تراجع سعر صرف الدولار في اليومين الماضيين تأثراً بالتسريبات والتحليلات عن أن اجتماع المجلس المركزي لمصرف لبنان اليوم، سيتخذ قرارات وصفها البعض بـ”المصيرية”، ما من شأنه ضبط حركة سعر الصرف ولجم انهيار العملة الوطنية، وغير ذلك من الإجراءات التي باتت أشبه بالأمنيات.
كل ما تم الترويج له لا ينفي عجز مصرف لبنان اليوم أمام ضبط انهيار الليرة. ولا يقتصر عجزه على ضبط انهيار العملة وحسب، لا بل أيضاً على لجم تسارع انهيارها. أما الحديث عن خطة متكاملة يقوم المجلس المركزي لمصرف لبنان بدرسها فهو أمر مُبالغ فيه.
تمديد 161
وقد تبيّن حتى اللحظة أن الإجراءات التي رشحت عن اجتماع المجلس المركزي في مصرف لبنان اليوم، الإثنين 30 كانون الثاني، لا تعدو كونها استعادة لإجراءات سابقة تم اتخاذها على مراحل منذ بداية الأزمة المالية عام 2019، ولم تأت بنتيجة.
وتمثل الإجراء الأول بإصدار حاكم مصرف لبنان رياض سلامة قراراً نسبه إلى المجلس المركزي لمصرف لبنان، مدّد بموجبه صلاحية التعميم 161 المتعلّق بالإجراءات الاستثنائية للسحوبات النقدية، حتى نهاية شهر شباط المقبل.
بمعنى آخر مدّد مصرف لبنان العمل بالتعميم الذي يجيز للمواطنين السحب من حساباتهم المصرفية بالدولار على أساس منصة صيرفة، وبالتالي، لم يطرأ أي أي تغيير على الوضع الراهن.
وحسب المعلومات، فإن المجلس المركزي لم يقرر أي تغيير، أقله في الوقت الحالي، يتعلّق بالسحوبات المصرفية عبر منصة صيرفة. فقد أبقى على سعر الدولار المعتمد حالياً عند 38 ألف ليرة للدولار. ومن المتوقع أن تستمر المصارف بالعمل وفق السقوف المعتمدة من قبلها مؤخراً، والتي تتفاوت بين مصرف وآخر. أما لجهة الطلبات التي سبق أن تقدّم بها العملاء في المصارف للسحب على أساس صيرفة قبل خفض سقوف السحوبات، فتفيد المصادر بأن الطلبات القديمة سيتم تمريرها من دون إفساح المجال للتقدم بأي طلبات جديدة.
وتعزو المصادر عدم اتخاذ المجلس المركزي لمصرف لبنان أي قرارات حاسمة اليوم إلى تريثه بالتدخل في السوق، ريثما يدخل قرار اعتماد سعر الدولار الجديد، أي 15 ألف ليرة (بدلاً من 8000 و12000 ليرة)، حيز التنفيذ يوم الأربعاء المقبل، واستطلاع وقعه على الاسواق.
ملاحقة الصرافين
على خط آخر وبإيعاز وتنسيق مع مصرف لبنان، وجّه مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات كتاباً إلى النائب العام المالي القاضي علي ابراهيم، طالبه فيه بتسطير استنابات قضائية فورية إلى أفراد الضابطة العدلية كافة، بغية إجراء التعقبات والتحقيقات الأولية كافة، والعمل على توقيف الصرافين والمضاربين على العملة الوطنية، والتسبب بانهيارها، واقتيادهم مخفورين إلى دائرة النيابة العامة المالية لإجراء المقتضى القانوني.
هذا الإجراء إن كان صادر عن القاضي عويدات منفرداً، أو أنه جاء بإيعاز من مصرف لبنان، ففي كلتا الحالتين لا يصح وصفه سوى بالقرار “الفارغ”، فهو يعكس عجز السلطات النقدية عن ضبط انهيار العملة وجهلها، كما جهل السلطة القضائية بتحوّل البلد بما فيه من مواطنين ومقيمين إلى مجموعات صرافين متنقّلة.
فمهنة الصيرفة باتت اليوم مهنة من لا مهنة لهم، والجميع يمارس مهنة الصيرفة بشكل أو بآخر. أما إن كان المقصود بالصرافين المحترفين وغير المرخّصين فهم يتجوّلون على الطرقات في كافة المناطق. والكثير منهم يعملون لصالح كبار الصرافين الذي يتعاون معهم مصرف لبنان ويشتري منهم الدولارات. فليقطع القضاء أولاً أيدي مشغّليهم.
أما الأمر المضحك بإحالة القاضي عويدات فهو ملاحقة “مَن تسبب بانهيار العملة”، وكأن صرافي السوق السوداء شكّلوا سبباً للأزمة وليس نتيجة لها. قد لا يعلم القاضي المسبّبات الاساسية للأزمة المالية وضلوع السلطة السياسية والنقدية بكل أركانها في ذلك، لكنه يعلم قطعاً عدد الدعاوى القضائية التي تم رميها في أدراج المحاكم وإغلاقها من قبل قضاة، وهي تُدين المصارف وحاكم مصرف لبنان وأخيه. وقد يكون على علم أيضاً بقيمة الأموال التي تم تهريبها إلى الخارج. وليس عمل الصرافين بالشوارع وتلويحهم برزم الدولارات سوى لشحّها وندرتها بعد تهريب المليارات إلى الخارج.
ارتفاع سعر الدولار
وربطاً بقرارات المجلس المركزي المفترضة، تراجع سعر صرف الدولار من محيط 58 الف ليرة صباح اليوم إلى نحو 56 الف ليرة في ساعات بعد الظهر، بسبب ترقّب الإجراءات التي سيخرج بها مصرف لبنان، إلا أن الدولار لم يستمر طويلاً في مساره النزولي، فقد استأنف ارتفاعاته بعد ورود أنباء عن عدم اتخاذ أي إجراءات عملية، واقتصار تحرك مصرف لبنان على خط ملاحقة الصرافين غير الشرعيين. وهو إجراء لا يعوّل عليه، إلى جانب تمديد العمل بالتعميم 161 بالشروط القائمة حالياً لمنصة صيرفة.