طارت “Total” من البحر، فحطّت “Schlumberger” برّاً عن طريق بند مُنزل في جدول اعمال جلسة مجلس الوزراء أمس الأول، بعد طلب وزارة الطاقة وضع دراسة لتقدير ثروة الهيدروكاربون المحتملة في البر كما وفي المياه الإقليمية.
هكذا أعاد مجلس الوزراء الحالي احياء مناقصة “Schlumberger “التي اجرتها المديرية العامة للنفط، بعدما جرى تنويم الملف في أدراج ديوان المحاسبة لاكثر من 3 أعوام رغم فوز الشركة العالمية جراء تقديمها السعر الادنى، وذلك بسبب المناكفات التي مارستها “بعض” الأحزاب الممثلة في الديوان كما وفي هيئة إدارة قطاع البترول.
رفض “Schlumberger” بحسب مصدر متابع غير مبرَّر تقنياً، وهو ما دفع بمجلس الوزراء لاتخاذ قراره خلافاً لتوصيات ديوان المحاسبة، لاعتبار ان بوسع الشركة العالمية تحليل البيانات الجيولوجية ووصل داتا البرّ بالبحر، وكلّ ذلك بانتظار التقرير الرسمي حول البلوك رقم 4 والذي من المرتقب ان ترسله “Total” الفرنسية الى الدولة اللبنانية قريباً.
عن الموضوع، توضح مديرة معهد حوكمة الموارد الطبيعية في الشرق الاوسط وشمال افريقيا لوري هايتيان ان “القضية كما نُقلت في مرسوم مجلس الوزراء غير واضحة لا بل ملتبسة اذ لم يتم تفسير ماذا سيكون دور “Schlumberger”. فهل ستقوم الشركة باجراء مسح كامل للبرّ؟ وهل ستُعاد عملية مسح المياه الاقليمية؟ في التوقيت، لسنا بحاجة لهدر 650 ألف دولار على دراسة غير واضحة الاهداف في وقت لا نملك فيه الا تقديرات “Neos” غير المكتملة، والتي أجريت منذ نحو 5 سنوات على امتداد 6000 كلم2. في الواقع، لا يمكن تفسير توقيت هذا القرار الحكوميّ الا من خلال اعتبار تحاليل “Total” غير دقيقة وهو ما يندرج اولاً في اطار “تهشيل” الشركة الفرنسية وثانياً ضمن تضارب الصلاحيات بين المديرية العامة للنفط وهيئة ادارة قطاع البترول، وكلّ ذلك قبل البتّ في قانون التنقيب عن النفط براً”.
معركةٌ نفطية مشرقية تحتّم التوجه براً نظراً للخبرة التي يزخر بها كل من سوريا والعراق ومعهما الصين في هذا المجال. لذا فان هدف مجلس الوزراء الظاهر من ادخال “Schlumberger” العالمية الى تجاذبات اللعبة المحلية هو اجراء تحليل بياني على البرّ اللبناني وتقييم مخزون المكامن النفطية، بالإضافة الى تطوير الحقول. لكن في الحقيقة، من شأن هذا القرار ان يخلط أوراق الاستراتيجية النفطية في المنطقة ككلّ. كما وان يتسبب في معركة تُدخل شركات مشرقية على الساحة الداخلية المكتظة اصلاً بعرض عراقيّ مبهم وآخر ايرانيّ مثير للريبة وكلّ ذلك في ظلّ هيمنة روسية في طرابلس وسوريا. يبغي الكرملين السيطرة على اكبر عدد ممكن من الحقول النفطية المرتبطة بسوريا جغرافياً. ورغم المطامع الدولية، وهي كثيرة، يضمن الوجود الروسي استقراراً حدودياً على الرقعة البرية النفطية المتداخلة بين لبنان وسوريا تحديداً، بعد استكشاف مكامن غازية متاخمة للحدود اللبنانية السورية في جرود عرسال والقاع.
قد تكون إعادة بعث “Schlumberger” مبايعة الولايات المتحدة الأميركية ومسايرتها بعد صدور قانون “قيصر”، خصوصاً وان روسيا المتوغّلة اصلاً في لبنان عبر “Novatec” بعمليات التنقيب بحراً، والملتزمة إصلاح واستثمار وتخزين خزانات منشآت النفط في طرابلس والزهراني عبر “Rosneft” كانت قد أخذت على عاتقها حلّ معضلة ترسيم الحدود بين لبنان وسوريا، بعيد اعلان لبنان عن فتح دورة تراخيص ثانية لتلزيم البلوكَين 1و2 والمتاخمَين للحدود اللبنانية – السورية. ما أضعف موقف واشنطن التي عجزت عن إنهاء مسألة الترسيم البحري بين لبنان وإسرائيل على رغم جهود مساعد وزير خارجيتها للشؤون السياسية ديفيد هيل. وفي خضمّ كلّ هذه الزحمة النفطية في المنطقة، لم تحسم الخارجية السورية مسألة الترسيم، اما لبنان فيبدو انه يتجرّع الاستعجال في المسائل النفطية بعيد زيارة الوفد العراقي، غير آبه بـ “إغضاب” شركة “توتال” وربما لدفعها إلى الانسحاب من المعادلة الائتلافية مع “ENI” و”Novatec”.