تقلبات الدولار تضغط على تكاليف تحوط الشركات

أثرت التقلبات الشديدة في العملات العالمية على أرباح معظم الشركات العام الماضي، وبينما صارت أسواق تداول العملات الأجنبية (الفوركس) أقل تقلبا، تبحث بعض الكيانات عن طرق لحماية الأرباح وخفض تكاليف التحوط.

ويعد التحوط موقفا تتخذه كيانات قطاع الأعمال في سوق معين في محاولة منها للتعويض عن التعرض لتقلبات الأسعار في سوق آخر بهدف تقليل المخاطر غير المرغوب فيها.

وثمة العديد من المحددات المالية لتحقيق هذه الغاية في معظم القطاعات تقريبا وتشمل الطاقة والمعادن الثمينة كالذهب وأيضا العملات، وتشمل العقود الآجلة والمقايضة ووثائق التأمين، إلى جانب خيارات أخرى.

ومنذ سبعينات القرن الماضي، احتل الدولار مكانة مسيطرة على صعيد الاقتصاد العالمي، وبات عملة الاحتياط النقدي لأغلب الدول، حتى تلك التي لا ترتبط بعلاقات ودية مع الولايات المتحدة باعتباره عملة التجارة الدولية الأولى.

وأدى تقلب العملات إلى دفع مؤشر جي.بي مورغان في.إكس.واي – جي 7 في سبتمبر الماضي إلى أعلى مستوياته في أكثر من عامين. ولا يزال التقلب مرتفعا عند 10.1 نقطة، أعلى من متوسط 10 سنوات البالغ 8.34 نقطة.

وضربت تقلبات العملات الشركات العملاقة مثل آي.بي.أم التي استشهدت بأف.إكس في الإبلاغ عن انخفاض قدره 3.5 مليار دولار في إيراداتها في عام 2022 في أرباح الربع الرابع.

وجاء ذلك مع إعلان مجموعة ميتا، الشركة الأم لفيسبوك، أن إيراداتها البالغة 32.2 مليار دولار في الربع الأخير كانت سترتفع بمقدار ملياري دولار لولا رياح العملة المعاكسة.

وفي الربع الثالث من العام الماضي، أبلغت شركات أميركا الشمالية وأوروبا عن 47.2 مليار دولار من التأثيرات السلبية على العملة، وهو ما يزيد بنسبة 26 في المئة عن الخسارة في الربع السابق، وفقا لتقرير كيريبا الفصلي لتأثير العملة الصادر الثلاثاء الماضي.

ونسبت رويترز إلى آندي غيج نائب الرئيس الأول لحلول الفوركس والاستشارات في كيريبا قوله إن “تقلب العملات مصدر قلق بالغ للمدراء التنفيذيين ورؤساء الشؤون المالية حتى مع ضعف الدولار مقابل العملات الأخرى التي تتعرض لها الشركات الأميركية”.

وانخفض الدولار بأكثر من سبعة في المئة مقابل سلة من العملات خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بعد ارتفاعه إلى أعلى مستوى له في عقدين خلال العام الماضي.

وقد تكون هذه أخبارا سارة للشركات التي تتطلع إلى استعادة بعض خسائر العام الماضي، ولكن غيج يرى أن “التقلبات لا تزال قائمة خاصة في ما يتعلق بقيام المنظمات بوضع اللمسات الأخيرة على تقارير نهاية العام وإعداد التوجيه لعام 2023”.

ويعني الدولار القوي أن الدخل المكتسب في الخارج للشركات، التي تتخذ من الولايات المتحدة مقرا لها، يكون أقل قيمة عند التحويل ويجعل السلع الأميركية أقل تنافسية في الخارج.

وعلى الرغم من أن الدولار قد قلص ارتفاعه، إلا أن الإستراتيجيين يتوقعون المزيد من التقلبات في أسواق العملات هذا العام، حيث تقوم البنوك المركزية بتعديل سياساتها النقدية لمحاربة التضخم.

ويتسبب التقلب، الذي يتسبب في زيادة فروق أسعار العرض والطلب ويجعل التحوط أكثر كلفة، في قيام الشركات بإعادة تقييم برامج التحوط الخاصة بها.

وعادة ما تستخدم الشركات العقود الآجلة للعملات الأجنبية لتأمين أسعار الصرف المستقبلية لتقليل مخاطر العملة، ما يسمح لها بالاتفاق على سعر الصرف في وقت مبكر.

ويوضح أمول دارجالكار الشريك الإداري ورئيس مجلس الإدارة في شركة تشاتام فاينانشيال أنه مع قيام الفيدرالي الأميركي (البنك المركزي) برفع الفائدة بقوة، زادت النقاط الآجلة عبر العديد من أزواج العملات التي تحتوي على الدولار.

وتُظهر بيانات منصة ريفينتيف أن السعر على العقود الآجلة لليورو مقابل الدولار لمدة ثلاثة أشهر ارتفع إلى 65.52 نقطة في ديسمبر من 20.61 نقطة في يناير 2022. وبالنسبة إلى الجنيه الاسترليني، كان 23.77 نقطة من سالب 5.7 نقطة للفترة ذاتها.

وقال دارجالكار “هناك نفسية ورغبة في عدم الدخول في أدنى المستويات أو الارتفاعات، اعتمادا على الاتجاه الذي تسير فيه العملة”.

وتستخدم بعض الشركات خيارات للحماية من الخسائر التي تسببها أسعار الصرف. وقد يعني هذا أنهم سيستفيدون إذا عملت تقلبات العملة في مصلحتهم.

وقال أبهيشيك ساشديف الرئيس التنفيذي لشركة فيدانتا هيديغينغ في المملكة المتحدة، إن “أكثر من 30 في المئة من عملائه في السوق المتوسطة يستخدمون الخيارات مقارنة بالعام الماضي”.

ومع أن معظم تداول خيارات العملات الأجنبية يحدث بشكل ثنائي مع البنوك، لكن حجم خيارات العملات الأجنبية المدرجة في مجموعة سي.أم.إي ارتفع بنسبة 16 في المئة على أساس سنوي خلال العام الماضي.

ويمثل هذا الرقم في المتوسط أكثر من 42 ألف عقد يوميا أو ما يعادل 4.4 مليار دولار نظريا في التداول.

وثمة قناعة بأن هذه الخيارات لها عيوبها. وقال دارجالكار إن “التقلبات أدت إلى زيادة تكاليف استخدام الخيارات للتحوط، مما خلق عائقا واحدا أمام التبني على نطاق أوسع”.

وعلى سبيل المثال، كان التقلب الضمني لخيار اليورو/الدولار لمدة ستة أشهر في بداية ديسمبر الماضي حوالي 9 في المئة مقابل 6 في المئة قبل عام، وفقًا لبيانات ريفينتيف، مما يعني أن الشركات كانت تدفع أكثر مقابل الحقوق التي توفرها الخيارات.

ويقول مستشارو التحوط إن الطريقة الأخرى التي تحاول بها الشركات تقليل تكاليف التحوط إلى الحد الأدنى تتمثل في نشر إدارة العملة حول المزيد من الوسطاء خارج بنوك المقاصة الرئيسية.

وفي حين أن معظم تداول العملات لا يزال يحدث عبر البنوك الكبرى، إلا أن شركات الطرف الثالث استحوذت على منافذ السوق.

وارتفعت الإيرادات في مجموعة أرجينتكس غروب، وهي وسيط رئيسي غير مخاطر، بنسبة 63 في المئة من عام 2021، حيث أدت تقلبات أسعار الصرف إلى زيادة احتياجات التحوط الخاصة بالشركات.

وقامت شركة ميل تيك أف.إكس، وهي قسم من مجموعة ميلينيوم العالمية المتخصصة في العملات المستقلة، بمضاعفة عدد عملائها، مما أدى إلى زيادة إيراداتها الشهرية بأكثر من 130 في المئة منذ أغسطس الماضي.

وبينما تراجعت تقلبات العملة وتقلصت تكاليف التحوط، فإن غيج يرى أن التقلبات والتضخم لا يزالان مصدر قلق لكثير من الشركات، ولن تزول المخاوف قريبا.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةكيف إستقرت أسعار المحروقات صباح اليوم؟
المقالة القادمةجلسة تشريعية لاقرار الكابيتال كونترول