منذ قرابة 5 سنوات والانهيار المالي والاقتصادي “يقضم” تعويضات الموظفين أمام أعين السلطات الرسمية. 5 سنوات لم يحرّك أي منهم ساكناً على الرغم من أن موازنة 2024 اعتمدت في إيراداتها سعر الصرف الحقيقي للدولار، وهو 89500 ليرة. لكنها لم تتعامل بجدّية مع مسألة تعويضات نهاية الخدمة والرواتب التقاعدية التي فقدت أكثر من 95 في المئة من قيمتها منذ العام 2019 وحتى اليوم، مع انهيار العملة الوطنية.
فالموظف الذي عمل لأكثر من 20 عاماً ويستحق تعويضاً لنهاية خدمته بقيمة 150 مليون ليرة (أو ما كان يعادل 100 ألف دولار على سعر صرف 1500 ليرة للدولار) على سبيل المثال، تقاضى تعويضه بقيمة 150 مليون ليرة أو ما يعادل 1660 دولاراً فقط.
كل ما ورد خلال السنوات الخمس من الأزمة حول تعويضات نهاية الخدمة اقتصر على ورود مادة في موازنة 2024 (93)، نصّت على “معالجة استثنائية لتعويضات نهاية الخدمة وفقاً لأحكام المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي”، واقترحت المادة التي تم شطبها قبل إقرار الموازنة، احتساب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من العام 2023 عن سنوات الخدمة لما قبل 31\12\2023 على أساس 15000 ليرة للدولار الواحد.
حُذفت تلك المادة التي بدا عليها التسرّع بالصياغة والطرح، لما فيها من إجحاف بحق الموظفين والمتقاعدين من جهة، وبحق الشركات أيضاً من جهة أخرى، على أن يتم إقرار قانون في وقت لاحق يراعي مصلحة الطرفين، بعد قراءة متروّية لأزمة التعويضات. فما طبيعة اقتراحات القوانين المتعلّقة بتعويضات نهاية الخدمة؟ وما هي العلل التي تشوب كل منهما؟
اقتراحان لأزمة التعويضات
تم التقدّم باقتراحي قانون لإعادة النظر بتعويضات نهاية الخدمة، أحدهما تقدّم به النائب فيصل كرامي، والثاني تقدّمت به مجموعة نواب، هم فراس حمدان ونجاة عون صليبا وابراهيم منيمنة وملحم خلف وبولا يعقوبيان وياسين ياسين.
يقضي اقتراح القانون الذي تقدّم به كرامي بإعادة تكوين تعويض نهاية الخدمة للعمال الخاضعين لقانون العمل، في القطاع الخاص وفي المؤسسات العامة والمصالح المستقلة التي تخضع لقانون العمل، أو في المؤسسات العامة التي تخضع لقانون الضمان الاجتماعي، الذين تركوا العمل ابتداءً من تشرين الأول 2019 وذلك عبر مضاعفة هذا التعويض 30 مرة، باعتبار ان انهيار العملة بلغ 60 مرة (من 1500 ليرة إلى 90000 ليرة) وعليه يتم التعويض عن 50 في المئة من قيمة الانهيار. واقترح كرامي بأن تتولى الدولة اللبنانية دفع جزء من فارق التعويضات (44 في المئة) بعيداً عن مالية الضمان، والهيئات الاقتصادية الجزء الآخر (56 في المئة).
أما اقتراح قانون النواب الستة، فيرمي إلى احتساب تعويض نهاية الخدمة للعاملين في القطاع العام (وليس الخاص) على أساس الراتب الأخير مضروباً بـ40 ضعفاً، وللمتقاعدين مضروباً بـ15 ضعفاً، على ان يبدأ تطبيقه بدءاً من 1/1/2020 لحين إقرار سلسلة رتب ورواتب جديدة، ما زالت تتهرب منها حكومة تصريف الأعمال لغاية الآن.
لم يحظ الاقتراحان بالاهتمام المطلوب، إلا أن الاقتراح الأول (اقتراح كرامي)، نال موافقة وتأييداً واسعاً من الاتحاد العمالي العام والهيئات الاقتصادية، الذين وصفوه بالاقتراح المنصف، باعتباره يعوّض 50 في المئة مما فات الموظف المتقاعد، أي أن من كان يحصل على 150 مليون ليرة (100 ألف دولار على سعر الصرف 1500 للدولار) سيحصل في حال إقرار اقتراح قانون كرامي على ما يعادل 50 ألف دولار على سعر الصرف عند الاستحقاق. كما أنه يطال أيضاً المستخدمين الذين استوفوا مبالغ تعويضاتهم بعد تاريخ 31\12\2019. فحسب الاقتراح المذكور، يُعاد احتساب تعويضات هؤلاء على أساس المقاربة نفسها، ودفع الفارق بين ما تقاضوه سابقا (مقيّماً بالدولار) وبين ما يستحقوه وفقاً لأحكام القانون في حال إقراره. وفي حالة إغلاق الشركة التي كان يعمل المضمون لديها سابقاً، فإن على الدولة أن تتحمل كامل قيمة الفرق في تعويضات العمال المستحقة.
ملاحظات ومخاوف
اقتراح كرامي، وإن كان في جانب من جوانبه يعوّض الموظفين عن بعض الغبن اللاحق بتعويضاتهم، إلا أنه يفتح الباب على غبن أكبر محتمل في المرحلة المقبلة. فالاقتراح المذكور يقترح تعديل المادة 51 من قانون الضمان الاجتماعي استثنائياً، حيث يحدد مقدار تعويضات نهاية الخدمة على الوجه التالي:
يحتسب تعويض نهاية الخدمة بما يعادل عن كل سنة خدمة الأجر (أو شهر ونصف للسنوات التي تفوق الـ20)، الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر عن سنوات الخدمة لما قبل 31\12\2023 على أساس نصف سعر صرف الدولار، حسب سعر الصرف في السوق عند صدور قرار موافقة صرف التعويض (أو نصف سعر صرف الدولار في السوق عند تاريخ إعادة احتساب التعويض، وفقاً لأحكام هذا القانون بالنسبة لمن استوفى تعويضه سابقاً)، مقسوم على سعر 1500 ليرة، مضروب بالراتب بالليرة اللبنانية المصرح عنه قبل تاريخ 1/10/2019.
كما ويعادل عن كل سنة خدمة الأجر الذي تقاضاه صاحب العلاقة خلال شهر كانون الأول من كل عام أو خلال الشهر الذي سبق تاريخ نشوء الحق بالتعويض بعد 1\1\2024 عن كل سنة خدمة، محتسباً وفقاً لأحكام قانون الضمان الاجتماعي.
من هنا لاقى هذا الاقتراح اعتراضات عدد من الاتحادات العمالية، منها اتحاد النقابات العمالية للمؤسسات العامة والمصالح المستقلة، الذي أعرب عن رفضه تعديل قانون الضمان أو تعديل أسس احتساب تعويض نهاية الخدمة، لأنه سيؤدي إلى تخفيض قيمة تعويضات نهاية الخدمة مستقبلاً للمضمونين في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي. مطالباً بإلزام أصحاب العمل بالتصريح عن كامل الراتب وإدخاله مع المساعدات والزيادات في الراتب الأخير الذي يتخذ أساساً لاحتساب تعويض نهاية الخدمة، من دون أي تعديل لقانون الضمان الاجتماعي، الذي يحفظ حق الأجراء بتعويض نهاية الخدمة على أساس الراتب الأخير الذي يستحق عند تاريخ التقاعد مضروباً بعدد سنوات الخدمة.