في الفترة الممتدّة بين نهاية 2018 ونهاية آذار 2023 سجّل مؤشر أسعار الفنادق والمطاعم، بحسب إدارة الإحصاء المركزي، ارتفاعاً من 114 نقطة إلى 24920 نقطة، أي أنه تضاعف 217 مرّة، أي بمعدل 43.5 مرّة في كل سنة. بين هاتين النقطتين الممتدتين على فترة خمس سنوات، ثمّة مرحلة فاصلة أساسية تكمن في ذلك القرار الذي أصدره وزير السياحة وليد نصار في حزيران 2022 والذي سمح للمؤسسات السياحية بالتسعير بالدولار. ففي نهاية حزيران 2022 كان المؤشر قد سجّل 1715 نقطة، أي أنه تضاعف فقط 15 مرّة خلال فترة ثلاث سنوات ونصف سنة، لكن بعدها، بدأ التضخّم في أسعار المطاعم والفنادق يقفز قفزات جنونية، ليسجّل 14.5 ضعفاً في فترة تسعة أشهر.
هذه التطورات أجبرت أصحاب المصالح في هذا القطاع، على تقليص هوامش أرباحهم. لكن مع انحسار موجة كورونا عادت هذه المؤسسات لرفع هوامش ربحها لأسباب عدة؛ أولاً بسبب التكيّف الجزئي الذي حصل في الأجور المحليّة، وثانياً بسبب عودة الحركة السياحية إلى البلد. لكنّ المساهم الأكبر في إعادة هوامش الربح إلى ما كانت عليه قبل الأزمة كان قرار وزير الاقتصاد بدولرة الأسعار في هذا القطاع في شهر حزيران من العام الماضي. وهو ما تشير إليه أرقام الإحصاء المركزي في ما يخص مؤشّر أسعار هذا القطاع. فمنذ حزيران الماضي، مرّ شهران فقط تخطّى فيهما الارتفاع في سعر الصرف الارتفاع في مؤشّر الأسعار. بمعنى آخر، منذ قرار الدولرة، كانت الأسعار في قطاع الفنادق والمطاعم ترتفع بسرعة أكبر من الارتفاع في سعر الصرف. عملياً، هذا الأمر يعني أن الأسعار بالدولار ارتفعت، وهو ما يشير إلى ارتفاع هوامش الربح. وهذا الأمر مثير للاهتمام، ففي أزمة كالتي تحصل في لبنان وقاطرتها الأساسية الانهيار في سعر الصرف، يفترض أن يسبق الارتفاع في سعر الصرف، الارتفاع في الأسعار الاستهلاكية، لكن بمجرد حصول العكس نظراً إلى التطورات والقرارات المتّخذة، فقد بات واضحاً أن أصحاب الرساميل استفادوا من الفوضى القائمة ومن تقديم المسؤولين الرسميين حماية حصرية لأرباحهم، حتى يعيدوا تكوين هوامش أرباح ربما تفوق ما كانوا يحصلون عليه في سنوات الاستقرار النقدي. أصحاب الرساميل، كانوا دائماً في سلّم أولويات السلطة، وشركاء أساسيين لها في النموذج الذي بني منذ مطلع التسعينيات والقائم على تحصين القدرات الشرائية المحلية وتمويل الاستهلاك المحلي باستقدام الأموال من الخارج. هذا النموذج بات يتغوّل أكثر فأكثر، وستكون نتائجه وخيمة، إذ إنه يستهلك الكثير من الدولارات التي تأتي إلى لبنان ويحوّل القيم المضافة المحلية إلى أرباح يمكن تصديرها بسهولة إلى الخارج. هذا يعني أنه يستنزف الدولارات التي تأتي إلى الاقتصاد والتي يفترض أن تُستخدم لبناء الاقتصاد، لا تهديمه كما هي الحال الآن.