يوم أنجزت اللجنة المكلّفة برئاسة زياد بارود تقريرها لإعداد مشروع قانون تطبيق اللامركزية الإدارية، أشارت إلى أن تحويلات الحكومة المركزية إلى البلديات لا تتجاوز 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2011 (بحسب البنك الدولي بلغ الناتج في تلك السنة نحو 39.9 مليار دولار)، أي ما يعادل 240 مليون دولار. ولفتت اللجنة أيضاً، إلى أنه يفترض بحسب الأسس الواردة في إطار مصادر تمويل الصندوق اللامركزي، أن تبلغ حصّة الصندوق من الحكومة المركزية إلى 1314 مليار ليرة، أي ما يعادل 870 مليون دولار، أي لتصبح حصّتها من الناتج في تلك السنة 2.7%، أي أقرب ما يمكن إلى المعدل في الدول النامية والبالغ 3%.
هذا الكلام كان قبل الانهيار المالي، وبالتالي يصبح السؤال المركزي: ما هو الوضع الحالي بعد مرور أربع سنوات على الانهيار؟
بحسب التقرير الأخير للبنك الدولي، فإن الناتج المحلي الإجمالي المتوقع لعام 2023 سيبلغ 17.9 مليار دولار، وأن النفقات الحكومية ستبلغ 6.8% من الناتج أو ما يعادل 1.22 مليار دولار، وأن الإيرادات الحكومية ستبلغ 6.3% من الناتج أو ما يعادل 1.13 مليار دولار.
إذا افترضنا أن الهدف تحقيق الرقم المفصح عنه في 2011، أي نحو 870 مليون دولار، فذلك يعني اقتطاع غالبية الإيرادات الحكومية من أجل تمويل الصندوق المركزي، أما إذا افترضنا أن النسبة من الناتج البالغة 2.7% هي الهدف، فهذا يعني أن حصّة الصندوق المركزي ستبلغ في 2023 نحو 485 مليون دولار أي ما يوازي 42% من الإيرادات الحكومية.
في النتيجة، أيام الرخاء كان التوزيع سهلاً للغاية نظراً إلى الحصّة الصغيرة التي ستقتطع لمصلحة الصندوق من الإيرادات العامة. إلا أن التوزيع يصبح أمراً بالغ الصعوبة في أيام الأزمات مع تقلّص الناتج المحلي الإجمالي بما يعنيه ذلك لجهة تراجع المداخيل والإنتاج، إذ إن الإيرادات العامة لا تكفي حالياً لتغطية رواتب العاملين في القطاع العام. وبالتالي فإن اقتطاع نحو نصف هذه الإيرادات من أجل إعادة توزيعها من خلال الصندوق اللامركزي، سيأتي على حساب أبواب في الموازنة العامة تتعلق بالخدمات الأساسية والتشغيلية للدولة إن لم يؤدّ إلى إلغاء ما تبقى من قدرة للدولة المركزية على تقديم الخدمات وتشغيل المرافق الأساسية. وإذا أخذنا في الاعتبار أن الاقتطاع سيكون من موارد مختلفة لتوزيعها وفق معايير محدّدة كالتي ذكرها المشروع، فإن حجم الأموال المقتطعة من الإيرادات العامة من موارد مختلفة، سيؤدي إلى فروقات هائلة في عملية التوزيع وسيعزّز فجوة اللامساواة ويوسّع الفوارق الطبقية بين الشرائح الاجتماعية وداخل أسوار المناطق أيضاً. التنافس، إن لم نقل التنازع على مكاسب من أموال الصندوق بين المناطق وداخل كل منطقة سيكون هائلاً.