فضَّلَ ساسة لبنان الإبقاء على بورصة بيروت بدون تطوير، رغم أنها إحدى أوّل البورصات في منطقة الشرق الأوسط، إذ تأسست في العام 1920. وعوضَ أن تكون مكاناً تتموَّل منه الشركات، تحوّلت البورصة إلى مكان صغير تبسط فيه المصارف سيطرتها، بوجود بعض الشركات الأخرى. ولا يتجاوز عدد الشركات المدرجة في البورصة، الـ11 شركة، معظمها من المصارف، إلى جانب شركة سوليدير.
وإذا كانت البورصة قد تأثّرت بجملة من المحطّات والأحداث السياسية والاقتصادية والأمنية في لبنان، إلاّ أنها حافظت على حركتها بفعل نشاط المصارف فيها. لكن منذ العام 2019 حتى اليوم، تفتقد البورصة نشاطها بفعل فرملة النشاط المصرفي الذي كان يحرّك البورصة عبر عمليات شراء وبيع الأسهم في المصارف. فإلى أين تتّجه حركة البورصة في المستقبل القريب؟.
المشكلة مرتبطة بالسوق
لا يستغرب رئيس بورصة بيروت غالب محمصاني، جمود حركة البورصة إذ أن “كل ما له علاقة بالمال في لبنان مجمَّد حالياً، ولذلك لا تشهد البورصة نشاطاً لافتاً، باستثناء بعض الحركة التي تسجّلها أسهم شركة سوليدير التي تتحرَّك نتيجة حاجة امتلاك الكثير من المساهمين لـ”اللولار” ويريدون البيع والشراء بواسطتها وليس بواسطة الدولار“.
ويأسف محمصاني في حديث لـ”المدن”، عدم اتخاذ الدولة “خلال 5 سنوات، أي إجراء لتحسين الوضع المالي في البلد، ما قد ينعكس إيجاباً على حركة البورصة”. وبرأيه، طالما أن “الأوضاع المالية ووضع المصارف على هذه الحالة، لن تشهد البورصة أي تحسّن. علماً أن الوضع الإداري للبورصة جيّد، لكن المشكلة في السوق الذي لا يرصد حركة استثمارية جديدة”.
وربطاً بالحرب المستمرة جنوباً، يقلّل محمصاني من تأثير الحرب على نشاط البورصة. وبرأيه “لو كان الوضع الاقتصادي والمالي طبيعي، فحتى لو اندلعت الحرب، سيستمر نشاط البورصة”.
توقّعات سيئة؟
عدم تطوير البورصة من خلال تحديث القوانين وتشجيع المستثمرين وخلق جوّ من الثقة، وانعدام الخطط المرسومة للخروج من الأزمة المستمرة منذ 5 سنوات، تجعل التوقّعات سيئة بالنسبة للخبير الاقتصادي جاسم عجاقة. إذ أن “الاقتصادات في الدول المتقدّمة والمتطوّرة مثل الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وبريطانيا وغيرها، تتموَّل عبر البورصة، لكن في لبنان يتموّل الاقتصاد عبر المصارف. وفي ظل غياب النشاط المصرفي وعدم الثقة الخارجية بالوضع الاقتصادي والمالي، من غير المنتَظَر أن يتحسَّن نشاط بورصة بيروت”.
وفي ظل الوضع الحالي، يقول عجاقة في حديث لـ”المدن”، أن لبنان “لا يزال أبعد ما يكون عن استخدام القدرات الفعلية للبورصات في تمويل الاقتصاد”. وإذ يركّز عجاقة على مسألة الثقة، ذلك لأن “المستثمرين عبر البورصة يتعاملون مع أمور غير ملموسة، فهم يبيعون ويشترون أوراقاً كمن يشتري سمكاً في الماء، ولذلك فإن عنصر الثقة هو الأساس”.
كان يمكن للسلطة السياسية أن تضخّ بعض النشاط في البورصة بعد وقف العمل بمنصة صيرفة وطرح التداول بالليرة عبر بورصة بيروت “لكن تم طرح الاعتماد على منصة بلومبيرغ عوضاً عن بورصة بيروت. علماً أن هناك فارق كبير بين وظيفة المنصة ووظيفة البورصة. فالأولى هي عبارة عن برنامج معلوماتي متطوِّر لكن البورصة هي المكان الأمثل للتداول والبيع والشراء. والبورصة تستخدم المنصات، وفيها سوق الأسهم وسوق السندات وسوق القطع”. ولأنه لا يوجد مؤشّرات على قيام السلطة السياسية بالإصلاحات والخروج من الأزمة، يتوقَّع عجاقة أن تبقى بورصة بيروت “في حالة سيئة في المديين القريب والمتوسّط”.
تعطي البورصة صورة عن حركة الاستثمارات في أي بلد، كما أنها تعكس رغبة السياسيين في تطوير الاقتصاد ورفده بجرعات إضافية من الثقة التي تجذب أموال المستثمرين، خصوصاً وأن البورصات تمثِّل مكاناً أكثر أماناً وشفافية للبيع والشراء، وهذه المعطيات غير مدرجة في جدول أعمال السياسيين الذين ما زالوا يعملون على محاولة إنقاذ النموذج السياسي والاقتصادي الذي أوصلنا إلى الهاوية.