صدر التقرير الاقتصادي الجديد لبنك عوده لفت فيه إلى أن «الأوضاع الاقتصادية والنقدية خلال الفصل الأول من العام 2024 جاءت على مرآة الظروف الاقتصادية في الفصل الرابع من العام 2023: انتكاس الاقتصاد الحقيقي نتيجة التأثيرات المباشرة وغير المباشرة للحرب على الحدود الجنوبية اللبنانية والتي نتج عنها ركود الناتج».
وأضاف: «إن التقلص الذي شهدته مختلف مؤشرات القطاع الحقيقي خلال الأشهر الستة الماضية منذ اندلاع الحرب إنما يثبت نظرية الركود الاقتصادي. من ضمن هذه المؤشرات، يذكر تقرير بنك عوده نشاط البناء حيث انخفضت تراخيص البناء بنسبة 14%، إضافة إلى نشاط المطار مع انخفاض عدد المسافرين (-11%) والصادرات عبر مطار بيروت (-13%)، وتراجع النشاط السياحي بشكل عام كما يستدل من خلال انخفاض عدد السياح بنسبة 24%. وبالنظر إلى آفاق القطاع السياحي، لفت التقرير إلى أن «لبنان تلقى الضربة الأقوى من بين الدول المجاورة، ما يعيق نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي في لبنان ويضعف وضعيته الخارجية».
وتابع: «لا شك ان الاقتصاد اللبناني هو من بين الاقتصادات الإقليمية الأكثر تضرراً من جراء الحرب المستجدة وذلك نتيجة تأثيراتها المباشرة وغير المباشرة. فتبرز التأثيرات المباشرة للحرب في جنوب لبنان، الناتجة عن خسائر بشرية ومادية جسيمة على طول المنطقة الحدودية عموماً. اما الآثار غير المباشرة للحرب فمرتبطة بتداعيات الوضع الأمني الهشّ على البلاد بشكل عام، والذي يؤثّر على إجمالي الاستثمار في ظل ضبابية الآفاق من جهة، وتأثيرات الحرب على أداء القطاع السياحي من جهة أخرى والذي كان قد بدأ يشهد مؤشرات ملموسة للنهوض قبيل الصراع».
على صعيد التأثيرات المباشرة، أوضح أن «الاعتداءات الاسرائيلية منذ بداية المناوشات في جنوب لبنان أدّت إلى تدمير جزء من المساكن والبنى التحتية والأراضي الزراعية والمحاصيل. وتشير التقديرات الأولية إلى أنّ القيمة الإجمالية للأضرار منذ بدء الاعتداءات تجاوزت ملياري دولار أميركي بشكل عام لـما يقارب 5000 مسكن متضرر ناهيك عن الأضرار التي طاولت البنى التحتية والزراعة. إضافة إلى ذلك، تقدر الخسائر الناجمة عن إقفال المؤسسات وتوقف الأعمال في المنطقة الحدودية بمئات الملايين من الدولارات، ما يفاقم إجمالي الخسائر المباشرة منذ 8 أكتوبر 2023».
ويبدو أن قطاع الزراعة الذي يوفّر الدخل لـ 70% من الأسر داخل المنطقة الحدودية، هو الأكثر تضرراً، وفق التقرير «ناهيك عن الخسارة المستقبلية للمداخيل المترتبة عن تضرّر الأراضي الزراعية بالفوسفور، مما يجعل الأرض غير صالحة للإنتاج الزراعي. إنّ الصراع يجري خلال فترة مهمة بالنسبة للمزارعين (الحصاد وإعداد الأرض للموسم المقبل). وقد تعرضت الأراضي الزراعية لأضرار جسيمة، بما في ذلك التدهور المادي والتلوث الكيميائي والتلوث من مخلفات المتفجرات، ما أدى إلى فقدان خصوبة التربة. كما أدى استخدام القصف بالفوسفور إلى تلوث المحاصيل والمياه السطحية والجوفية، مما يشكل تهديداً للماشية وصحة المواطن. اما المحاصيل الرئيسية التي تأثرت فهي: الزيتون (وبالتالي إنتاج زيت الزيتون)، والخروب، والحبوب وغيرها من المحاصيل الشتوية. بالإضافة إلى الخسائر التي يتكبدها الإنتاج، احترقت آلاف الأشجار، ناهيك عن الخسائر الجسيمة في قطاعات الثروة الحيوانية والدواجن وتربية الأحياء المائية».
أما في ما يتعلق بالتأثيرات غير المباشرة للحرب على إجمالي الاستثمار في لبنان بشكل عام، «فقد منعت الحرب المستثمرين في جميع الأراضي اللبنانية من اتخاذ قرارات استثمارية أو على أقل تقدير أدّت إلى تأخير تنفيذ القرارات السابقة. إذ بات المستثمرون في حال ترقب في ظل ضبابية الوضع الأمني داخل البلاد والذي يؤثر سلباً على الآفاق الماكرو-الاقصادية والمالية في لبنان. والجدير ذكره أنّ حجم الاستثمار إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغ اليوم مستوى متدنياً أقل من 10%، وهو أحد أدنى المستويات في التاريخ المعاصر للبلاد ومن بين أقل المستويات في الأسواق الناشئة ما يشير إلى الضعف الملحوظ في تكوين رأس المال بشكل عام. وفي ما يتعلق بأسواق الرساميل، فقد شهدت سوق سندات اليوروبوند اللبنانية عمليات بيع ابتداء من أوائل تشرين الأول، في إشارة إلى تردي نظرة المستثمر بشأن الآفاق الاقتصادية والاصلاحية وعملية إعادة هيكلة الدين».
وفي ما يخص التأثيرات غير المباشرة على القطاع السياحي في لبنان بشكل عام، «كانت للحرب تبعات سلبية جسيمة على القطاع السياحي، ولا سيما أن البلاد كانت على مشارف مواسم سياحية واعدة سواء كان خلال عطلة عيد الميلاد أو خلال موسم التزلج او خلال عيدي الفصح والفطر. ويقدر بنك عوده أن تكون الإيرادات السياحية الضائعة خلال فترة الستة أشهر منذ اندلاع الحرب قد فاقت المليار دولار أميركي حتى تاريخه، وذلك على أساس انخفاض متوسط عدد السياح بنسبة 24%، علماً ان متوسط إنفاق السائح في لبنان يبلغ حوالى 3000 دولار أميركي».