تستعيد الدوائر العقارية في لبنان نشاطها الاداري شيئاً فشيئاً منذ أن أعيد فتحها في آذار الماضي، لكن لم تستعد حالتها الطبيعية الى الآن . ومن المتوقع أن يكون شهر تموز المقبل موعداً لتفعيل عملها بشكل أكبر وأشمل، كما يجمع على ذلك أكثر من مصدر معني بملف الدوائر العقارية لـ»نداء الوطن».
تجدر الاشارة الى أن الشلل أصاب هذه الدوائر منذ فتح ملف الفساد فيها في تشرين الثاني 2022، ثم صدور القرار الظني في آذار 2023 وتحويله الى الهيئة الاتهامية، اي أن فترة الاقفال استمرت نحو عام ونصف، ليعود الموظفون الى العمل في آذار الماضي لإنجاز عشرات آلاف المعاملات المتراكمة، في سجلات بعبدا والشوف وعاليه والمتن وكسروان وجبيل. وانحصر العمل منذ ذلك الوقت بإنجاز البريد السابق، لتفتح بعدها السجلات أبوابها لاستقبال الطلبات الجديدة. وتقول مصادر متابعة لـ»نداء الوطن» إن «هناك قراراً سياسياً بعودة العمل في هذه الدوائر لما تشكله من مصدر مهم لخزينة الدولة التي تحاول زيادة ايراداتها بطرق شتى»، في حين يصف أحد المطورين العقاريين لـ»نداء الوطن» الحصول على معاملة من الدوائر العقارية بأنها «مهمة مستحيلة تستلزم دفع رشاوى بمئات وآلاف الدولارات، ما دفعه لاتخاذ قرار بالاعتكاف عن العمل في السوق اللبناني خصوصاً في ظل حالة الركود التي يعيشها، ما يعني أن المردود المادي «مش حرزان لكل هذا القهر» على حد تعبيره».
هذا الإرباك المستمر يجعل السؤال عن الخسائر التي تكبدتها الخزينة العامة جراء الاقفال طوال المرحلة السابقة مشروعاً، ويجيب عليه الباحث في الدولية للمعلومات محمد شمس الدين «نداء الوطن» بالقول: «التأخير في انجاز المعاملات في الدوائر العقارية لا يعني خسارة خزينة الدولة الرسوم المتأتية عن هذه المعاملات، بل تأخير الحصول عليها لاشهر وربما لسنوات. فاذا كان لدى المواطن معاملة بيع أو شراء أو افراز وتم تأجيلها، فهذا يعني تأخر في الواردات»، معتبراً أن «اللافت في هذا الملف هو أنه اثناء اقفال الدوائر العقارية في المرحلة الماضية، عمد موظفون الى قبض رشاوى طائلة لانجاز معاملات للمواطنين، وبلغ حجم هذه الرشاوى ملايين الدولارات،لأن المواطن مضطر لانجاز معاملته وهذا يعني زيادة الرشوة في المرحلة الماضية بدلا من مكافحتها!».
على ارض الواقع يشرح مدير عام الشؤون العقارية جورج معراوي لـ»نداء الوطن» أن «المديرية تعلن منذ آذار الماضي متى تستقبل طلبات المواطنين لانجازها، وأن هناك دوائر عقارية ستعاود استقبال طلبات المواطنين بشكل طبيعي قبل غيرها وقريباً جداً، لأنها انجزت كل المعاملات المتراكمة التي كانت موجودة في مكاتبها، ومنها على سبيل المثال الدائرة العقارية لمنطقة كسروان – جبيل. فهذه الدائرة تعلن كل اسبوعين عن استعدادها لاستقبال معاملات جديدة وحين يتم الانتهاء منها يستقبلون معاملات اخرى»، مشدداً على أن» الامور تسير بالطريقة المرسومة لها وباقي الدوائر العقارية ستسير على النهج نفسه قريباً جداً ومنها الدوائر العقارية في جبل لبنان وبعبدا».
يتجنب معراوي الحديث عن «أرقام محددة عن الرسوم التي ستحصلها هذه الدوائر قريباً»، معتبرا أن «كل ما يحكى عن هذه الرسوم هي تقديرات غير دقيقة الى الآن».
من جهته يوضح مدير عام Prime Consulting Group والرئيس الفخري لنقابة الوسطاء العقاريين مسعد فارس لـ»نداء الوطن» أن «الدوائر العقارية في جبل لبنان تنجز حالياً فقط المعاملات التي كانت موجودة عندها ولا تستقبل طلبات جديدة، وبسبب تراكم هذه المعاملات وكثرتها لم يتمكنوا من فتح الباب امام معاملات جديدة كما كان متوقعاً».
يضيف: «حاليا نحن موعودون بأن يعاد فتح هذه الدوائر ابوابها للمعاملات الجديدة بداية شهر تموز، وأتمنى ان يتحقق هذا الوعد لأنه يهمنا. وشخصياً اثني على عمل الدوائر العقارية حالياً لأن هناك مدراء عامين فيها يبذلون جهداً لاعادة عمل هذه الدوائر بشكل طبيعي»، جازماً بأنه « قبل هذه الفترة عاشت هذه الدوائر في حالة تشويش كبيرة ولا نعرف اذا كنا سنتخلص منها نهائياً ومن كافة الادارات العامة، خصوصاً أن هذا التشويش يرتكب تحت مظلة ان المعاشات غير كافية، وان الموظف يريد تأمين لقمة عيشه، وهناك موظفون يسعون لكسب أكبر ولو بطريقة غير سليمة».
ويختم: «الحالة الاقتصادية والادارية التي نعيشها معقدة جداً ولا يمكن ان نستمر على هذه الحال. اذ لا يتخذ المسؤولون أي خطوة ايجابية لاصلاح الامور بطريقة جذرية، وما يحصل حاليا هو عملية ترقيع لا اكثر ولا اقل، وهذا يعرقل عمل المسؤولين الجيدين في الادارة العامة ومنها الدوائر العقارية، لأن الحسابات السياسية طاغية على كل الحسابات الاخرى في البلد. وهذا ما يسبب فوضى عارمة».