تفاصيل مهمة عن تحصيل الرسوم في بلدية بيروت

الرسوم البلدية لطالما اشتكى منها كثيرون من أهالي وسكان بيروت وطالبوا بأن تكون منصفة، ولكن قد لا يعلم الكثيرون أن بلدية بيروت لديها مئات المليارات من الرسوم التي لم تحصّلها. فهناك من المكلفين من يتهرّب من الدفع، كما هناك مكلفون لا يعلمون انهم مكلفون برسوم بلدية، وفِي المحصلة هناك شركات ومؤسسات تجارية وفنادق وأبنية لا تدفع والمواطن البيروتي يتحمّل وحده العبء ويسدّد متوجباته عند استحقاقها.

السبب وفق البعض هو أن موظفي الدوائر البلدية المعنية يغضون النظر أو يهملون التحصيل، ووفق البعض الآخر السبب هو عديد الموظفين الذي لا يكفي. «اللواء» دخلت الى الدوائر وبحثت عن الحقيقة وحصلت على الأرقام وسوف تعرض ما توصلت إليه.

تحصيل الرسوم في بلدية بيروت هو من مسؤولية دائرة التحصيل التابعة لمصلحة المالية، وهذه الدائرة تعاني من مشاكل عدة منعتها، بحسب القيّمين عليها، من القيام بدورها كما يجب، ومن أبرز هذه المشاكل:

– الشغور الكبير في ملاك الدائرة والذي يفوق الـ٧٠٪ بالإضافة إلى الشغور في ملاك الجباة حيث يبلغ ٩٩٪.

– عدم تبليغ المكلفين الصادرة رسومهم بجداول تكليف إضافية أو تكميلية مما أدّى عبر السنوات وخلال عهد مدير المالية السابق علي عثمان إلى سقوط حق البلدية بالمليارات والبالغة في العام 2015 ما يساوي 29,936,363,187، وذلك إستناداً إلى المادة 169 من قانون الرسوم والعلاوات البلدية 88/60، نص المادة: «إن الرسوم والعلاوات والتعويضات على اختلافها، تسقط حكماً عن المكلفين بعامل مرور الزمن في ٣١ كانون الأول من السنة الرابعة التي تلي السنة التي جرى فيها التكليف، وينقطع مرور الزمن بمجرد الشروع في الملاحقات الفردية المنصوص عنها في هذا القانون ويعتبر الإنذار شروعاً في الملاحقة شرط أن يُبلغ وفقا لأحكام هذا القانون».

– عدم تنفيذ القوانين تجاه المكلفين المتخلفين عن تسديد ما يتوجب عليهم من رسوم ولا سيما الشركات الكبيرة (وضع إشارة، حجز…).

هذا في الأسباب أو الذرائع إذا صحّ التعبير، أما نسب التحصيل فكانت لا تتعدّى الـ ٥٠٪ للرسوم الصادرة خلال السنة، أما بقايا الرسوم غير المحصّلة من السنوات السابقة فلا تتعدى نسبتها الـ ١٠٪ في المئة مثلاً: في العام ٢٠١٧ كانت نسبة تحصيل الرسوم الحالية (٤٥٪) أما نسبة تحصيل السنوات المدورة (بقايا الرسوم السابقة) ما يساوي (١٠٪)، وفي العام ٢٠١٨ كانت نسبة تحصيل الرسوم الحالية ما يساوي (٤٧٪) أما نسبة تحصيل السنوات المدورة (بقايا الرسوم السابقة) ما يساوي (٨٪).

مصادر في بلدية بيروت شرحت لـ«اللواء»، أن إيجاد الحلول المناسبة لمشكلة تحصيل الرسوم ومواكبة مؤسسات الدولة وإداراتها، يقع على عاتق المصلحة المالية في البلدية التي يتوجب عليها دراسة واقعها المالي والتحصيلي ووضع خطط استراتيجية للتخفيف من النفقات وزيادة الإيرادات، إن كان من ناحية تبليغ المكلفين بما يتوجب عليهم من رسوم أو لتفعيل جباية الرسوم وزيادة نسبة تحصيلها. هذا في المبدأ لكن الحال كان دائماً الإكتفاء بما هو قائم وعدم البحث عن حلول للمعالجة.

أضافت المصادر، أن الإدارة برئاسة المحافظ السابق القاضي زياد شبيب اتخذت عدة خطوات هامة لتحسين عمل دائرة تحصيل الواردات، وذلك على عدة محاور أهمها: زيادة عدد وسائل وطرق الدفع المتاحة للمواطنين بعد أن كانت محصورة بصندوق البلدية. ورفع مستوى التواصل مع المواطنين وتبليغهم بعدة طرق ما يتوجب عليهم ليتمكنوا من التسديد وتجنّب الغرامات. وتقديم مروحة من التسهيلات من بينها اعتماد التقسيط وتخفيض الغرامات ومعالجة الاعتراضات بعدالة وإنصاف.

وبالفعل قام المحافظ بتوقيع مذكرات تفاهم مع عدة شركات لتحويل الأموال بحيث أصبح ممكناً دفع الرسم على القيمة التأجيرية في مراكز تلك الشركات المنتشرة في جميع الأحياء، وهذا الأمر أتاح للمكلفين تسديد الرسوم أينما وجدوا.

وفي العام ٢٠١٧، أنشأ شبيب وحدة للتبليغ لتجنّب سقوط حق البلدية بالرسوم (تبليغ الرسوم الصادرة في الجداول الإضافية والتكميلية بالإضافة إلى تبليغ الشركات التي يترتب عليها مبالغ عالية جداً)، وإبتداءً من العام ٢٠١٧ عمدت الـ OMT بعد التنسيق مع المحافظ إلى لصق الإعلان عن صدور جداول التكليف في كل المباني ضمن نطاق بلدية بيروت، وفي العام ٢٠١٨ تمّت إضافة صندوق في مبنى الهندسة لاستيفاء الرسوم الخاصة بالكشف الفني ورخص البناء، كما تمّ إرسال مئات الحجوزات على السيارات والإذاعات التجارية للمكلفين الذين يتمنعون عن الدفع، بالإضافة إلى أن شبيب أعطى توجيهاته لرئيس دائرة التحصيل لتنفيذ الحجوزات على الشركات المتمنعة عن الدفع.

والأهم من ذلك أنه ومع اندلاع الأزمة المالية وإقفال المصارف أبوابها أمام المواطنين في خريف العام ٢٠١٩ باشرت الإدارة السابقة تطبيق الدفع الإلكتروني بحيث يتمكن المواطن المكلف من الدفع عبر بطاقات الائتمان E-payment ولا يضطر الى سحب الأموال من المصرف لدفعها الى البلدية، وقد تم تجهيز البلدية بالمعدات والبرامج المعلوماتية اللازمة بسرعة قياسية وانطلقت هذه الخدمة بنجاح.

أهمية الوسائل الجديدة التي تمّ اعتمادها في العام 2019 مع شركات تحويل الأموال والـ E-payment، بحسب المصادر البلدية ، هي أن الرسوم المطروحة يمكن أن يراها المكلف خلال 10 دقائق من طرحها، وكذلك الأمر عند التسديد عبر أي من هذه الوسائل فإن ما سُدد يتم ترحيله للمعلومات الداخلية للبلدية خلال 10 دقائق، لكن ثمة عدة عوائق منعت الكثير من مكلفي مدينة بيروت من معرفة هذه الخدمة، وأبرزها إنطلاق ثورة ١٧ تشرين قبل يومين من الإحتفال الذي كان مقرراً لإطلاق هذه الخدمة بحضور وزير الداخلية آنذاك ريا الحسن، كما كان التحضير جارياً لإطلاق تطبيق للهواتف الذكية، ولم يتمكن الفريق العامل على إنجازه ومن إستكماله بعد انتهاء مهام المحافظ شبيب بسبب التغييرات التي طالت طريقة العمل لاحقاً والأولويات التي اعتمدها المحافظ الجديد مروان عبود الذي أجرى مناقلات أدَّت الى استبعاد العاملين في المشروع.

طرحت «اللواء» موضوع نسب تحصيل الرسوم الحالية على المعنيين في بلدية بيروت، وطلبت الحصول على أرقام التحصيلات، لكن الدائرة المختصة اعتبرت أنه لا يجب اخبار المواطن البيروتي عن حجم الأموال التي تدخل الى خزينة البلدية كي لا يتساءل لماذا لا تقوم بتأمين الخدمات تحتاجها العاصمة.

لكن مصادر بلدية، أكدت لـ «اللواء» ان نسبة التحصيل مرتفعة، وذلك يعود الى عدة أسباب أبرزها:

– قبول بلدية بيروت بشيكات مصرفية ما يسمح للمكلف بدفع الرسوم بموجب شيكات مصرفية بدل بقائها قيد الحجز في المصارف.

– ارتفاع سعر صرف الدولار ما أدّى الى إنخفاض قيمة الرسوم خصوصاً لمن لديهم القدرة على الدفع بالدولار الأميركي حصراً.

– لجان التخمين في البلدية لا تزال تكلّف على سعر ١٥٠٠ ليرة، ما يدفع المواطنين الى الإسراع بالدفع استباقًا لارتفاع السعر الرسمي.

توقفت خدمة الدفع عبر شركات تحويل الأموال لأسباب تقنية (وفق المصادر)، كذلك خدمة الدفع الإلكتروني، ليضطر المواطن الى تكبّد عناء كلفة المواصلات والانتظار في الطوابير في عزّ انتشار وباء فيروس كورونا، بالإضافة الى اضطرار الكثيرين الى دفع «إكراميات» لمن يسهّل أمورهم. والزحمة في مدخل مبنى المالية في البلدية دليل على أن المعنيين في البلدية لا يكترثون لمعاناة المواطنين وأن كل التسهيلات التي أوجدتها الإدارة في السابق ذهبت في مهب الريح وعادت الأمور الى الطرق «التقليدية» التي يرتاح إليها البعض.

مصدراللواء - محمد المدني
المادة السابقةوزير الصحة يؤمّن الدواء بأسعار منخفضة: لبنان حقل تجارب؟
المقالة القادمةصدور جدول جديد للمحروقات