تعديل قانون «السرية المصرفية»: «إصلاحٌ» يُعزّز مصالح الفاسدين!

النقاش نفسه يتكرر كل فترة. بعد كل ما حصل ويحصل من انهيارات مالية، يغرق النواب في الصراع على هوية الجهات التي يحقّ لها طلب رفع السرية المصرفية. يتجنّب هؤلاء النقاش الفعلي، أي النقاش في مبرّر وجود السرية المصرفية التي لم يبقَ لها من وظيفة سوى حماية المتهربين من الضريبة ومنع كشف الفاسدين الذين يودعون أموالهم في المصارف. أيّ جدوى إصلاحية من التعديل المقترح لقانون السرية المصرفية أُسقط عملياً منذ نحو عام. تحديداً منذ عبثت اللجان النيابية المشتركة بالنص الذي كانت اللجنة الفرعية المنبثقة عنها قد أقرّته. في ذلك الحين، وافقت اللجنة على النص الذي أعدّته لجنة تقنية تضم ممثلين عن وزارة العدل ونقابة المحامين وبرنامج الأمم المتحدة الإقليمي لمكافحة الفساد والنائب السابق غسان مخيبر. ودمجت ثلاثة اقتراحات قوانين مقدمة من التيار الوطني الحر والنائبين بولا يعقوبيان وسامي الجميل والنائب ميشال ضاهر، لاقتراح الأبعد مدى كان إلغاء السرية بالمطلق، لكنه لم يصمد في وجه حزب المصرف الذي لا يزال يكرر خرافة أن «السرية المصرفية هي لبنان».

وبخلاف ما تم تسويقه عن أن رفع السرية المصرفية يؤدي إلى استغلال البعض لهذه السرية في سياق أعمال غير مشروعة مثل الابتزاز والانتقام… فقد كان الاقتراح واضحاً في المحافظة على السرية المهنية، من خلال فرض عقوبات قاسية على المصارف أو المؤسسات المالية ومديريها وكل من له صفة تقريرية فيها في حال أعطوا أي معلومات مالية تتعلق بالأشخاص المرفوعة عنهم السرية، إلا بناء لطلب الجهات المخوّلة، أي: القضاء في إطار استقصاء أو ملاحقة أو تحقيق أو محاكمة، هيئة التحقيق الخاصة في إطار مكافحة عمليات تبييض الأموال وتمويل الإرهاب، الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في إطار الصلاحيات المحددة في قانون إنشائها، وزارة المالية في إطار إجراءات التدقيق والتحقق الضريبية، هيئة الإشراف على الانتخابات في إطار مراقبتها الإنفاق الانتخابي، المجلس الأعلى للجمارك ومدير الجمارك في إطار إجراءات مكافحة التهرب الجمركي.

هذا النص عندما وصل إلى اللجان المشتركة، سريعاً أُفرغ من مضمونه. أولاً تم إلغاء عبارة «تلغى أحكام السرية المصرفية» لأي شخص يؤدي خدمة عامة مهما كانت صفته، واستُعيض عنها بنصّ يكرس مبدأ السرية المصرفية ويضع الاستثناء عليها: يجوز للجهات المحددة في الفقرة الثالثة من هذا القانون الاستحصال على المعلومات المصرفية المشمولة بالسرية المصرفية عن الموظفين العموميين ورؤساء الأحزاب التي تتعاطى نشاطاً سياسياً. لكن الأهم أنه بدلاً من ٦ جهات كان يحق لها طلب رفع السرية بحسب الصيغة الدامجة، وصل الاقتراح النهائي إلى الهيئة العامة، مقتصراً على ثلاث جهات: هيئة التحقيق الخاصة (يحق لها حالياً رفع السرية) وهيئة مكافحة الفساد (لم تشكّل بعد، لكن ينص قانونها على حقها في طلب رفع السرية المصرفية)، والقضاء الذي يمكنه حالياً، لكن بشكل محدود، طلب رفع السرية المصرفية على حسابات معينة، على أن تبتّ هيئة التحقيق الخاصة بالطلب.

رفض رئيس الجمهورية هذا التعديل. وفي ١٩ حزيران ٢٠٢٠، ردّ القانون الذي أُقرّ في ٢٨ أيار ٢٠٢٠ إلى المجلس، معتبراً أنه لا يجوز استبعاد القضاء عن حق طلب المعلومات المصرفية، انطلاقاً من أنه السلطة الضامنة للمتقاضين وحقوقهم وحرياتهم، كما حقوق المجتمع عليهم. نام الطلب في أدراج المجلس ما يقارب السنة، لأسباب عديدة منها المماطلة وانفجار المرفأ والإغلاق العام… والأسبوع الماضي طُرح القانون على لجنة المال. نقاش طويل شهدته الجلسة، المسألة لم تُحسم في الجلسة تلك. لجنة فرعية جديدة شُكّلت من النواب جورج عقيص وهادي حبيش وسليم عون، مهمتها إعادة صياغة النص.

بعد عام من الانتظار، أقسى ما يمكن تحقيقه هو إعطاء الحق للقضاء لطلب رفع السرية المصرفية عن العاملين في الشأن العام. هذا «إنجاز» لن يغيّر في المشهد الذي لا يزال يعتبر أن «إلغاء السرية المصرفية هو إساءة لمصلحة البلد العليا الاقتصادية والمالية والنقدية».

مصدرجريدة الأخبار - إيلي الفرزلي
المادة السابقةمصلحة الابحاث حذرت من الاسمدة المغشوشة
المقالة القادمة“بروليكس” تبدأ الإثنين العمل على “نظام العقوبات اللبنانية”