تلزيم مطاعم المطار بين “حوتيْن”… وتحت المجهر الرقابيّ

ملف تلزيم «إشغال وإدارة واستثمار مطاعم ومقاهي مبنى الركاب في مطار رفيق الحريري» تحت مجهر الهيئات الرقابية. فإحالته من قبل رئيس مجلس الوزراء إلى هيئة الشراء العام، شرّعت الباب على تحقيقات باشرت بها الهيئة منذ أسابيع، تنكب خلالها على جمع كافة الوقائع والمستندات، للتثبت مما أثير عن تجاوزات رافقت ترسية الإلتزام منذ شهر نيسان الماضي على شركة «نيفادا»، ومباشرة الأخيرة بالتنفيذ.

والهيئة تقوم باستقصاءاتها وتحقيقاتها وفقاً لمصادرها من منطلق شمولي، يفترض أن تنتهي إلى توصيات تبنى على الوقائع التي سيتم إستخلاصها حول مختلف مراحل إتمام الصفقة. وذلك بموازاة تحرك لجنة الأشغال النيابية، التي عقدت جلسة أولى لها الأسبوع الماضي، إستمعت خلالها إلى بعض الوقائع التي توفّرت لدى رئيس الهيئة الدكتور جان العلية، فيما تغيّب وزير الأشغال عن الجلسة وتُرك رئيس المطار فادي الحسن وحده بمواجهة أسئلة النواب.

إلا أن جلسة لجنة الأشغال النيابية وفقاً للنائب إبرهيم منيمنة «لم تستحصل على إجابات شافية». وإجابات الحسن وفقاً لتوضيحاته لم تأت بما يدحض الشكوك بالمستندات، فكان بعضها مقنعاً للجنة، ومعظمها غير مقنع. وعليه طُلب عقد جلسة ثانية لإستكمال النقاش بالمواضيع التي أثيرت.

بالنسبة لمنيمنة «من المهم جداً أن نطّلع على العقد الموقع مع شركة نيفادا الفائزة بالإلتزام، علماً أنّ هناك شكوك بوجود عقد في الأساس». وهذا برأيه يتسبب بثغرة أساسية تعيد تجربة شركة INKRIPT مع هيئة إدارة سير المركبات والآليات. إذ إن غياب العقد يعني أنّ الشركة الفائزة بالإلتزام مضت بمهماتها بإذن مباشرة. فيما العقد بالإجمال يبنى على دفتر الشروط، وهناك ملاحق مرتبطة به، تتطلب من الملتزم أن يقدم سياسة لكيفية إدارة المساحات المستثمرة، وكيفية التسعير، بالإضافة إلى تفاصيل أساسية كموضوع التأمينات المطلوبة، ورفع السرية المصرفية، وبالتالي إذا لم يكن هناك عقد كل هذه الأمور لا تعود واضحة.»

طبخات سمسرة؟

وقصة العقد «المفقود» أو «المغيّب» في إلتزام خدمات المطاعم والمقاهي في مطار رفيق الحريري الدولي، ليست وحدها ما يجعل الشكوك تحوم حول ما يخبأ من «طبخات» سمسرة من وراء هذه الصفقة. فإذا كان التدقيق في دفتر الشروط قد أظهر أيضاً إمكانية للتلاعب في تطبيقه، فإنّ متابعة مجريات جلسة فض العروض، بيّنت أنّها اكتسبت شرعية إنعقادها من ثلاثة عروض، ما لبث أن استُبعد عرض شركة FHB MENA Franchise LTD منها، كونها لم تبرز لا شهادة تخصص ولا خبرة. وهذا ما طرح علامات إستفهام عما إذا كانت مشاركتها «الصورية» هدفت فقط لضمان إنعقاد جلسة فض العروض لمصلحة واحد من العارضين المتبقيين، وهما الشركة اللبنانية لتموين مطار بيروت LBACC التي شغّلت هذا القطاع منذ سنة 2016 ومالكها الأكبر شركة ميدل إيست ورئيس مجلس إدارتها محمد الحوت، وشركة «نيفادا» الفائزة بالصفقة ومالكها وسام عاشور.

وهكذا إنحصرت المنافسة بين «حوتين» يتناتشان الإلتزام. فكان لافتاً أن يقفز عاشور بمعدل خمسة أضعاف عن الحد الأدنى لسعر إفتتاح المزايدة الذي حددته مديرية الطيران بـ700 ألف دولار. اذ قدمت نيفادا عرضاً مغرياً بنحو ثلاثة ملايين و500 ألف دولار، في وقت لم يتجاوز عرض LBACC الخاسر 950 ألف دولار.

وهو وفقاً لمنيمنة، «ما جعلنا نسأل لماذا هذا الفرق الكبير في العروض؟ هل هنالك خلل في العرض الأدنى؟ أم مبالغة في العرض الأعلى؟ ولماذا رفعت «نيفادا» السعر إلى أضعاف لضمان رسو المزايدة عليها؟ وكيف؟ وبأي طريقة سيعوض المستثمر ربحه من هذا التلزيم؟ وهل على حساب المواطنين والركاب والمسافرين بدءاً من غلاء أسعار السلع المباعة في مطاعم وكافيتريات المطار»؟

هكذا تحوّلت الملاحظة التي سجّلها ممثل هيئة الشراء العام حول هامش الفرق بين العروض وأسعارها في محضر جلسة فضها، منطلقاً لتحقيقات حول هذا الملف، كشفت ثغرات إضافية في مرحلة المباشرة بالعمل وتجاوزات راكمها الملتزم الجديد في أشهر قليلة. كيف لا وصاحب شركة «نيفادا» هو وسام عاشور، الشهير بتجاوزاته التي سمحت له ببناء فندقه «الإيدن باي» على الأملاك العامة، وهو بطل غرق الرملة البيضاء بمياه الأمطار عام 2018، فلعب «جسم الملتزم اللبيس» دوراً أساسياً في التشكيك بمجمل عملية التلزيم ونواياها.

بحسب المعلومات معظم النقاش في جلسة لجنة الأشغال الأولى تركّز على سعر الإفتتاح والعرض الفائز، خصوصاً أنّ مديرية الطيران في اعتمادها على عقود المزايدات السابقة في تحديد سعر الإفتتاح، لجأت إلى السقف الأدنى، في وقت هناك سقف أعلى عُمل به سابقاً وبلغ 2.2 مليون دولار. وهو وفقاً لمنيمنة «ما جعلنا نسأل عن معيار التسعير وأين يكمن الخلل؟ وهل المرجع في تقييم المزايدة هو عقود المزايدات السابقة أم القيمة التأجيرية الحقيقية للمطاعم والكافيتريات»؟

يتتابع التوجس من الصفقة خلال عملية إستلام المساحات. إذ سجّلت لجنة الأشغال شكوكاً أيضاً حول عدم إلتزام بالمساحات المحددة، ومحاولة لتحويل وجهة إستخدام بعضها «بما ينطوي عليه من ربح ستستفيد منه الشركة عن غير وجه حق». هذا في وقت ربط دفتر الشروط أي تحويل في وجهة إستخدام المساحات بموافقة المالك. وهذه أيضاً اعتبرها منيمنة ثغرة أخرى في دفتر الشروط، «لكونه وضع سلطة استنسابية في إدارة المال العام بيد المالك».

الهيمنة على مساحات إضافية

لدى الغوص في التجاوزات المرتكبة بإستثمار المساحات المحددة بـ 3783 متراً، تم إكتشاف طلب تقدمت به الشركة الفائزة لإستبدال مساحة 509 أمتار محددة بمستودعات، بما يوازيها من مساحات في المواقع المخصصة للإستثمار التجاري. اذ ذكر أنّ نيّة الشركة إنشاء 17 مقهى عليها. لم تنف «نيفادا» من خلال إطلالات إعلامية مختلفة لممثليها مضمون الكتاب الذي طلب ذلك من المديرية العامة للطيران المدني. إلا أنّ ما كان لافتاً أنّ هذا الكتاب قوبل بثلاثة ردود تفاوتت بين قبول، ونصف قبول ورفض. وهذا ما اعتبر تخبطاً لدى الإدارة، التي يتبيّن أيضاً أنها لم تضع خرائط بالمساحات التي يمكن إستثمارها.

إلا أنّ محاولة الهيمنة على مساحات إضافية، لا تنفصل وفقاً لمتابعي الملف عن السعر الذي طرحه المشغل الفائز بالإلتزام، إذ إنّه يظهر هندسات لجأ اليها لتغطية مبلغ الإلتزام المغري الذي قُبل بموجبه عرضه. ليتبين أنّ هذه الهندسات لا تقتصر على ما يتم التحضير له من قضم مساحات إضافية داخل حرم المطار، وتبديل إستخدامات المساحات المشمولة به، بل تتعداها إلى عقود الباطن، وهي عقود يؤجر من خلالها المتعهد إلتزامه لمؤسسات تقدم خدمات المطاعم والمقاهي.

في المبدأ لا تشكل عقود الباطن مخالفة لدفتر الشروط. إلا أنّ ذلك يجب أن يقترن بتقدم الملتزم بسياسة واضحة لعملية تلزيمها، خلال مهلة شهرين من المباشرة بإلتزامه، الأمر الذي لم يحصل حتى الآن. هذا مع العلم أنّ ثمة ثغرة في دفتر الشروط وفقاً لمنيمنة من خلال ربط تلزيمات الباطن بقيمة العقد، وتحديدها بخمسين بالمئة منه. وهذا ما يدفع إلى التساؤل عن المرجعية التي تحدد متى وصل الملتزم إلى هذه القيمة، وبالتالي يعتبر منيمنة أنه كان الأجدى إقران هذه الإستثمارات بالمساحات، ولا سيما تلك المخصصة لإنشاء المطاعم.

تنفي الشركة الملتزمة أي تلزيم لها من الباطن. وفي نفيها محاولة تعمية عن الواقع الذي يبيّن إستقدام سلسلة مطاعم عالمية إلى المطار. صادر أحدها المساحات التي كانت قد أنشئت لإحتضان الأطفال الذين يعانون التوحد.

صمت وزارة الأشغال

وبينما توحي «نيفادا» أنها تحاول أن تقدم خيارات أفضل وأكثر تنوعاً للمسافرين، تتحدث المعلومات عن أنّ حصتها من أرباحها ستصل إلى 65 بالمئة، وهي نسبة قد تدفع إلى تخطي السقف المحدد في دفتر الشروط لأسعار الخدمات التي ستقدم للمسافرين، حتى لو حددها دفتر الشروط بضعفي سعر أي خدمة في الخارج كحد أقصى. والمفارقة أنه فيما تلتزم وزارة الأشغال الصمت حيال الأسئلة الموجّهة إليها حول هذا الملف من قبل السلطات الرقابية، حملت الشركة الملتزمة، والتي تشكّل طرفاً مستفيداً، لواء الدفاع عن الصفقة، ومضت بتوزيع إتهامات الفساد والتضليل على كل من طرح التساؤلات والأسئلة.

هذا مع العلم أنّه في معرض دفاعها عن إلتزامها، وجدت «نيفادا» غطاءها في تعرية «مخالفات» سلفها بإدارة هذا القطاع. الأمر الذي جعل منيمنة يرد بأن «شبهات التلزيمات السابقة، ليست كافية لمنح عاشور صك براءة مسبق على تلزيمه»، ليؤكد لـ»نداء الوطن»، «أننا طلبنا من فادي الحسن أن يعطينا كافة مستندات التلزيمات السابقة والحالية والمساحات المستثمرة بالمطار، وسنراجعها كلها لنتحقق من كل الإرتكابات التي تسيء للدولة وخزينتها».

 

مصدرنداء الوطن - لوسي بارسخيان
المادة السابقةإقتصادات المنطقة والعالم بدأت تتأثّر سلباً بالحرب على غزّة
المقالة القادمةرئيس نقابة الأفران: لإعطاء الأفران مهلة 6 أشهر