إستنفر اهل المجتمع المدني وجمعيات المودعين أمس موجّهين إنذاراً الى الحكومة لتصويب قراراتها باتجاه استعادة الأموال المنهوبة وتعويض المتضررين.
وللغاية دعوا الى إجتماع طارئ تناول فيه المجتمعون كيفية استعادة اموال المودعين. وعقدوا مؤتمراً صحافياً في مقر بيت العامل في جلّ الديب تحت عنوان “تخلي الدولة عن حقها وتقاعسها في استرداد الاموال في قضية رياض سلامة وجمعية الاشرار، ما يعتبر جريمة في حق الوطن والمواطنين والمودعين.
دعا للمؤتمر وشارك فيه: الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان- جمعية مدراء مؤهلون لمكافحة الفسـاد- لبنان جمعية أموالنا لنا- جمعية Calibre- جمعية ودائعنا حقنا- رابطة قدماء القوى المسلحة الجمعية اللبنانية لحقوق المكلفين- رابـطة تضامن المودعين- رابطة المودعين- المودعين المستقلين- المبادرة المستقلة وجمعية الشفافية الدولية.
كما كان حاضراً ايضاً المحامي كريم ضاهر، الذي ناقش مع المجتمعين السبل الآيلة الى استعادة الأموال المنهوبة وبالتالي أموال المودعين، فعرض للمجريات القانونية الممكنة والتي توالت في قضية استعادة الأموال المنهوبة فتناول تطوّر الإدعاء لاستعادة الأموال المنهوبة، منذ محاولة رئيسة هيئة القضايا بوزارة العدل في تموز 2020 على ايام حكومة حسان دياب بالإدعاء شخصياً، لكن هذا الأمر جوبه قانوناً بإلزامية بموافقة وزير المال.
لذلك ارتأت رئيسة هيئة القضايا أنه في حال تطوّع فرنسيين لاستعادة الأموال المنهوبة فلن يحال ذلك الملف الى وزير المال. وفعلاً تمّ قبول باتريك بوفيه وإيمانويل داوود واستبعاد انطوان أوري، لحفظ حق لبنان في الدعوى أمام قاضية التحقيق الفرنسية.
كما تناول جهود جمعية حقوق المكلّفين بمراسلة مكتب “لاليف” في سويسرا في السابق لاسترداد الأموال، فأعددنا دراسة كانت بمثابة خريطة طريق لكيفية استرداد الدولة الأموال المنهوبة.
وتناول مع “نداء الوطن” بعض ما ورد في الخطة لا سيّما أن “إتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد (القانون رقم 33 صادر في 2008/10/16) تنص على أحكام تسمح بتحفيز التعاون الدولي والمساعدة القانونية المتبادلة في المسائل الجنائية ذات الصلة بالفساد، كما وآليات للملاحقة والتجميد والحجز والمصادرة قبل استرداد الموجودات. وبالتالي يُفترض بأن يكون مقدّم الطلب والمستفيد سلطة مختصة مع إتاحة المجال بالنسبة الى بعض البلدان لإمكانية تمكين المؤسسات العامة والشركات المختلطة SOE المتضرّرة من حالات الفساد من الإستعانة بهذه الإجراءات”.
وتطرّق الى العمل الذي تقوم به نقابة المحامين لجهة فتح حوار مع نوّاب حاكم مصرف لبنان بهدف إيجاد حلول لمسألة استعادة أموال المودعين.
وبنتيجة المحاكمة وإذا ثبت الجرم والإدانة، يمكن إسترداد الأموال في ظلّ أحكام القوانين النافذة وسيما قانون العقوبات الذي يسمح بمصادرة جميع الأشياء التي نتجت عن جناية أو جنحة مقصودة أو غير مقصودة أو ناتجة عن مخالفة وفق شروط أو التي استعملت أو كانت معدة لاقترافهما؛ كما يمكن للمحكمة أيضاً أن تصادر من الأشياء ما كان صُنعه أو اقتناؤه أو بيعه أو استعماله غير مشروع وإن لم يكن ملكاً للمدعى عليه أو المحكوم عليه أو لم تفض الملاحقة إلى حكم.
المؤتمر الصحافي
وبالعودة الى المتحدثين في المؤتمر الصحافي، تكلّم رئيس “الاتحاد العام لنقابات عمال لبنان” مارون الخولي وممثلة جمعية “أموالنا لنا” ميساء شامي القزي ورئيسة جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” النقيبة جينا الشماس.
وقال الخولي: “نعمل على استعادة حقوق المودعين الذين فقدوا ودائعهم في لبنان وللسعي نحو تحقيق العدالة المالية لذا فإن اجتماعنا يشكل فرصة قيمة لوضع الخطط والاستراتيجيات التي تهدف إلى استعادة الأموال المنهوبة، ولتوجيه انذار شديد اللهجة الى الحكومة لتصويب قراراتها”.
وأشار الى أننا “نريد التعبير عن غضبنا واستيائنا الشديدين إزاء هذه الجريمة الاقتصادية التي تتعاطى معها الحكومة بشكل غريب ومعيب اذ تستكمل السلطة اليوم مخطط عدم استعادة جزء من الاموال المنهوبة”.
مكرّراً إدانتهم “لتورّط حاكم مصرف لبنان رياض سلامة في هذه السرقة الواسعة النطاق، إذ أدت مخالفته وانتهاكاته للقوانين المصرفية وسوء إدارته للأموال العامة واموال المصارف إلى تدهور الاقتصاد اللبناني وانهيار الليرة اللبنانية وتفاقم الأزمة المالية والاجتماعية التي يعاني منها الشعب اللبناني”.
لتحقيق شفاف ومستقلّ في الجرائم المالية
وطالب الخولي بإجراء تحقيق شفّاف ومستقلّ في الجرائم المالية، بما في ذلك دور رياض سلامة والمسؤولين في الحكومات السابقة والحالية في الفساد المالي والمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة وتقديمهم للعدالة، واستعادة الأموال المنهوبة وتعويض المتضررين.
ودعا المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية “إلى دعمنا في مطالبنا للكشف عن الحقيقة، وضمان استعادة أموال المودعين الذين فقدوا ودائعهم وسنعمل على زيادة الضغط الدولي على الحكومة اللبنانية من خلال الإبلاغ عن الانتهاكات والمخالفات المرتكبة والتواصل مع السفارات والمنظمات الدولية لحثهم على التدخل. وكذلك التعاون مع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي ومنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية للحصول على الدعم والمساعدة المالية والفنية في استعادة الأموال المفقودة وإصلاح النظام المالي في لبنان”.
تشكيل لجان مستقلّة
وأعلن العمل على تشكيل لجان مستقلة تضم محامين وخبراء ماليين وأعضاء من المجتمع المدني للعمل على تقديم التوصيات بشأن استعادة الأموال المنهوبة والعمل على تعزيز التعاون الدولي في التحقيقات المالية وتبادل المعلومات المالية المهمة مع دول الاتحاد الأوروبي أو اي بلد له صلة بالقضية وعلى إحالة القضية إلى المحكمة الجنائية الدولية أو غيرها من المحاكم الدولية المختصة لمحاكمة المتورطين في الفساد، والشكوى ضد الحكومة اللبنانية بانتهاكاتها لحقوق الإنسان وللقوانين الدولية لدى منظمة العفو الدولية، ومنظمة “هيومن رايتس ووتش”، ومجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لمحاسبة المسؤولين وتوجيه الضغوط الدولية للتأثيرعلى الحكومة اللبنانية وتحقيق العدالة.
إختلاق شبهات لاستبعاد محامين فرنسيين متطوعين
وتلت ممثلة جمعية “اموالنا لنا” ميساء شامي القزي بياناً مشتركاً للحاضرين من مجموعات المجتمع المدني والحقوقي. فدانت ما صدر اخيراً “عن مجلس وزراء تصريف الاعمال من قرارات تعتريها التناقضات، إذ تسجل بعضها تقاعسها الفاضح في تحمل المسؤوليات وعزل المؤتمن على المال العام الملاحق محلياً ودولياً بالاختلاس وتبييض الاموال والتزوير وسواها من الجرائم المخلة بالوظيفة، وتشهد من جهة اخرى على محاولة مستميتة لحرمان الدولة اللبنانية والمواطنين من حقهم في استرداد ما سلب منهم من اموال واخذ بصورة غير مشروعة، وذلك عن طريق اختلاق شبهات واتهامات سافرة وهزيلة لاستبعاد محامين فرنسيين متطوعين كفوئين وغير مسيرين حماية لمصالح المنظومة الحاكمة المرتكبة و/أو المتواطئة”.
وأضافت: “لا يظننّ احد انه قد يغيب عن بال عاقل ان محاولات التسويف واعاقة حسن سير العدالة من خلال استبعاد الوكلاء هو للحؤول دون تمكين الدولة اللبنانية من اتخاذ صفة الادعاء الشخصي، كي تتمكن من تتبع الاجراءات والتوسع في التحقيقات والملاحقات واسترداد الاموال وأولها تلك العائدة لرياض سلامة وشركائه في حال ثبوت التهم والجرائم.
كما أن اتخاذ صفة الادعاء الشخصي من شأنه أن يخوّل ممثلي لبنان من الاطلاع على ادق التفاصيل والامور التي قد تساعد على كشف المستور وملاحقة اشخاص آخرين مرتكبين او متواطئين مما يضع حداً نهائياً لنزعة وثقافة الافلات من العقاب”.
مشيرة الى أنه “بات واضحاً ان تلك الألاعيب الخبيثة هدفها الوحيد هو تغيب الدولة اللبنانية عن جلسة 4 تموز في فرنسا للإشتراك في الحجز على ممتلكات رياض سلامة، وهذا التغيب من شأنه ضياع حقوق الدولة اللبنانية وبالتالي المودع اللبناني”.
وطالبت مجلس الوزراء “بالكفّ عن التعسف في استعمال السلطة من أجل مصالحهم الخاصة المشكوك بأمرها. والشعب اللبناني أن يستيقظ من ثباته العميق ومواكبة التحرّكات التي ستدعو إليها كافة مجموعات المجتمع المدني والحقوقي بهدف الدفع باتجاه العودة عن القرار الصادر الذي يضرّ بمصالح الدولة اللبنانية”.
رئيس لجنة مكافحة الفساد لا يكافح الفساد
بدورها تحدّثت رئيسة جمعية “مدراء مؤهلون لمكافحة الفساد” جينا الشماس، فعادت بالذاكرة الى الوراء وقالت: “في 27 كانون الثاني 2011 اصدر رئيس الحكومة نجيب ميقاتي مرسوماً رقم 156 إنشاء لجنة مكافحة الفساد التي تترأسها ومرسوماً رقم 157 إنشاء اللجنة التقنية لمساعدة اللجنة الوزارية.
وأضافت: “بقرار رقم 63 في 23 أيار 2014 اي منذ 9 سنوات تم تشكيل لجنة مصغرة لتقييم تنفيذ لبنان إجراءات استرداد الأصول كما في الفصل الخامس من معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، التي التزم بها لبنان بدءاً من 22 أيار 2009.
ونصت المادة 51 من الفصل الخامس على ان استرداد الأصول هو مبدأ أساسي في هذه الإتفاقية وأنه على الدول الأطراف ان تمّد بعضها البعض بأكبر قدر من العون والمساعدة في مجال استرداد الأصول. وبحسب الفقرة 5 من المادة 52 من المعاهدة، تنظر كل دولة طرف في انشاء نظم فعّالة لإقرار الذمة المالية بشأن الموظفين العموميين المعنيين، تنص على عقوبات لعدم الإمتثال. كملاحقة رياض سلامة الذي يشغل منصب حاكم مصرف لبنان حتى اللحظة، بجرائم تبييض أموال. وصدر بحقه مذكرة توقيف دولية، بعد ان تمنّع عن المثول أمام القاضي الفرنسي حيث كانت فرصة إثبات براءته المزعومة. وكون الجرم الذي يتّهم به رياض سلامة هو جرم تبييض أموال، اي أموال مصدرها غير شرعي، يتوجب على الدولة استرداد ما مصدره مصرف لبنان”.
وأضافت الشمّاس: “اذا لم تفعل ذلك الدولة الممثلة بالحكومة ورئيس الحكومة، تكون مخالفة صراحة للمادة 53 التي توجب على الدولة ان تتخذ ما يلزم من تدابير تأذن لمحاكمها بأن تأمر من ارتكب أفعالاً مجرّمة بدفع تعويض للدولة المتضررة.
ولم تنته الإلتزامات عند معاهدة الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، بل التزم لبنان بتوصيات مجموعة العمل المالية التي حدّثت المعايير الدولية في شباط 2023.
ونصّت هذه المعايير على انه ينبغي على الدول ان تجرّم غسل الأموال وتمويل الإرهاب وينبغي أن تطبّق جريمة غسل الأموال على كافة الجرائم الخطيرة لتشمل أكبر عدد من الجرائم الأصلية.
وينبغي على الدول إتخاذ جميع تدابير التحقيق المناسبة وأن تنظر في اعتماد تدابير تسمح بمصادرة تلك المحصلات من دون اشتراط وجود إدانة جنائية.
كذلك ينبغي على الدولة حماية كاشفي الفساد وتحديداً وفق المادة 20 من توصيات المجموعة المالية الدولية، وأن تكون المؤسسات المالية ومديرها وموظفوها والعاملون فيها متمتعين بالحماية بموجب القانون من المسؤولية الجنائية والمدنية عن انتهاك اي قيد على الإفصاح عما يكون مفروضاً كنص تشريعي او تنظيمي او إداري، وذلك في حالة قيامهم بالإبلاغ عن شكوكهم بحسن نية المعلومات الى وحدة المعلومات المالية، حتى وان لم يعرفوا على وجه الدقة ما هي طبيعة النشاط الإجرامي الأساسي وبغض النظر عن حدوث نشاط إجرامي فعّال.
وحذّرت من مغبة مخالفة النصوص الملزمة وسوء استخدام السلطة لمنع هيئة القضايا من تنفيذ الإجراءات التي تسمح باسترداد الأصول اللبنانية من فرنسا وغيرها من الدول الأوروبية.