يُختتم الاسبوع على أوسع عملية تدخل لمصرف لبنان في سوق القطع منذ بداية الأزمة. أيام قليلة ويصحو المودعون على خبر تبخّر ما بقي من مدخراتهم. مبلغ الـ 10 مليارات دولار الذي يُفترض أنه محفوظ كتوظيفات إلزامية، والمعوّل عليه في معادلة إرجاع جزء من الودائع، لن يصمد أمام “ماكينة” تدخل مصرف لبنان في سوق القطع. فمنذ بدء تطبيق بيان “المركزي” الاخير الذي يفرض على المصارف تحويل الليرات إلى دولار على سعر صيرفة في 30 أيار الفائت، ولغاية اليوم، أي في غضون 5 أيام فقط بلغ حجم التداول على صيرفة 637 مليون دولار. العارض الاكبر للدولار هو مصرف لبنان برقم يتوقع أن يكون تجاوز بأشواط مبلغ 25 مليون دولار يومياً الذي تحدث عنه نائب رئيس الحكومة الوزير سعادة الشامي.
في المبدأ، فإنّ بيع 630 مليون دولار يجب أن يكون امتص 16 تريليون ليرة. وإذا ما أضيف هذا الرقم الى المبلغ الذي يتراوح بين 10 و15 تريليون ليرة الذي امتصه المركزي خلال الأشهر الماضية بعد صدور التعميم 161، فيفترض أن مجمل الكتلة النقدية بالليرة الموجودة بالتداول تقلصت بأكثر من 50 في المئة، الأمر الذي يرجح تراجع الطلب على الدولار بنسبة كبيرة وبالتالي انخفاض سعره، وهذا ما لم يحصل بعد لغاية هذا الحد. في المقابل يظهر ان عملية طباعة الليرات لن تتوقف نتيجة غياب الاصلاحات وحاجة الدولة الكبيرة لتمويل عجوزاتها ونفقاتها الآخذة في التوسع والانفلاش وهي ستستمر في استنزاف الدولارات الحقيقية. و”هذا ما يمكن الاستدلال عليه من خلال التراجع المستمر في احتياطيات العملة الصعبة في مصرف لبنان في أرقام الميزانية العمومية التي يصدرها كل أسبوعين”، بحسب الاقتصادي شادي حنّا، و”هو ما يدحض نظرية استخدام الدولارات المتأتية من شركات تحويل الاموال وغيرها من المصادر لعدم كفايتها ويؤكد حتمية استخدام التوظيفات”.
من جهة أخرى، فإن شركات تحويل الاموال تصرف الدولار اختيارياً على سعر يتراوح بين 27000 و27500 في الوقت الذي يتجاوز فيه السعر في السوق الموازية 28500 ليرة ووصل قبل يومين إلى 31 ألفاً. وهو ما يحتم تضاؤل ما يحوّل من دولارت إلى “المركزي” من هذه الشركات نتيجة تحول المودعين إلى السوق الموازية.
هذه الفجوة التي يغطيها مصرف لبنان تكلفه 5000 ليرة عن كل دولار يدفعه بحسب حنّا. وهذا ما يظهر من جهة أن هناك كمية هائلة من الليرات المطبوعة في السوق والتي تتجاوز ما يتحدث عنه رسمياً، ومن جهة اخرى فإنّ جزءاً كبيراً جداً من الدولار يؤخذ من الاحتياطي. وهذا أمر بالغ الخطورة خصوصاً أن قسماً من الدولارات يحوّل إلى الخارج سواء نقداً أو ذهباً، ولا يدخل في الدورة الاقتصادية أو حتى الادخارية. وهو ما سيؤدي إلى نقص حاد بالدولار واستمرار ارتفاع سعره. وعليه فإنّ كل ما يفعله “المركزي” هو تأجيل المشكلة مع علمه المسبق بحتمية انفجارها في القادم من الأيام والأسابيع.