ما تسرّب عن اتفاق على إعادة تعيين ثلاثة من بين أربعة نواب لحاكم مصرف لبنان السابقين الذين انتهت ولايتهم في آذار الماضي، قد لا يكون دقيقاً بسبب وجود خلافات حول أكثر من نقطة متصلة بهذا التعيين. فمن جهة، ليس هناك توافق على تعيين النائب الأرمني، رغم محاولات الحاكم رياض سلامة للتجديد لهاروت ساموئيليان. وليس هناك توافق على تعيين النائب الدرزي أيضاً. ومن جهة ثانية، هناك إشكالية تتعلق بإعادة تعيين النواب الذين تقاضوا تعويض سنتين بعد انتهاء الولاية بقيمة تبلغ 680 ألف دولار لكل واحد منهم
في نهاية آذار الماضي، انتهت ولاية نواب حاكم مصرف لبنان الأربعة: رائد شرف الدين، سعد العنداري، محمد بعاصيري، هاروت ساموئيليان. هذه المجموعة عُيِّنت للمرّة الأولى في 2009، وجُدّد لها في عام 2014. كلّ مرة لمدّة خمس سنوات بحسب المادة 18 من قانون النقد والتسليف. لكن من بينهم بعاصيري الذي تنقّل لمدّة 25 سنة بين لجنة الرقابة على المصارف، ومنصب نائب حاكم مصرف لبنان، وساموئيليان الذي أمضى فترة طويلة نائباً للحاكم. أما شرف الدين والعنداري، فأمضيا 10 سنوات.
حاول حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ورئيس الحكومة سعد الحريري، تجديد التعيين للنواب الأربعة. هذه المحاولة تغلف مطلباً أميركياً بالتجديد لبعاصيري في موقعه (راجع «الأخبار» ــ «واشنطن ليكس»، عدد 19 نيسان 2019)، إذ إن بعاصيري يعدّ اليد اليمنى لسلامة وبمثابة الوديعة الأميركية في مصرف لبنان، وهو موقع حيوي نظراً للحرب التي تشنّها الولايات المتحدة الأميركية في إطار تجفيف منابع تمويل حزب الله، وهي بحاجة لأن يبقى صوتها في مصرف لبنان فاعلاً من خلال الحاكم ونائبه المنتهية ولايته، بعاصيري.
مواقف الأطراف المحلية من هذا التعيين ليست حادّة، إذ تقول مصادر مطلعة أن لا أحد على استعداد لفتح جبهة مع سلامة ومع الأميركيين في مثل هذا الأمر، وإن كان حزب الله يحبّذ التغيير الشامل للنواب الأربعة فَسحاً في المجال أمام وجوه شابة تملك قدرات وكفاءة مرتفعة لقيادة السياستين النقدية والمالية في هذه المرحلة الخطرة.
لكن المشكلة تكمن في المحور المحلّي، إذ تطرح إشكاليات مختلفة: فمن جهة، تبيّن أن رئيس مجلس النواب نبيه بري، مصرّ على التمسّك برائد شرف الدين، في حال التجديد لأيٍّ من نواب الحاكم، فيما يسعى وزير الخارجية جبران باسيل، إلى فرض تعيين نائب الحاكم المسيحي بعيداً عما يعتبر أنه موقع مخصّص للأرمن يبتّ فيه حزب الطاشناق. والنائب وليد جنبلاط مصرّ على تعيين فادي فليحان بدلاً من سعد العنداري، في مقابل إصرار النائب طلال أرسلان ورئيس تيار التوحيد وئام وهاب على تعيين فؤاد أبو الحسن.
هذه التناقضات تعتريها الكثير من الإشكاليات السياسية والمذهبية. فبالنسبة إلى نائب الحاكم المسيحي – الأرمني، تبيّن أن مرشح باسيل هو غربيس إيراديان، فيما يتمسّك رئيس حزب الطاشناق هاغوب بقرادونيان بصهره هاروت ساموئيليان. وبحسب مصادر مطلعة، تبيّن أن محاولة فرض إيراديان على الطاشناق وصلت إلى درجة الطلب منه تغيير مذهبه من أرمن كاثوليك إلى أرمن أرثوذوكس ليكون متطابقاً مع العرف، إلا أن بقرادونيان أوقف معاملة تغيير المذهب في المطرانية.
في المقابل، يصبح تمسّك بقرادونيان بصهره، مثيراً للجدل. ويتردّد بين المطلعين، أن سلامة وبقرادونيان متفقان على ساموئيليان، لكونه من فريق العمل المطواع بيد الحاكم. وتشير المصادر إلى أن ثمن التمسّك بساموئيليان، توظيف ابن بقرادونيان في مصرف لبنان قبل نحو ثلاثة أشهر. واللافت، أن الابن لم يوقّع بعد عقداً مؤقتاً، بل هو موظف قيد التثبيت في انتظار تنفيذ الاتفاق بين الطرفين.
وفيما يصرّ جنبلاط على تعيين فليحان، الموظف في بنك ميد، يقول رئيس تيار التوحيد وئام وهاب لـ«الأخبار» إن الاسم الدرزي لنائب الحاكم لم يحسم بعد بين مرشح جنبلاط ومرشح النائب طلال أرسلان ووهاب، فؤاد أبو الحسن: «حلفاؤنا ملتزمون معنا وليس هناك اتفاق على الاسم بعد».
إشكاليات المحاصصة السياسية والفساد في تعيين نواب الحاكم ليست هي وحدها العامل الظاهر في هذا التعيين. فقد برزت إشكالية لم تكن موجودة سابقاً، إذ تنص المادة 24 من قانون النقد والتسليف على أن يعطى كل نائب منتهية ولايته تعويضاً مقداره راتب سنتين، وذلك بهدف منعه من العمل طوال هذه الفترة التي يكون فيها مطلعاً على خفايا وأسرار المصارف والمؤسسات المالية بأوضاعها الإدارية والمالية وزبائنها وما يشابه. وبالفعل، حصل النواب الأربعة عند انتهاء ولايتهم على تعويضات تقدّر بنحو 4.09 مليارات ليرة لبنانية، أي بمعدل 1.02 مليار ليرة لكل واحد. وبالتالي، في حال التجديد لأيٍّ منهم، هل سيكون عليه ردّ المبلغ، أم أنه سيتقاضى مبلغاً مماثلاً بعد انتهاء ولايته الجديدة؟ ألا يعدّ هذا الأمر هدراً للمال العام؟
التوافق على صفير رئيساً لجمعية المصارف
اتُّفِق الأسبوع الماضي على تزكية ترشيح رئيس مجلس إدارة بنك بيروت سليم صفير، لرئاسة مجلس إدارة جمعية المصارف، خلفاً لجوزف طربيه. الاتفاق على صفير، المرشح الدائم لرئاسة الجمعية منذ سنوات طويلة، لم يكن يسيراً، إذ كانت هناك بعض الاعتراضات أو الترشيحات المقابلة التي لم تتمكن من منافسة صفير المدعوم سياسياً من رئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل نظراً للعلاقة التي تربطهما. وقد تبيّن، بحسب مصادر مصرفية، أن ترشيح رئيس مجلس إدارة البنك اللبناني الفرنسي وليد روفايل، كان مطروحاً، إلا أن التزكية السياسية أمّنت لصفير المسار الآمن نحو الرئاسة. وقالت المصادر إن الجهة السياسية نفسها التي زكّت صفير، حاولت دعم ترشيح رائد خوري إلى عضوية مجلس الإدارة، لكن لم يكن ممكناً إخلاء «مقعد مسيحي» في المجلس لخوري.
وكان رئيس الجمعية الحالي جوزف طربيه، قد زار أمس رئيس الجمهورية ميشال عون، وقال بعد اللقاء ردّاً على سؤال: «انتخابات جمعية المصارف ستجري في التاسع والعشرين من الحالي، وبالطبع هذا الوقت هو الوقت للتوافق ولا منافسة على مصلحة شخصية، ونحن توافقنا على اتجاه توافقي، على أن يتولى الزميل سليم صفير قيادة الجمعية، ونأمل أن تؤيّد القاعدة المصرفية هذا الاختيار الذي كان بارزاً في مجلس الإدارة، إنما يتطلب موافقة الجمعية العمومية».