للمرة الثانية، تُطلَق مناقصة “ترميم وإعادة تأهيل المبنى المركزي لمؤسسة كهرباء لبنان”، ويتم وقفها لخلل في دفتر الشروط. ومع أنّ مؤسسة الكهرباء تؤكّد التزامها “بأقصى درجات الشفافية والجدية”، بقي لديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام رأي آخر، خلص إلى وجود “ملاحظات وشوائب عديدة فيما خص دفتر الشروط الخاص العائدة للمناقصة”. وبانتظار تصحيح الخلل وإعادة إطلاق نسخة جديدة من المناقصة، يبقى سير الأعمال في المؤسسة مبتوراً، ممّا يؤثّر على حسن أداء الخدمة العامة. فهل ستكون “المرة الثالثة… ثابتة” أم سنشهد فصلاً جديداً من التأخير؟.
مناقصة لم تُختَتَم بعد
تحتاج مؤسسة الكهرباء إلى ترميم مبناها المركزي الذي تضرّر بشكل بالغ إثر تفجير مرفأ بيروت في 4 آب 2020. فمنذ ذلك الحين، دخلت المؤسسة كما سائر المؤسسات والإدارات العامة في دوامة الانهيار المستمر الذي رافق الأزمة الاقتصادية. ومع أنّ المؤسسة عملت على تحسين واقعها المالي بعد رفع تعرفة الكهرباء، إلاّ أنّ انعكاس ذلك على تأهيل مبناها واستئناف عملها بشكل منتظم، لم يحصل بعد.
التأخير خارج عن إرادة المؤسسة، وفق ما يُستَنتَج من بيانها الإيضاحي. إذ “تمّ إطلاق المناقصة لأول مرة، في 14 تشرين الثاني 2023 على منصة هيئة الشراء العام… لكن لجنة التلزيم الخاصة بهذه المناقصة رفضت العروض الثمانية التي قدّمت إلى المؤسسة، لعدم مطابقتها موجبات دفتر الشروط في حينه. وعليه، تم الإعلان عن المناقصة للمرة الثانية، بتاريخ 6 آذار 2025، ووَرَدَت عليها تسعة عروض”. وفي المرّة الثانية، ورغم تأكيد لجنة التلزيم “أنّها التزمت بأقصى درجات الشفافية والجدية في دراسة العروض… كانت النتيجة استبعاد خمسة عروض لعدم استيفائها شروطاً جوهرية ينص عليها دفتر الشروط. وعلى سبيل الذكر لا الحصر، عدم توافر القدرة المالية أو الخبرات الفنية المطلوبة في تنفيذ مشاريع مماثلة لمشروع المبنى المركزي للمؤسسة. وبالتالي، من العروض التسعة الواردة، قرّرت اللجنة قبول أربعة من الناحيتين الإدارية والفنية، لاستيفائها كامل الموجبات المطلوبة في دفتر الشروط”. وباستبعاد العروض غير المطابقة لدفتر الشروط، كانت المؤسسة تقترب من اختتام رحلة التلزيم، إلاّ أنّ الاستبعاد عينه، شابته الملاحظات، فلم تُختَم الرحلة.
استبعاد لأسباب غير جوهرية
نتيجة استبعادها، تقدّمت تلك الشركات باعتراض أمام ديوان المحاسبة وهيئة الشراء العام، فما كان من الديوان إلاّ أن أوقف المناقصة لإجراء التحقيق. وخلص التحقيق إلى أنّ “لجنة فضّ العروض استبعدت عن المشاركة في المناقصة خمسة عارضين من أصل تسعة تقدّموا للمشاركة فيها، لأسباب غير جوهرية كان بالإمكان تداركها وفقاً لأحكام قانون الشراء العام، ما يسمح بفتح باب المنافسة للاستحصال على العرض الأفضل وبالسعر الأنسب”.
وبالتنسيق بين النيابة العامة لدى الديوان وهيئة الشراء العام، جاء في قرار مدّعي عام الديوان القاضي فوزي خميس أنّه “تبيّن مما ورد في كتاب رئيس هيئة الشراء العام جان العلية، أنّ ثمة ملاحظات وشوائب عديدة في ما خص دفتر الشروط الخاص العائدة للمناقصة، فضلاً عن عدم تقيّد اللجنة بما هو منصوص عليه في المادة 21 من قانون الشراء العام، لجهة طلبات الاستيضاح والإجابة عليها وتبليغها وتعديل ملفات التلزيم والنشر وطلبها صورة عن أحد المستندات لتقويمه مع العرضين الإداري والفنّي، خلافاً لأحكام دفتر الشروط التي تنص على إدراجه ضمن العرض المالي”.
وأيضاً، تبيّنَ “وجود مُبالغة في تحديد الخبرات والمؤهّلات المطلوبة وقدرات الموظّفين الرئيسيين بما من شأنه الحدّ من المشاركة والمنافسة، فضلاً عن عدم وجود توصيف دقيق للملاءة المالية المطلوبة من العارضين التي ينبغي على الجهة الشارية أن تحددها بنص صريح، لا لجنة التلزيم. والشوائب والملاحظات كان لها تأثير كبير على مجريات المناقصة العمومية التي يفترض أن تتم وفقاً لدفتر شروط واضح، يتضمّن نصوصاً دقيقة لا تحتمل التأويل والتفسيرات المتناقضة”.
إعادة إجراء المناقصة
استناداً إلى مطالعة خميس، كانت مؤسسة كهرباء لبنان تتّجه إلى اختتام مناقصة تنتهي بتلزيم إحدى الشركات، استناداً إلى دفتر شروط غير واضح وفيه الكثير من الشوائب والملاحظات. ولذلك، جاءت التوصية بـ”إعادة المناقصة العمومية بالسرعة اللازمة وفقاً لدفتر شروط واضح ودقيق وشفّاف غير قابل للتأويل والتفسيرات المتناقضة، بعد عرضه على هيئة الشراء العام لإبداء الرأي، تلافياً للأخطاء والشوائب التي تحول دون الحصول على العرض الأفضل بالسعر الأدنى، وذلك حرصاً على المصلحة العامة وحفاظاً على الأموال العمومية”.
من جهة ثانية، رأت مصادر في مؤسسة الكهرباء في حديث إلى “المدن” أنّ إعادة المناقصة “يؤدّي إلى خسارة الوقت، فيما تحتاج المؤسسة إلى تسريع إعادة تأهيل المبنى، مع ما يحمله ذلك من إعادة إطلاق أعمالها بشكل سليم”. واستغربت المصادر “سرعة وقف المناقصة قبل وقت قليل من فتح العروض، والوصول إلى خلاصة إعادة إطلاقها بدل التوصية بإعادة إشراك الشركات المستبعدة، كسباً للوقت ما دام استبعادها لم يكن صحيحاً، وفق ما تبين”.
ولفتت المصادر إلى أنّ أحد أبرز الشوائب المذكورة “هي ليست كذلك، إذ إنّ إحدى الشركات المعترضة على استبعادها من المناقصة، لا تملك الخبرة الكافية في تنفيذ مبانٍ من 23 طابقاً على غرار مبنى المؤسسة، وبالتالي حتى لو تمّت إعادة المناقصة واشتركت تلك الشركة فيها مرّة جديدة، فإنّ شرط تنفيذها لمبانٍ بهذه الضخامة، غير متوافر”.
كما أنّ هناك إشكالية تتعلق بـ”عدم إدراج أحد مستندات شركة معينة، من المعترضين على المناقصة، ضمن العرضين الإداري والفنّي، في حين أنّ هذا المستند يتحدّث عن قدرة الشركة على تنفيذ نسبة مئوية معيّنة من مشروع التأهيل. وهذا الأمر يُقوَّم ضمن العرض المالي، لا العرضين الإداري والفنّي. ولذلك، لا يمكن القول إن عدم إدراج المستند يقع ضمن الشوائب”.
بدوره، أوضح خميس أنّ “قرار إعادة إدخال الشركات المستبعدة إلى المناقصة، سيؤدّي إلى اعتراض الشركات المقبولة، والتي ترى أنّها استوفت الشروط على عكس الشركات الأخرى، وقد تلجأ إلى الطعن بقرار الديوان”. ولذلك، كما أكد خميس لـ”المدن”، إنّ إعادة المناقصة هو الخيار الأنسب “لأنّه يتضمّن إعادة وضع دفتر شروط واضح. وبالتالي، فلتُعِد كل الشركات التي ترى نفسها مؤهّلة، تقديم طلباتها والاشتراك بالمناقصة”. واعتبر مدّعي عام الديوان أنّ “على المؤسسة أن تشتغل شغلها بشكل صحيح”. ولفت إلى أنّ قرار الديوان “ملزم للمؤسسة، ولو صدر بصيغة توصية، لأنّ الديوان عادةً لا يعطي أوامر. وعدم الالتزام بالتوصية يؤدّي إلى ملاحقة المؤسسة إذا أصرَّت على الخطأ”.
على أنّ المؤسسة قابَلَت توصية الديوان بإيجابية، فأوضح مكتبها الإعلامي، في حديث إلى”المدن”، أنّها “تبلّغت توصية الديوان التي ستُعرَض على الإدارة في أقرب جلسة ممكنة، ليُتَّخَذ القرار المناسب”. وأوضح أنّ “اتخاذ قرار بتقديم دفتر شروط جديد ليس بهذه السهولة، لكن إذا كان قرار الإدارة هو السير بتوصية الديوان، فسيصار إلى تعديل دفتر الشروط والحصول على موافقة رئيس هيئة الشراء العام جان العلية والحصول على توقيعه”.
التخبّط مستمر، ومن غير المُبَرَّر وضع دفاتر شروط غير واضحة لإجراء مناقصة تحتاج إليها المؤسسة في شدّة. ولأنّ الأمور بخواتيمها، ينتظر الديوان وهيئة الشراء العام قرار إدارة مؤسسة كهرباء لبنان. فإمّا رسم مسار نهائي لمناقصة جديدة، وإما أن تكون المرّة الثالثة غير ثابتة.



