تفاؤل المصارف وحاملي السندات: “هذه حكومتنا”!

من المفترض أن تكون أولى مهام الحكومة المقبلة السير في ملفّين متوازين: مسار التفاوض مع صندوق النقد الدولي، للتوصّل إلى تفاهم على برنامج قرض مبني على خطّة ماليّة شاملة. ومسار التفاوض مع الدائنين الأجانب والمحلّيين، للتفاهم على آليّة لإعادة هيكلة سندات الدين السيادي، وفق آجال وقيم وفوائد جديدة.

ومن الناحية العمليّة، لا يمكن الفصل بين الملفّين بأي شكل من الأشكال. فالخطّة الماليّة التي سيتم تقديمها للصندوق لا بد أن تنص بوضوح على آليات توزيع الخسائر، ومنها تلك التي سيتحمّلها الدائنون في إطار إعادة هيكلة الدين. المؤشّرات الماليّة المتوفّرة اليوم في الأسواق العالميّة تدل على تفاؤل الدائنين المحليين (وتحديداً المصارف) والأجانب بمستقبل المسارين بعد تشكيل الحكومة، وباقتناعهم أن هذه الحكومة بالتحديد ستكون منحازة إلى مصالحهم وأولوياتهم في مسار التفاوض معهم ومع صندوق النقد. يمكن تلمّس هذه المسألة من خلال مراقبة التحوّل في أسعار سندات اليوروبوند خلال الأيام الماضية في الأسواق العالميّة، في حين أن الأسواق لم تشهد هذا المستوى من التفاؤل مثلاً بعد إقرار الخطّة الماليّة لحكومة حسّان دياب، أو بعد انطلاق مفاوضاتها مع صندوق النقد.

في الوقت الحالي، ثمّة ما يقارب 34.18 مليار دولار من سندات اليوروبوند –أي السندات المقوّمة بالعملات الأجنبيّة- الموجودة في السوق، والتي تمثّل التزامات على الدولة اللبنانيّة لصالح حاملي السندات. من أصل هذه القيمة، ثمّة 5.03 مليار دولار من السندات التي يملكها مصرف لبنان، و8.4 مليار دولار من السندات التي تملكها المصارف، في حين أن الدائنين الأجانب يملكون ما يقارب 20.75 مليار دولار. وهذه الأرقام، تمثّل اليوم قيمة السندات الإسميّة، أي القيمة التي استدانتها الدولة من الدائنين عند إعطائهم السند، والتي ينبغي سدادها لحاملي السندات عند الاستحقاق، فيما يترتّب على الدولة نسبة معيّنة من الفوائد بشكل دوري بين الفترتين.

لكنّ ملكيّة هذه السندات ليست ثابتة، بل عادةً ما يتم التداول بها في الأسواق والبورصات العالميّة. وحتّى أسعار هذه السندات السوقيّة، أي أسعار بيعها وشرائها في السوق، لا توازي بالضرورة قيمة السندات الإسميّة التي ينبغي أن تدفعها الدولة لحامل السند لاحقاً. فحين يترّدى وضع الدولة المدينة التي أصدرت السندات، والتي يفترض أن تسدد قيمتها لاحقاً لحامل كل سند، من الطبيعي أن تنخفض قيمة السندات في الأسواق، مقارنة بقيمة السند الأساسيّة التي ينبغي أن تدفعها الدولة في المستقبل.

في حالة لبنان، وقبيل تشكيل حكومة ميقاتي، كانت أسعار سندات اليوروبوند في عمليّات البيع والشراء تبلغ نحو 11% فقط من قيمتها الأساسيّة أو الإسميّة، أي من قيمة الدين التي تترتّب على الدولة بموجب السندات. وتدنّي أسعار بيع هذه السندات حصل أساساً منذ إعلان الدولة تخلّفها عن سداد قيمة هذه السندات عند الاستحقاق، ومن ثم إعلان خطّة الحكومة الماليّة السابقة التي تضمّنت نيّة صريحة للاقتصاص من قيمة سندات اليوروبوند عند إعادة هيكلة الدين العام. هنا، اختلطت أسباب تدنّي أسعار بيع السندات ما بين التشاؤم من وضع الدولة الماليّة وإمكانيّة سداد السندات في المستقبل، مع تشاؤم الدائنين من نوعيّة المعالجات التي ستحمّلهم جزءاً من خسائر الأزمة، عبر الاقتصاص من قيمة سندات بعد إعادة هيكلة الدين. لكن خلال أيام قليلة، وبعد إعلان التشكيلة الحكوميّة، ومن ثمّ البيان الوزاري، شهدت الأسواق ارتفاعاً بنسبة 55% في قيمة هذه السندات، التي باتت تُباع اليوم بأكثر من 17% من قيمتها الإسميّة أو الأساسيّة.

في الوقت الراهن، تفيد المصادر المصرفيّة أنّ الفريق الاقتصادي الخاص بالرئيس ميقاتي بدأ لقاءاته مع جمعيّة المصارف فور إصدار مراسيم التشكيل، مستبقاً بذلك العمل على الخطة الماليّة التي كان يفترض أن يتم تعديلها بعد مناقشتها ما بين وزارتي الماليّة والاقتصاد من جهة، والاستشاري المالي لازارد من جهة أخرى. وتفيد المصادر بأن النقاشات اتسمت بانسجام فريق عمل ميقاتي مع وفد جمعيّة المصارف في كل ما يتعلّق بالمقاربات التي سيتم اعتمادها خلال المرحلة المقبلة، وتحديداً من ناحية طريقة التوفيق ما بين متطلّبات التفاوض مع صندوق النقد الدولي، وضرورة تخفيض مستوى خسائر المصارف التي سيتم تحديدها ومعالجتها من ضمن خطة الحكومة الماليّة.

في الحقيقة، تفسّر أجواء هذه الاجتماعات، التي تحوّلت اليوم إلى مسار من المباحثات بين المصارف وفريق عمل ميقاتي، ارتياح المصارف وسائر حملة سندات الدين للحكومة الجديدة. لكنّ ثمّة سبباً آخر لهذا الارتياح، ويتجسّد في تكليف ميقاتي للنائب نقولا نحّاس تحديداً بمهمّة رئيس فريق عمل رئيس الحكومة الاقتصادي. ومن هذا الموقع، سيكون بإمكان نحّاس متابعة ملفّي مفاوضات الحكومة مع صندوق النقد أولاً، ومع الدائنين والمصارف ثانياً، بالنيابة عن رئيس الحكومة. وارتياح المصارف والدائنين لنحّاس ينطلق أساساً من الأدوار التي لعبها في المجلس النيابي، بصفته مقرر لجنة المال والموازنة، حين قاد إلى جانب رئيس اللجنة إبراهيم كنعان عمليّة الإجهاز على خطة حكومة دياب الماليّة، التي رفعت من نسبة الخسائر التي سيتحمّلها حملة سندات الدين.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةسعر الدولار المصرفي: المركزي يماطل والمصارف تخفّض السقف
المقالة القادمةبالأرقام: حجم المازوت الإيراني الموزَّع مجاناً والمُباع