تصريح وزني عن خفض عدد المصارف الدمج المصرفي ببن الضرر والضرورة

إعلان وزير المال غازي وزني لوكالة «رويترز» عن الاتجاه إلى اختصار عدد المصارف، يفتح الباب على خلافات في الرأي، تستدعي التريّث وسط تصريحات كل من رئيس الحكومة وحاكم مصرف لبنان عن إمكانية حل مشكلة المصارف العاجزة عن تلبية طلب البنك المركزي زيادة رساميلها بنسبة 20%، بدمجها بمصارف أكبر وأكثر قدرة على الإلتزام بتلبية معايير «بازل-3» العالمية، عبر خفض الأكلاف التشغيلية، واستحداث خدمات عصرية ومشتقات استثمارية لا يمكن للمصرف الصغير القيام بها في أسواق حافلة بالمنافسة، في حين يمكن لمؤسّسات مصرفية مندمجة كبرى، استعادة الثقة المحلية والعربية والإقليمية والعالمية بالقطاع المصرفي اللبناني وإعادته إلى الخارطة المصرفية الدولية.

وأمام هذه الإيجابيات التي تراها الحكومة، وأخيراً تصريح وزير المال، هناك في نظر البعض، سلبيات وعقبات اقتصادية ومالية.

ومن العقبات أنّ عمليات الدمج في الماضي قبل الأزمة المصرفية الأخيرة كانت تحصل بتشجيع من القانون 1993، الذي يعطي المصرف المركزي (عند الضرورة) حق منح المصرف الدامج القروض اللازمة بشروط ميسّرة يتم الاتفاق عليها بين مصرف لبنان والمصرف الدامج على أن «تحدّد آلية ومعايير القروض الميسّرة بموجب نظام خاص يصدر بمرسوم يُتّخذ في مجلس الوزراء بناء على اقتراح وزير المالية وبعد أخذ رأي المجلس المركزي لمصرف لبنان»، كما في نص القانون.

واليوم المشكلة الأولى في حالة الدمج هي أوّلاً في تفسير عبارة «عند الضرورة»، وإذا كانت تعني ضرورة الدمج، فإنّها قد تستدعي مبدئياً تزويد المصرف الدامج بالسيولة الكافية من قِبل مصرف لبنان لتسهيل عملية الاندماج، أمر في غاية الصعوبة في ظروف السيولة المقنّنة الحاضرة. والمشكلة الثانية هي في طريقة اختيار المصارف المعرّضة للاندماج سواء لجهة حجم رأس المال والودائع أو لجهة التسليفات والاحتياطيات، كما حصل في عمليات دمج بنك ستاندرد تشارتر مع سيدروس انفست بنك، واستحواذ فرنسبنك على البنك الأهلي الدولي، وبنك بيبلوس على بنك بيروت للتجارة وعلى بنك فرعون وشيحا، وبنك لبنان والمهجر على بنك HSBC، وبنك سوسيتيه جنرال على البنك اللبناني – الكندي.

والمشكلة الثالثة مخاوف سبق أنْ أبداها حاكم مصرف لبنان في مناسبات عدّة قبل الأزمة المصرفية الحالية، من أنْ تؤدي عمليات الدمج إلى احتكارات مصرفية، لاسيما أنّه كلما تتعرّض المصارف الكبرى المندمجة لنقص في السيولة تكون الهزّة كبرى والآثار المدمّرة أكبر، كما حصل في الانهيارات المصرفية خلال أزمة 2008 التي قوضت المصرف العملاق BROTHERS LAHMAN ولولا تدخّل الفدرالي الأميركي لانهارت مؤسّسات مصرفية ومالية كبرى، في حين أنّ مصارف صغرى ومتوسّطة سلمت من الأزمة بسبب ما لديها من احتياطيات ملائمة، وحجما «عقلانيا» من التسليفات يتناسب مع صغر حجمها، الأمر الذي يطرح السؤال حول ضرورة وجود عدد كبير من المصارف، ولو كانت متوسطة أو صغرى تتعايش مع مصارف كبرى منعا للاحتكارات وحرصا على المنافسة وجودة الخدمات.

والدليل أنه في الولايات المتحدة بلد المصارف العملاقة ما زال هناك حوالى ٥٥٠٠ مصرف تدعى Banks Community منتشرة على طريقة الـBoutique Banks في المدن الصغرى والقرى وبرساميل صغيرة أو صغيرة جداً، بموجودات لا تتعدى الـ٥٠٠ مليون أو الـ٣٠٠ مليون دولار، بينها حوالى ١٥٠٠ مصرف بموجودات أقل من ١٠٠ مليون دولار.

وفي ألمانيا حوالى ١٨٠٠ مصرف منها ٨٠٠ مصرف قطاع خاص و٤٠٠ قطاع عام و١١٠٠ اتحاد مصرفي ائتماني يملكه أعضاء الاتحاد.

وفي النمسا التي يقل عدد سكانها عن عدد سكان لبنان، حوالى ٧٠٠ مصرف بهدف تجنّب الاحتكارات وتنويع الاختصاصات وتوسيع مدى الخدمات في القرى والأرياف.

يشار بالمناسبة إلى أنه عندما كان أحد المصارف في لبنان يعاني، كان مصرف لبنان يتجنّب قدر الإمكان أن يكون الدمج مع مصرف كبير، كي لا تنشأ احتكارات مصرفية كبرى، وحرصاً على استمرار مصارف صغرى لها دورها في المنافسة والخدمات، بدليل أنّه رغم انخفاض عدد المصارف في لبنان ما زال هناك 49 مصرفاً، مصارف صغرى والباقي الـBanks Alpha مصارف متوسّطة أو كبرى. وأي عمليات لاختصارها بالدمج أو بالإلغاء يخشى أن ينتج عنها «تراستات» مصرفية لبنانية تقضي على المنافسة باحتكارات كبرى.

مصدرذو الفقار قبيسي - اللواء
المادة السابقةالحكومة “شريك مضارب” مع المصارف!
المقالة القادمةتحذيرات من زعزعة استقرار الوحدة النقدية الأوروبية