يدفع الارتباك الكبير في سوق الغاز العالمي أهم المنتجين إلى استغلال الوضع من أجل تحصيل المزيد من العائدات، خاصة في ظل التوقعات التي تشير إلى أن آفاق القطاع لن تطرأ عليها أي تغييرات مع ترجيح استمرار نقص في الإمدادات. وبشكل مفاجئ ارتفعت الأسعار هذا العام مع تخفيف قيود الإغلاق الاقتصادي وارتفاع الطلب في آسيا، ما أدى إلى انخفاض الإمدادات المتجهة إلى أوروبا، وهو ما تسبب في موجات من الصدمات بالنسبة إلى القطاعات التي تعتمد على الطاقة.
ولا تزال مخزونات الغاز شحيحة للغاية في أوروبا وآسيا واللتين تمثلان معا قرابة 94 في المئة من الواردات العالمية للغاز الطبيعي المسال وما يربو على ثلث الاستهلاك العالمي. وتؤكد المؤشرات أن معظم المنتجين الرئيسيين يعملون بكامل طاقتهم أو قريبا منها، وقد خصصوا غالبية شحناتهم لزبائن محددين مما يترك فرصة ضئيلة لإصلاح الوضع في الأجل القصير.
وفي ضوء الطفرة الحالية للطلب، تعمل قطر للطاقة، أحد أكبر منتجي الغاز في العالم، على زيادة الضغط على منافسيها ذوي التكاليف المرتفعة، عبر خطط ستعزز الإمدادات وربما تدفع الأسعار إلى المزيد من الانخفاض على الأقل بشكل أفضل مما عليه اليوم.
وبينما يحقق منافسوها عوائد تبدو مجزية بسبب ارتفاع الأسعار، تعمل الشركة المملوكة للدوحة على دعم أسطول ناقلات شحن الغاز، لكي تستطيع تصريف أكبر ما يمكن من الغاز الذي ستنتجه في ظل النقص الحاد الذي تعاني منه أجزاء كثيرة من العالم.
وقدمت قطر للطاقة الأحد طلبية للحصول على سفن جديدة لنقل الغاز لدى أحواض بناء السفن في كوريا الجنوبية، وهي طلبية تأتي بعد وقت وجيز من طلبية من الصين هي الأولى من نوعها للشركة. وتشمل الطلبات الجديدة 4 ناقلات من شركة دايو لبناء السفن والهندسة البحرية وناقلتين من شركة سامسونغ للصناعات الثقيلة، وذلك كجزء من برنامجها لبناء السفن من أجل تلبية متطلباتها المستقبلية لشحن الغاز.
ونسبت وكالة الأنباء القطرية الرسمية إلى سعد الكعبي، وزير الطاقة العضو المنتدب والرئيس التنفيذي لقطر للطاقة قوله “تشكل هذه الطلبات جزءا هاما من برنامجنا لتعزيز الأسطول لتلبية احتياجات مشاريعنا التوسعية ومتطلبات استبدال سفن أسطولنا الحالي، وكذلك متطلبات ذراعنا التجارية لتسويق الغاز الطبيعي المسال”.
وكانت الشركتان الكوريتان قد قامتا في السابق ببناء 23 ناقلة غاز من طراز كيو-فليكس و14 ناقلة من طراز كيو-ماكس لصالح قطر ضمن المشاريع السابقة لتوسعة الغاز الطبيعي المسال. وطلبت الشركة القطرية الشهر الماضي شراء أربع ناقلات غاز طبيعي مسال من هوانغ شينغوا غروب لبناء السفن، وهي شركة تابعة لشركة تشاينا ستيت غروب لبناء السفن تزيد قيمتها عن 762 مليون دولار.
وتتمتع قطر بثالث أكبر احتياطي مؤكد من الغاز الطبيعي المسال على مستوى العالم بعد كل من روسيا وإيران، وصادراتها السنوية تعدّ الثانية في العالم من حيث الحجم، وتقدر بأكثر من 123 مليار متر مكعب. وتشير التقديرات الرسمية إلى أن احتياطي البلد الخليجي الصغير من الغاز يبلغ 25 تريليون متر مكعب، 14 في المئة من إجمالي تلك الاحتياطيات تبدو مؤكدة. وتملك قطر، صاحبة التكلفة الأقل لإنتاج الغاز المسال، أكبر حقل غاز في العالم، وهو حقل مشترك مع إيران، وشجعت شروطها الميسّرة شركات كبرى مثل إكسون موبيل ورويال داتش شل على استثمار عشرات المليارات من الدولارات في السابق. ولذلك تسعى حاليا إلى زيادة إنتاج الغاز إلى 127 مليون طن سنويا بحلول العام 2027 من 77 مليون طن في الوقت الحالي وعقد المزيد من الصفقات.
وأفادت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية الجمعة الماضي بأن الحكومة البريطانية تواصلت مع قطر في مسعى للتوصل إلى صفقة غاز طويلة المدى وزيادة الإمدادات، إذ يؤدى عجز في الغاز الطبيعي بأوروبا إلى ارتفاع أسعار البيع بالجملة. وارتفعت أسعار الغاز بنحو 280 في المئة في أوروبا منذ بداية هذا العام وبأكثر من مئة في المئة في الولايات المتحدة بسبب مجموعة من العوامل منها انخفاض مستويات التخزين وأسعار الكربون وانخفاض الإمدادات الروسية.
ويرجع خبراء الصناعة أن تشهد الأسعار بشكل عام ارتفاعا مطردا في نهاية 2021، إذ ستتراوح ما بين 450 و480 دولارا لكل ألف متر مكعب في آسيا، مقابل ما بين 350 و400 دولار لكل ألف متر مكعب في أوروبا. ووفقا للاتحاد الدولي للغاز، من المتوقع توافر 8.9 مليون طن سنويا فقط من إجمالي 139.1 مليون طن سنويا من طاقة التسييل الجديدة المزمعة في 2021.
وتأخرت السعة الإضافية بسبب قيود التنقلات الرامية للحدّ من انتشار الوباء، الذي عطل أعمال البناء والصيانة في عدة مواقع رئيسية بما في ذلك إندونيسيا وروسيا خلال العام الماضي. وأظهرت بيانات رفينيتيف أنه منذ بداية هذا العام، تم تحميل 288.1 مليون طن من الغاز للتصدير عالميا بزيادة 7 في المئة فقط بمقارنة سنوية. والشهر الماضي، توقَّع محللو مورغان ستانلي للأبحاث الاستثمارية الأميركية أن يرتفع الطلب على الغاز بنسبة 25 إلى 50 في المئة بحلول 2030، مما يجعله أسرع المحروقات نموا خلال العقد المقبل.
ووفق وكالة رويترز رفعت مورغان ستانلي توقعاتها لأسعار الغاز على المدى الطويل إلى 10 دولارات لكل مليون متر وحدة حرارية بريطانية. ويقول محللو ستانلي إن هناك حاجة إلى إنتاج 73 مليون طن على الأقل سنويا من المشاريع الجديدة لتلبية الطلب بنهاية العقد الحالي، وسيتطلب هذا 65 مليار دولار إضافية من المشاريع الجديدة، إضافة إلى 200 مليار دولار من المشاريع قيد الإنشاء.