كان مصرف لبنان سابقاً اقترح تعديل التعميم 151 لجهة رفع سعر صرف السحوبات النقدية من الودائع باللولار الى السعر المحدد على منصة صيرفة عند حوالى 90 الف ليرة، إلا ان جميعة المصارف رفضت هذا الاقتراح خوفاً على تبخر قيمة رساميلها بعد التعديل وخوفاً من الخسائر التي ستترتب عليها نتيجة تأمين مبالغ نقدية كبيرة بالليرة لتغطية السحوبات النقدية على سعر الصرف الجديد.
ثم تجدد الاقتراح مع تولي الحاكم بالانابة وسيم منصوري وعاد الى الطاولة، مع تأكيده انه سيصبح نافذاً مع اقرار الموازنة الجديدة في مجلس النواب والتي تحدد فيها سعر الصرف عند 90 الف ليرة. أي سيصبح سعر صرف السحوبات النقدية بالليرة من الحسابات المصرفية بالدولار (غير الفريش) عند 90 الف ليرة بدلا من 15 الف ليرة، لان سعر الصرف سيصبح موحّداً، مما سيخفض نسبة الاقتطاع من الودائع في حال استقر سعر الصرف الموازي عند 90 الف ليرة مع بدء اعتماد منصة بلومبرغ.
ولكنّ تلك الخطوة ستتطلب ضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية بالليرة في السوق تساوي 5 أضعاف ما يفترض نظرياً انه للسحوبات وفق التعميم 151، فهل سيؤمّنها مصرف لبنان للمصارف ويستمرّ بشراء «الدولارات» التي تشتريها المصارف من الزبائن بسعر 15 ألف ليرة لكل دولار كما هي عليه الحال اليوم؟ وما تأثير ذلك على سعر الصرف في السوق في موازاة قيام مصرف لبنان بتجفيف الليرة من السوق وتقليص حجم الكتلة النقدية؟ وكم ستبلغ قيمة رساميل المصارف الاجمالية بعد اعادة تقييمها على سعر الصرف الجديد خصوصاً ان معظمها بالليرة؟
يتضح من اجتماع حاكم مصرف لبنان بالانابة مع جمعية «صرخة المودعين» و»رابطة تضامن المودعين» ان التعميم 151 مرتبط بسعر الصرف المحدد في الموازنة والذي يتم استخدامه بعلاقة مصرف لبنان مع القطاع المصرفي. وبما ان موازنة 2023 تستخدم سعر صرف منصة صيرفة، فعليه يُتوقع ان يتم تسديد دولارات المودعين ضمن التعميم 151 على سعر صرف الـ85 الف ليرة.
وبالقراءة النقدية، يظهر أن تغيير سعر الصرف في الوضع الحالي ستنتج عنه مشكلتان: الأولى تتعلق بتأثير ضخ كميات كبيرة من السيولة النقدية بالليرة اللبنانية على حجم الكتلة النقدية في السوق وان كانت هذه الخطوة تشكل منحى عادلاً للمودعين. ففي ظل العجز المنتظر في الموازنات المطروحة، والايرادات المتوقعة في ميزانية الحكومة بمستويات لا تعادل الكتلة النقدية التي سيضخها القطاع المصرفي، وحتى لو تمت جباية ايرادات الدولة على سعر صرف صيرفة، فان هذا الامر سينعكس سلباً على حجم الكتلة النقدية، مما قد يزيد من نسبة التضخم، ويضعف القدرة الشرائية، الى ما لذلك من تأثيرات على سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل الدولار. وعليه فمن المتوقع أن يخفض مصرف لبنان سقف السحوبات النقدية في التعميم 151 من 1600 دولار الى مستويات أقل للسيطرة على الكتلة النقدية، مما قد يساهم في حلّ هذه المشكلة.
أما المشكلة الثانية، فتتعلق بالتأثيرات السلبية لاعتماد سعر منصة صيرفة على رساميل المصارف. والاكيد ان نسب الملاءة ستنخفض مع اعتماد سعر صرف محرر، لكن هذا الموضوع يخضع لعلاقة الناظم الرقابي مع القطاع المصرفي، علماً ان الخيارات المتبعة من قبل المجلس المركزي تشير الى محاولة الحفاظ على القطاع المصرفي الى حين ايجاد حلّ للازمة واقرار التشريعات المطلوبة تفادياً لخسارة المودعين في حال افلاس المصارف ومنحهم ما تضمنه مؤسسة ضمان الودائع وهو 75 مليون ليرة، اي حوالى 842 دولاراً فقط بسعر السوق الموازي اليوم بالاضافة الى نتيجة صافي قيمة الاصول وما قد تتم اعادته من الاموال المنهوبة!
وبالتالي، فان التعميم 151 لن يلغى او يعدّل قبل اقرار مجلس النواب موازنة 2023 التي تعتمد سعر صرف محرر او عند مستويات صيرفة كمرحلة انتقالية، لان مصرف لبنان لن يتحمّل خسائر مالية اضافية باعتماده منفرداً على سعر صرف مغاير للسعر المعتمد من قبل الدولة.