تفتّت الاقتصاد اللبناني في موازاة تفكّك الدولة

دائرة “الاقتصاد الموازي” غير المدرج في الناتج المحلي والدخل القومي، آخذة في التوسع والانفلاش. وإذا كانت في جزء منها تتمثل في التهريب والتهرّب الضريبي وبقية الانشطة الاقتصادية البسيطة غير الخاضعة للرسوم والضرائب، فان الثقل الاساسي فيها يتمثل في بدء بروز نظام اقتصادي خاص على أنقاض النظام المتداعي.

“في انتظار التفاوض الأميركي الإيراني على ملفات المنطقة ومن ضمنها الملف اللبناني، نرى البعض مرتاحاً على وقته ويستفيد من الفراغ”، قالها رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط في حديثه مع موقع “الانباء” الالكتروني.”وهذا البعض يضع الصرافات الآلية في مناطقه ويمكّن جماعته من سحب 5000 دولار شهرياً أموالاً “طازجة”، في حين “يتشرشح” المواطن العادي ويحتاج إلى 500 “واسطة” لسحب مبلغ زهيد بالليرة اللبنانية من المصارف الشرعية”.

التستّر بـ “الجمعية”

إشارة جنبلاط إلى النشاط المالي الضخم الآخذ في التوسع خارج الشرعية النقدية ليبرهن ان العقوبات المالية على محور الممانعة تدفع ثمنها الشرائح الضعيفة، فيما النظام الايراني وملحقاته متماسكين جداً وأقوياء.. تحمل أبعاداً أخطر. “فمؤسسة القرض الحسن التي انطلقت كجمعية تعاونية في ثمانينات القرن المنصرم تبني نفسها على ركام المصارف اللبنانية وضعف الاقتصاد اللبناني”، يقول المحامي مجد حرب. وبرأيه فان “عمل الجمعية من الناحية القانونية يعتبر التفافاً على القانون اللبناني. حيث تسمي نفسها جمعية وليس مصرفاً وذلك على الرغم من كونها تمارس نشاطاً يقع في صلب العمل المصرفي ويتمثل في إقراض الجمهور من أموال المودعين. كما انها تستبدل تسمية المودعين بالمساهمين، والفوائد بالاشتراكات السنوية. فتحمي نفسها في الشكل من أي مسؤولية قانونية كونها تمارس عملاً تعاونياً لا يحتاج إلى اكثر من علم وخبر من وزارة الداخلية، فيما تمارس عملاً مصرفياً في المضمون. والاخطر بحسب حرب ان “الجمعية تحتوي على مخزن ذهب (يقدر بحوالى 15 طناً بقيمة 500 مليون دولار تقريباً حسب سعر الذهب في الاسواق العالمية حالياً) بامكانه منافسة الاقتصاد اللبناني بأكمله. حيث يتحول إلى شكل من أشكال المصارف المركزية التابعة لـ”حزب الله”.

العقوبات الجغرافية

قرصنة خوادم الجمعية ونشر تفاصيل عملها، يعطيان صورة واضحة عن مصادر تمويلها. وبحسب حرب فان “هذه الاموال كما يظهر، غير خاضعة للسلطات النقدية، ومتفلتة من أي رقابة تتصل بتبييض الاموال ومصادر التدفقات النقدية التي من الممكن ان تكون متأتية في جزء منها من التجارة غير الشرعية والفساد. وليس من المستبعد ان تكون المؤسسة تُستخدم كأداة لتبييض الاموال. الأمر الذي قد يعرض الاقتصاد اللبناني إلى عقوبات جغرافية مما يؤثر سلباً على كل الشركات العاملة في هذه المناطق. وبالفعل بدأ مؤخراً البحث جدياً في أوساط الادارة الاميركية في تطبيق عقوبات على مناطق وجود وسيطرة “حزب الله”. حيث قدم منذ فترة عضو الكونغرس الاميركي جو ويلسون مشروع قانون لحظر العمليات المصرفية في المناطق التي تقع “تحت سيطرة المنظمة الإرهابية”. وبما أن “حزب الله” مصنف ارهابياً من قبل الادارة الاميركية منذ العام 1995، فان العقوبات المقترحة هذه المرة، في حال مرورها في مجلس الشيوخ والنواب وتوقيعها من الرئيس، سوف تشمل مناطق نفوذ “الحزب”. فمشروع القانون واضح لجهة فصل المناطق الخاضعة لسيطرة الحزب عن النظام المالي الدولي، وممارسة اقسى أشكال الضغط للحد من التدفقات النقدية.

الحرب النفسية

في الوقت الذي يسجل فيه الاقتصاد اللبناني انكماشاً بنسبة تفوق 25 في المئة ويعاني من انهيار احتياطياته بالعملات الاجنبية وإفلاس مصارفه وعجز هائل في ماليته العامة وارتفاع معدلات البطالة إلى أكثر من 40 في المئة.. تتعمق ظواهر الاقتصاد الموازي. حيث بدأ ينمو على حساب الاقتصاد الشرعي ودافعي الضرائب. وبرأي حرب فان “ظاهرة القرض الحسن التي تخلق تمييزاً بين اللبنانيين، ما هي في الحقيقة سوى شكل من أشكال توظيف فائض القوة لطمأنة “الحزب” قواعده الشعبية أولاً، وللايحاء لمنافسيه الداخليين والجهات الخارجية بان العقوبات لن تؤثر عليه. وهو كان سبق ان استخدم هذه الاستراتيجية عشية انتفاضة 17 تشرين حين تم نشر فيديوات وصور لخزنات مليئة بالدولارات قيل انها تخصه”.

تشير بعض الابحاث إلى ان نحو 30 في المئة من الناتج المحلي في الدول النامية موجود خارج الإقتصاد الرسمي أما في لبنان فان كلفة الفساد وحدها تبلغ 15 في المئة من الناتج المحلي الاجمالي. وقد قدّرت دراسة للبنك الدولي كلفة الفساد السنوية في السنوات الاخيرة بـ 10 مليارات دولار نصفها على شكل خسائر مباشرة في إدارات الدولة. والمفارقة انه في الوقت الذي انخفض فيه الناتج المحلي من حوالى 56 مليار دولار إلى أقل من 20 ملياراً، بقيت فاتورة الفساد كما هي ولم تنخفض. بما يعني ان الاقتصاد غير الشرعي يخسّر لبنان 50 في المئة من ناتجه المحلي سنوياً.

الإكمال في ضرب أساسات الدولة أمنياً واجتماعياً واقتصادياً سيدفع ثمنه في النهاية جميع اللبنانيين. إذ وعلى الرغم من شعور القوة الذي تولده الاستقلالية المالية فان هذا الواقع يعتبر بحسب الخبراء “مرحلياً وغير مستدام لانه محاصر من جميع الجهات”. وعند اكتمال عناصر الضغط عليه سينهار وسيقع “السقف” فوق رؤوس الجميع.

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةبيع المصارف فروعها الخارجية… “البقاء للأقوى”!
المقالة القادمةالدفاع المدني: 2500 متطوّع ينتظرون التثبيت والمحروقات على عاتق البلديات…