تصحيح الأجور ممكن: قيمة إنتاجية وفائدة للاقتصاد

قبل شهر من استقالة حكومة حسّان دياب، تحدّثت وزيرة العمل لميا يمّين عن تشكيل «لجنة المؤشّر» – تتألّف من مديرية الإحصاء المركزي والاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية – لدرس تعديل الأجور نتيجة تدنّي القدرة الشرائية لليرة، وعلى أساس أنّ دياب كلّف وزير المالية غازي وزني إتمام دراسة عن الموضوع. مرت سنة من دون أن تظهر الدراسة أو يتحوّل الملفّ إلى بندٍ أساسي على جدول أعمال المعنيين. حاولت يمّين إعادة فتح النقاش أخيراً، فأتاها الجواب من هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل بتعذّر قيام حكومة تصريف أعمال بتصحيح للأجور. قبل هذا الرأي، كان وزني قد قطع الطريق على يمّين، حين جزم لها أنّه «لا إمكانية أبداً لتصحيح الأجور بسبب كلفتها المالية الكبيرة وعدم قدرة الموازنة على تحمّلها»، والأولوية هي «لتوحيد أسعار الصرف المتعدّدة قبل التصرّف».

حاولت وزارة العمل الاستعاضة عن تصحيح الأجور بتعديل بدل النقل، واتُّفق بعد اجتماعات ضمّت الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية على أن يُصبح 24 ألف ليرة. بحسب وزارة العمل، «لم تتم الموافقة على الطرح، لأنّ رئاسة الجمهورية طلبت من وزني إعداد دراسة مالية قبل تطبيق الزيادة». وفي هذا المُربّع تُعلق النقاشات حول تصحيح الأجور، التي فقدت قيمتها وقدرتها على تأمين الحدّ الأدنى من عناصر استمرارية السكان. فإذا كان الراتب يتكوّن من خمسة عناصر (الطبابة، السكن، التعليم، النقل، السلة الغذائية)، كيف لحدّ أدنى يبلغ 675 ألف ليرة أن يُغطّي هذه الاحتياجات؟

ولكن، هل يُمكن تصحيح الأجر النقدي في بلدٍ يمرّ بأزمة على الصعد كافة؟ يُجيب رئيس القسم الاقتصاد في الجامعة اللبنانية – الأميركية في بيروت غسّان ديبة بأنّ «الأزمة النقدية هي التي تقود إلى أن يُصبح تصحيح الأجور نقدياً مطلوباً. من أين تُموّل الزيادة؟ «الدولة تستطيع فرض ضرائب لتمويل زيادات أجور القطاع العام. ليس هناك مفر من زيادة الأجور». أما بالنسبة إلى المؤسسات الخاصة، ففي كلّ عملية تصحيح أجور يتم «إعفاء بعض المؤسسات مؤقتاً لمدة معينة اذا كان تصحيح الأجور سيؤدي إلى إغلاقها. لكن علينا ألا نعتبر أنّ كل المؤسسات اليوم تعاني، هناك رابحون من التضخّم وبالأخص المؤسسات التي زادت أعمالها في الفترة الأخيرة مثل المصدّرين ومنتجي السلع المستهلكة حالياً بدلاً من السلع المستوردة، وقطاعي الخدمات والسياحة».

يُعتبر الاقتصادي روي بدارو من المُنظّرين لتصحيح الأجور ورفع الحدّ الأدنى «ليُراوح ما بين 125 و150 دولاراً أميركياً، تُدفع بالليرة شهرياً، بحسب سعر الصرف في السوق الموازية»، تحضيراً للمرحلة الثانية التي «يُصبح فيها الأجر يُساوي 40% من مجموع الدخل القومي (مجموع دخل بلد من مختلف القطاعات)، ونخلق بيئة حاضنة للعمل تُتيح لنا إعادة اليد العاملة الشابة من الخارج وبناء نظام اقتصادي جديد، تكنولوجياً وصناعياً». الثغرة في طرح بدارو فصله بين موظفي القطاع العام والقطاع الخاص، واعتباره أنّ الزيادة ممكنة في الثاني فقط. يُحاجج بأنّ «الإنتاجية مختلفة بين القطاعين. يجب إعادة تنظيم القطاع الخاص وأن يتباين تصحيح الأجور بحسب القطاعات والمناطق، فإنتاجية المصارف تختلف عن معمل أنسجة، وقيمة الـ100 دولار الشرائية ليست نفسها بين بيروت والهرمل. أما القطاع العام فلا يتحمّل زيادةً في الأجور». على الرغم من وجود أرقامٍ تُشير إلى النقص في موظفي الإدارات العامة، وسوء توزيعهم وليس فائضهم، بدارو يقول إنّ «القطاع العام لا يتحمّل هذا العدد من الموظفين. لذلك اقترحت استيعاب فائض موظفي الإدارات الرسمية في المؤسسات الخاصة، مع تأمين تمويلها لسنوات عديدة حتى يتم الدمج بنجاح ولا يُهاجر الشباب».

مصدرجريدة الأخبار - ليا القزي
المادة السابقة“أوبزيرفر”: بعد عام على تفجير مرفأ بيروت.. لبنان دولة فاشلة
المقالة القادمةازدياد حالات التسمّم الغذائي: تراجع نوعيّة الطعام وغياب الكهرباء