الحكومة في وادٍ والعالم في وادٍ آخر، فالتقارير الدولية الجديدة عن لبنان والمنطقة تكشف أرقاماً ومؤشّرات عن الأوضاع الاقتصادية، تنسف كل التوقّعات المرسومة في خطة الحكومة عن مجمل الـ5 سنوات المقبلة.
ويكفي من هذه التقارير إثنان: أحدهما الصادر أمس الاول عن صندوق النقد الدولي بتوقّع انكماش اقتصادي في لبنان بنسبة 12% في لبنان لهذا العام، وأسوأ انكماش عرفته البلاد العربية والمنطقة عموما (باستثناء مصر) منذ حوالى نصف قرن، وأكثر سوءاً من أزمة العامين 2008-2009. وإنّه مع أزمة «كورونا» ومستقبل أسعار النفط سوف يصعب التنبؤ بالمسارات الاقتصادية والصحية المقبلة.
إضافة الى التقرير الثاني الصادر أمس عن منظّمة الصحة العالمية بأنّ وباء «كورونا» لمّا يبلغ ذروته بعد، وأنّه ليس من المتوقّع أنْ يتمكّن العالم من إيجاد لقاح ضد هذا الوباء المستعصي!
والترجمة العملية للتقريرين، تطال بشكل مباشر مُجمل التوقّعات المتفائلة في خطة الحكومة، بدءاً من توقّعها سعر صرف رسمي للدولار بين 2600 و2900 ليرة خلال الأعوام 2021 و2024 في حين كسر الدولار الآن حاجز الـ3000 ليرة، ودون أنْ تفصح الخطّة من أين ستتوافر الفوائض المالية والأدوات النقدية التي يمكن استخدامها لفرض مسيرة عكسية للسعر المرتفع باستمرار!. أو الفوائض والأدوات التي يمكن بها الوصول إلى هدف الخطّة مُعدّل تضخّم بأقل من 6%، في حين أنّ التقرير الدولي الثالث الصادر قبل أيام عن مؤسّسة Consultation & Research Institute يكشف بالأرقام القفزات المتواصلة للتضخّم في لبنان من حوالى 4.6% نهاية العام 2019 إلى حوالى 8.6% في بداية 2020 إلى حوالى 11% نهاية شباط الماضي.
بل كيف يمكن أمام كل هذه التوقّعات الدولية السلبية وأمام وحاجة الدولة إلى المزيد من الإنفاق مع «كورونا» وما بعدها والأزمة المالية والمصرفية الحالية وقبلها وبعدها، الانتقال من فائض سلبي الآن 3.9% إلى فائض إيجابي تتوقّعه الخطة في العام 2024 بـ1.3% أو من العجز الآن في الموازنة 11.3% مقابل الناتج إلى عجز تتوقّعه الخطة بـ1.3% فقط (!). ومن نسبة الدين العام الآن للناتج 175% إلى 103% فقط (!) كما تتوقّعه الخطة، ومن معدّل نمو سلبي الآن بـ6.9% إلى معدّل تتوقّعه الخطة بنمو إيجابي 2%، ورغم كل العواصف المالية والنقدية والاقتصادية والصحية المتوقّعة للحاضر وللمستقبل القريب كما رسمته خطّة وُضِعَت مسودّتها بأعصاب باردة في أجواء شديد الحرارة.
ولعل نقطة الاعتراف كانت أمس الأول بقرار الحكومة إلقاء الكرة من يدها إلى ملعب الهيئات الاقتصادية والقوى الشعبية للمزيد من التقييم والمراجعة، لاسيما بعدما قرأ رئيس مجلس النواب «الفاتحة» على مجمل المسلسلات الحكومية من الـHair Cut الى الـControl Capital وبعدما نعى رئيس الحزب التقدّمي ما بقي من الفرص المتوافرة أمام الحكومة، وبعدما اعتبر رئيس لجنة المال والموازنة أنّ الأمور ما زالت في مهدها وعلى الورق، وأي تغييرات تحتاج إلى تشريعات، داعياً إلى التريّث والتمهّل، وفيما الأزمات الداهمة و»كورونا» الهاجمة لا تعرف لا تمهل ولا تريّث.