تفاقم الدَّين الأميركي يُحرج “الفيدرالي” ويُقلق “وول ستريت”

يواجه الاحتياطي الفيدرالي مخاطر سياسية محتملة في المستقبل وهو يتخبط في كيفية الاستجابة لقلق المستثمرين بشأن جبل ديون الحكومة الأميركية البالغ 33.5 تريليون دولار. وساهمت المخاوف بشأن المستقبل المالي لأميركا بالفعل في ارتفاع عائدات السندات الأميركية، الأمر الذي فاجأ صناع السياسات ودفعهم إلى التفكير في تأجيل أي خطط لزيادة جديدة بأسعار الفائدة في الوقت الحالي.

المخاوف في «وول ستريت» حيال مستنقع الميزانية الأميركية تفرض مخاطر على جانبي التعهد المزدوج للبنك المركزي المتمثل في استقرار الأسعار وبلوغ الحد الأقصى للعمالة على نحو مستدام.

كذلك، يفرض القلق بشأن العجز والديون ضغوطاً تصاعدية على أسعار الفائدة طويلة الأجل، الأمر الذي يهدد بتباطؤ النمو ودفع البطالة إلى الارتفاع. وفي الوقت نفسه، من الممكن أن يعمل أيضاً بمثابة محفزٍ لارتفاع التضخم، خاصةً إذا نظرنا إلى الاحتياطي الفيدرالي باعتباره يقلل من أهمية هدفه المتمثل في استقرار الأسعار من أجل الحد من تكاليف اقتراض الحكومة الفيدرالية.

الإستدامة المالية تتزعزع

قال محافظ الاحتياطي الفيدرالي السابق كيفن وارش، الذي كان مستشاراً للرئيس جورج دبليو بوش في الفترة من 2002 إلى 2006: «إننا نشهد بداية تغيير النظام من حيث الطريقة التي ينظر بها المستثمرون إلى الاستدامة المالية في أميركا».

من المؤكد أن هناك عوامل أخرى تلعب دوراً وراء التراجع في أسعار السندات، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع العائد على سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى 4.83% أمس، مقارنة بأدنى مستوى لهذا العام عند 3.31% في السادس من نيسان. وأهم هذه العوامل صمود الاقتصاد الأميركي بوجه حملة التشديد النقدي الشديدة التي يقودها بنك الاحتياطي الفيدرالي.

قرار رفع الفائدة مؤجّل

يتوقع مراقبو الاحتياطي الفيدرالي أن يدعم باول ضمنياً الإجماع الذي أعرب عنه صناع السياسة خلال اجتماعهم بين 31 تشرين الاول إلى 1 تشرين الثاني، حول أن الفائدة المرتفعة تمنحهم فرصة للحفاظ على سياسة مستقرة بينما يقيّمون التوقعات.

لكن مع استمرار التضخم بشكل يفوق هدف الاحتياطي الفيدرالي البالغ 2%، فمن المرجح أن يحتفظ باول بإمكانية رفع سعر الفائدة في وقت لاحق من العام.

ماذا تقول «بلومبرغ إيكونوميكس»

سيؤدي الارتفاع الأخير في عوائد سندات الخزانة لأجل 10 سنوات إلى إضعاف النمو الاقتصادي، على غرار رفع سعر الفائدة الفيدرالي. وتقدر «بلومبرغ إيكونوميكس» أن الزيادة منذ اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة يومي 19 و20 كانون الاول، إذا استمرت، يجب أن تقلل الحاجة إلى 50 نقطة أساس لأسعار الفائدة.

قالت مؤسسة شركة «ماكروبوليسي بيرسبكتيفس إل إل سي» والخبيرة الاقتصادية السابقة لدى الاحتياطي الفيدرالي جوليا كورونادو: «سيظل التهديد برفع أسعار الفائدة مرة أخرى قائماً طالما أننا نقترب إلى الآن من مستويات تضخم تفوق هدفهم بكثير».

عواقب سياسة الاحتياطي الفيدرالي

قال نائب رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي السابق دونالد كوهن إنه بشكل عام، يجب على باول والمسؤولين الآخرين التحدث علناً عن تأثير السياسة المالية على الاقتصاد وأسعار الفائدة والبنك المركزي.

كوهن، وهو الآن زميل بارز في معهد «بروكينغز» قال: «سيكون الحوار الاقتصادي في البلاد مفيداً إذا تحدثوا على الأقل عن العواقب على السياسة النقدية والاقتصاد».

كان مسؤول وزارة الخزانة السابق مارك سوبيل – الذي خدم في ظل الإدارات الجمهورية والديمقراطية – أكثر صراحة. وقال سوبيل، وهو ممثل الولايات المتحدة لدى منتدى المؤسسات النقدية والمالية الرسمية، إن مسؤولي بنك الاحتياطي الفيدرالي بحاجة إلى تحذير الجمهور من التأثير الضار المحتمل للإشراف الأميركي على الأسواق والاقتصاد.

تخفيض تصنيف الولايات المتحدة

كانت الحكمة التقليدية لفترة من الوقت أن الميزانية الفيدرالية تسير على مسار غير مستدام من الديون المتزايدة. لكن التقاء الأحداث الأخيرة دفع تلك المخاوف إلى الواجهة.

في آب، جردت شركة فيتش للتصنيف الائتماني الولايات المتحدة من تصنيفها الائتماني من الدرجة الأولى «AAA»، في حين أعلنت وزارة الخزانة عن متطلبات اقتراض ربع سنوية أكبر من المتوقع. وتشير تقديرات الأسبوع الماضي من مكتب الميزانية بالكونغرس إلى أن العجز قفز بأكثر من 20% في السنة المالية المنتهية للتو، ليصل إلى 1.7 تريليون دولار، مما زاد من القلق.

قال محافظ بنك الاحتياطي الفيدرالي كريستوفر والر في 11 تشرين الاول في قمة «E2» في بارك سيتي بولاية يوتا: «من الصعب تصديق أن هذه سياسة مستدامة تمضي قدماً».

ويصر مسؤولو الإدارة على أن الرئيس جو بايدن ملتزم بتقليص العجز في الميزانية، ويجادلون بأن مبادراته لتعزيز الإنفاق على البنية التحتية وتشجيع الاستثمار الخاص لمكافحة تغير المناخ ستساعد الاقتصاد على المدى الطويل.

مخاوف أخرى

ليس العرض المتزايد لسندات الخزانة هو ما يخيف المستثمرين فقط، بل أيضاً ضعف الطلب. ويخشى العديد من المستثمرين أن تقوم أكبر دولتين أجنبيتين حائزتين للديون الأميركية، الصين واليابان، بتقليص مشترياتهما.

بدأ بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل، إذ خفض بشكل منهجي حيازاته من السندات في عملية تعرف باسم التشديد الكمي. وأشار المسؤولون إلى أنهم سيواصلون القيام بذلك حتى بعد أن يبدأوا التخفيضات المتوقعة في أسعار الفائدة في وقت ما من العام المقبل.

وقال كورونادو إن «الأمر بات خارج قدرة» الاحتياطي الفيدرالي الذي ينحرف عن هذا المسار.

السياسة المالية أمام «ورطة»

أوضح مدير مكتب الميزانية السابق دوغلاس هولتز إيكين، الذي كان مستشاراً لجورج دبليو بوش أثناء وجوده في منصبه، أن الارتفاع في العائدات يهدد بجعل التوقعات المالية أسوأ.

قال هولتز إيكين، وهو أيضاً رئيس منتدى العمل الأميركي: «لدينا ميزانية حساسة تتأثر بمعدلات الفائدة بشكل كبير. إذا بدأت سوق السندات في فك رموز الموقف المالي الفعال للولايات المتحدة بشكل أكثر دقة، فسنكون في ورطة».

من جهته، قال وارش: «من الصعب للغاية أن تكون لديك سياسة نقدية سليمة، والسياسة المالية الأميركية غير سليمة بالتأكيد».

المادة السابقةالشكوك تحيط البلوك 9… و”توتال” تفاوض على الـ8 و10
المقالة القادمةرغم الظّروف الصّعبة.. أبو شقرا يُطمئن: البنزين موجودٌ بكميّات كبيرة