عادت مسألة أزمة الدين الخارجي بسندات اليوروبوندز إلى الواجهة من جديد لكن هذه المرّة من النافذة العالميّة، حيث حظيت بإهتمام الصحافة الغربية بعدما فنّد مقال نشرته صحيفة «فاينانشال تايمز» إمكانيّة الدولة اللبنانية تعديل أحد بنود الإصدار من طرف واحد تسهيلاً لإعادة هيكلة الدين وجدولته. وذلك من خلال الإستناد إلى أحد البنود المنظّمة للوكالة الماليّة الموقّعة من الدولة اللبنانية ومن الوكيل الماليFiscal Agency) Agreement). فما استجدّ في هذا المقال المعدّ من قبل أستاذين في كلية الحقوق في جامعتي نيويورك وفيرجينيا في 14 تموز 2023، جدير بالبحث إنطلاقاً من آثاره القانونيّة والتنظيميّة المحتملة.
ما مدى جديّة هذا الطرح؟
بند الخطأ الفادح «Manifest Error Clause»: يغطي هذا البند عمليّة تصحيحات الأخطاء الفادحة التي يمكن للمدين إصلاحها دون موافقة حاملي السندات. بالنسبة إلى لبنان، لا يحظى هذا البند بإهتمام كبير، فللحماية من سوء الإستخدام يأتي بند «الخطأ الفادح» بشرطين: الأوّل أن إجراء أي تغيير يجب أن يأتي لصالح حاملي السندات، والثاني أن لا يؤثر التغيير سلباً على حقوق أي حامل.
إذاً فهذا الموضوع جدير بالإهتمام باعتبار أنه يجوز للدولة اللبنانية بمفردها أن تضيف بنوداً جديدة إلى العقد على أن تكون تلك الأحكام أو الشروط لصالح أصحاب السندات (بصيغة الجمع)، أي طالما أن هذا التغيير يحصل من أجل المنفعة الجماعية لأصحابها. هنا، تطرح إشكاليّة حول ما هو المعيار المحدّد لتقرير ما إذا كان هذا التغيير هو لصالح حاملي السندات أم لا؟ فهذا الموضوع غامض وهو بحاجة إلى توضيح.
بند المفاوضة الجماعيّة
منذ بدء الأزمة، والدولة اللبنانيّة لم تصل إلى تنفيذ الإصلاحات اللازمة للتمكّن من الإستفادة من برنامج صندوق النقد الدولي، فهي لم تنفّذ أيّاً من الإجراءات والشروط المطلوبة لإبرام هذا البرنامج. فإبرامه يعتبر شرطاً أساسياً من شروط حاملي سندات «اليوروبوندز» الأجانب للتفاوض مع الدولة.
في هذا الإطار لا بد من الإشارة إلى أن لبنان لم يختر إستخدام بند المفاوضة الجماعيّة الذي يتيح للمصدرين أن يتفاوضوا بطريقة إجمالية عبر جميع الإصدارات التي تتضمن شرط التفاوض الجماعي (Across Series)، وليس على أساس سلسلة بسلسلة أو إصدار بإصدار. إن هذا الأمر يتيح للبنان أن يتفاوض بشكل جماعي وليس بشكل إصدارات منفردة، مع الإشارة إلى أن لدى لبنان 29 سلسلة (إصدار).
إذاً يشير المقال المذكور أعلاه إلى أن «العقد يحتوي على بند واسع يسمح للدولة اللبنانية في أي وقت، ومن طرف واحد أي بدون موافقة أي من حاملي السندات، تغيير شروط هذه السندات من خلال إضافة بنود طالما أن تلك الأحكام بشكل عام تأتي لصالح حاملي السندات حتى لو لم تأت لصالح جميع هؤلاء الحاملين».
إقتراح تغيير بند التصويت
يقترح المقال إمكانية إستعمال لبنان لبند تصحيح «الخطأ الفادح» لتغيير آلية التصويت لكي تتم على أساس جماعي وليس سلسلة بسلسلة. فإذا أقر هذا البند فإنه قد يسمح بالتفاوض مع أغلبية معيّنة من حاملي السندات دون الحاجة لتوفّر موافقة 75% من حاملي السندات لكل إصدار.
فلو أقر هذا البند وحصل لبنان على موافقة أكثريّة 75% من مجموع حاملي السندات (أي العدد الإجمالي للحاملين) و50% من حاملي السندات في كل إصدار، يستطيع إضافة أو إحداث أي تغيير في شروط السندات.
الفرق أنّه في الماضي كانت الحاجة إلى شرط موافقة كل حامل سند منفرداً، إلا أن هذه الحاجة قد انتفت فهي لم تكن موجودة من الأساس في إصدارات لبنان الذي كان من أوّل البلدان التي طبقت التفاوض الجماعي. فالإقتراح اليوم هو بزيادة بند يسمح بالتصويت الجماعي عبر جميع الإصدارات وليس التصويت سلسلة بسلسلة، فمثلاً في حال وجود حامل سند رافض يملك 40% من سلسلة واحدة لم يعد باستطاعته التعطيل بحيث يمكن تخطّيه في هذه الحالة.
حجّة تقنيّة لكنها غير مضمونة
وفي قراءة قانونيّة للطرح، وضع المحامي الدولي والخبير بشؤون «اليوروبوندز» كميل أبو سليمان ملاحظاته في هذا المجال. بحيث أشار « لنداء الوطن» إلى وجود حجّة تقنيّة لكنه لا ينصح بإستخدامها للأسباب التالية:
أولاً، «من غير المضمون أن ينجح لبنان أمام المحاكم الأميركية في حال إستعمل هذا البند لأن هذا ليس الهدف الأساسي لهذا البند. فالمطروح هو تعديل شروط واضحة والتي تمّ التفاوض عليها مع مديري الإصدار».
ثانياً والأهم، «ما هي الإفادة من إستعمال هذا البند؟ خاصّة وأن السندات يتم تداولها بسعر 7 سنتات. فطالما طالبتُ خلال السنتين الماضيتين بأن تتفضّل الدولة اللبنانية أو مصرف لبنان بإعادة شراء أكبر عدد ممكن من السندات بفائق ضئيل على سعر السوق. فهذه حالياً أهم نقطة بالنسبة لي وذلك لأسباب عدّة، ومنها أنه قد يستطيع لبنان أن يلغي قسماً من الدين بأقل من 10% من قيمته. كذلك، يستطيع أن يحسّن موقعه التفاوضي لأن عمليّة إعادة شراء «اليوروبوندز» سوف تتم مع حاملي السندات الأجانب».
ثالثاً، «المفاوضات مع حاملي السندات لم تبدأ بعد، وقد يكون مستغرباً أن يذهب أي مُصدر بإجراء عمليّة عدوانيّة «Aggressive Move» قبل بدء هذه المفاوضات، فمن غير المنطقي أن يتعاطى أي مُصدر بهذه الطريقة ومن غير المحبّذ الدخول إلى المفاوضات بإتخاذ موقف جدلي من شأنه إثارة الخلاف مع الطرف الآخر الذي سيلجأ إلى المحاكم الأميركية. ففي حال تعثرت المفاوضات، هناك شروط أخرى (لن أدخل في تفاصيلها الآن) من الممكن أن تفيد لبنان أكثر بكثير من تطبيق هذا الخيار ويمكن حينئذ إعادة البحث بالخيار المطروح».
في المحصّلة، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات على وقوع الأزمة، حان الوقت للنظر بكل المعضلات الموجودة وحلّها. بحيث أصبح من الملحّ أن يتم التعاطي بجديّة وتقنيّة مع أمور صعبة ودقيقة كهذه، وإتخاذ القرارات الضرورية بعيداً من المزايدات.