي إلى زيادة التضخم في أسعار المستهلكين في تركيا إلى أكثر من 73 في المئة الشهر الماضي، وهي أعلى قراءة منذ عام 1998.
وأجبر أردوغان، الذي يواجه الانتخابات في غضون عام، البنك المركزي على إبقاء أسعار الفائدة ثابتة عند 14 في المئة بعد خفضها بمقدار تراكمي قدره 500 نقطة أساس خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2021.
ويرى الرئيس التركي أن أسعار الفائدة المرتفعة تؤدي إلى تضخم أسرع في المستهلك، وهو أمر يتعارض مع الافتراضات الأساسية التي يتبناها محافظو البنوك المركزية في جميع أنحاء العالم.
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع قال إن “تركيا ستواصل خفض أسعار الفائدة”، مما قد يؤدي إلى مزيد من التراجع في العملة.
وفي محاولة لوضع مصدات أخرى أمام أي احتمال لتعرض الاقتصاد التركي إلى انتكاسة خلال الفترة المقبلة، ستقوم السلطات النقدية بمضاعفة معدل الاحتياطي المطلوب للقروض النقدية التجارية بالليرة إلى 20 في المئة.
وقال المركزي في بيان نشره على موقعه على الإنترنت الجمعة إن “البنوك ستحتفظ بالليرة الإضافية طويلة الأجل بسعر فائدة ثابت للودائع بالعملات الأجنبية كخطوة تكميلية لزيادة ترجيح الأوراق المالية في مجمع الضمانات الذي سيصبح ساريا في الرابع والعشرين من يونيو الجاري”.
ويريد البنك تنفيذ إجراءات الضمانات والسيولة النقدية في السوق. وقال إن “الهدف من هذه اللائحة هو زيادة فعالية السياسة النقدية في نطاق استراتيجية الليرة”.
وأخضعت تركيا قروض الليرة لمتطلبات الاحتياطي في أبريل الماضي مع تحركها للحفاظ على نمو القروض تحت السيطرة لحماية رصيد الحساب الجاري.
وفي خضم الوضع الراهن تدرس الحكومة التركية دفع ميزانية تكميلية من خلال البرلمان قبل عطلة الشهر المقبل لتغطية مدفوعات الصيف المحتملة والتكاليف المتزايدة لانزلاق الليرة والتضخم المتفشي. وقال مصدران لرويترز إن العمل جار بشأن الميزانية الإضافية، لكن لم يتم اتخاذ قرار نهائي بشأن ما إذا كانت هناك حاجة إليها.
وازداد عبء الميزانية بسبب ارتفاع تكاليف الطاقة وأجور القطاع العام وزيادات المعاشات التقاعدية وتراجع الليرة والتكلفة المتزايدة ذات الصلة لبرنامج حماية الودائع الذي تم إطلاقه في أواخر عام 2021 للتخفيف من آثار أزمة العملة.
وقال مسؤول كبير طلب عدم ذكر اسمه إن “تكاليف الكهرباء والغاز على وجه الخصوص كان لها تأثير، لذلك يبدو من المستحيل البقاء في حدود الميزانية هذا العام”. وأضاف “يبدو أن وضع ميزانية إضافية أمر لا مفر منه”. لكن مصدرا بوزارة الخزانة أشار إلى أن الميزانية التكميلية ليست على جدول الأعمال في الوقت الحالي.
ولتخفيف العبء عن الأتراك، قدمت أنقرة دعما للوقود والكهرباء والغاز بقيمة 11.6 مليار دولار في عام 2021. وكان من المتوقع أن تكلف 300 مليار ليرة هذا العام، لكن تكاليف الطاقة ارتفعت أكثر بكثير مما كان متوقعًا.
وقال المسؤول إنه “تم عقد عدد قليل من الاجتماعات لكن حجم الميزانية التكميلية غير واضح وأن مؤسسات الدولة تحدد احتياجات الميزانية الإضافية المجمعة”. وأضاف أن “الخيار الأفضل هو أن يتم دفعها قبل العطلة”.
وقال مصدر آخر مطلع على الموضوع “بدأ العمل في إصدار ميزانية إضافية في هذه الفترة التشريعية ولم يتم اتخاذ قرار نهائي”.
وتشير البيانات إلى أن عجز الميزانية كان يقارب 2.5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في نهاية أبريل الماضي، لكن عبء التكلفة المتزايد يشير إلى أنه سيتسع بحلول نهاية العام نحو 5 في المئة، مما سيجعل تركيا أقرب إلى مستوى الأسواق النامية الأخرى.
ونظرت الحكومة أيضا في ميزانية تكميلية في نهاية 2021 لكنها أوقفت الخطة وواجهت التكاليف المتزايدة بإيرادات أعلى من المتوقع.
وفي أعقاب أزمة العملة في ديسمبر الماضي، عززت الحكومة الأجور وخفضت الضرائب لدعم الأسر ذات الدخل المنخفض، مستفيدة من قوة المالية العامة وهو ما كان أقل عجز بين أقرانها حتى عام 2016.
وقالت المحللة الاقتصادية في إسطنبول والكاتبة في موقع “أحوال تركية” جلدم أتاباي شانلي لرويترز إنه “مع العد التنازلي للانتخابات أدى توقع تسارع الإنفاق إلى إجراء دراسات إضافية للميزانية”.
وظلت نسبة عجز الميزانية إلى الناتج المحلي الإجمالي منخفضة بنحو 1 في المئة من 2013 إلى 2016، ما عزز الاستثمارات التركية ثم ارتفعت إلى 1.5 في المئة في عام 2017 ووصلت إلى 3.5 في المئة بحلول عام 2020.
واستنادا إلى سعر الليرة الحالي، تظهر حسابات المصرفيين أن عبء ميزانية الخطة سيكون 8 مليارات ليرة (470 مليون دولار) في يونيو و5 مليارات ليرة (290 مليون دولار) في يوليو، مع تحويل معظم التكلفة إلى المركزي اعتبارا من أغسطس.
وتظهر البيانات الرسمية أن قيمة خطة حماية الودائع بلغت الأسبوع الماضي 52.5 مليار دولار، قياسا بنحو 390 مليار دولار من إجمالي حجم الودائع. وبينما يدعم المركزي جزءا من الخطة، قالت وزارة الخزانة إن مدفوعاتها للمودعين بلغت نحو 1.23 مليار دولار في الثالث من هذا الشهر.