تهريب المحروقات من لبنان إلى سوريا يتراجع و”لا يتوقف”

حتى أيام قليلة فقط، قامت شركات استيراد المحروقات في لبنان، بجدولة كمياتها المشحونة من الخارج، على قياس زيادة طلب بارزة في السوق، بدا واضحاً أن تصريفها أكبر من قدرة استيعاب السوق اللبناني الداخلي. لم تكن تلك محاولة إستباقية لتخزين المادة، خصوصاً أن لا عوائق مالية أو أمنية تعيق تدفق الكميات بشكل طبيعي ومتواصل يؤمن توزيعها بعدالة على كافة المناطق اللبنانية. إنما جاء رفع هذه الكميات مرتبطاً بشكل مباشر بحاجات السوق الموازية التي فتحها تجار المعابر غير الشرعية على الأراضي السورية، فأمنت هذه الكميات “المهربة” حاجات سوريا المتفاقمة للمادة، من دون أن تُحرم الخزينة اللبنانية من وارداتها المحقة، ولا سيما عبر الرسوم الجمركية ورسم ضريبة القيمة المضافة.

التهريب ينشط ويهدأ
تلك الحركة الإستثنائية في تجارة المحروقات عبر الحدود، يبدو أنها عادت وتفرملت إلى حد كبير بدءاً من مطلع شهر شباط الجاري، “ليعود الطلب إلى معدلاته المعتادة” وفقاً لما يقوله رئيس تجمع الشركات المستوردة للنفط مارون الشماس لـ”المدن”.

ستة إلى تسعة ملايين ليتر هي الحاجة اليومية للسوق اللبناني، والهامش الكبير بين الرقمين، يرتبط بمواسم ومناسبات معينة، ومن بينها موسم الاصطياف، الذي يزيد الطلب على أنواع المحروقات كافة ولا سيما البنزين. فيما قدرت الكميات الإضافية التي ضختها شركات المحروقات في السوق، نحو أربعة ملايين ليتر يومياً، وهذا ما يزيد بمعدل 50 في المئة عن حاجة السوق المحلية اليومية، مما يجعل شماس متأكداً بأنها استخدمت في تلبية حاجة السوق السورية لكميات المحروقات.

لا يمكن حصر زيادة الطلب على كميات المحروقات بمرحلة سقوط النظام السوري. بل بقيت حركة انتقال المحروقات إلى سوريا طيلة الفترة الماضية تخفت وتنشط طبقاً للإجراءات الحدودية المتخذة، وإنما من دون أن تتوقف ولو ليوم واحد. إلا أن الكميات التي أرسلت إلى سوريا بلغت ذروتها ما بعد سقوط نظام بشار الأسد، بالتزامن مع “قبة الباط” التي شهدتها سوريا بشأن تطبيق قرارات العقوبات الدولية على اقتصادها.

وفقاً لشماس فإن “شركات استيراد المحروقات ليس لديها صلاحية تحديد أو ضبط الكميات التي تقوم بتسليمها للمحطات، بل هي تسلم كل كمية تُطلب، كي لا تتهم بتجفيف السوق أو حرمانه من حاجته. حتى لو كنا نعلم بأن الكميات المطلوبة فائضة على حاجة السوق”.

ومن هنا يؤكد شماس أن الجميع كان على علم بأن ارتفاع الطلب في المرحلة الماضية، اقترن بزيادة الطلب في سوريا. ولذلك بقي همنا الأساسي كشركات استيراد أن نؤمن حاجة الأسواق المحلية بشكل مستقر. مشدداً على الدور الذي لعبته الشركات المستوردة في تأمين التوازن التام في السوق اللبناني، من خلال رفع كميات الإستيراد، “فلم نلمس إختفاءاً للمادة في أي ناحية من نواحي لبنان”.

لا أثر سلبي
ويشرح “الشماس” بأن بيع المحروقات إلى سوريا، حتى لو كان يتم عبر طرق غير شرعية، لا يحمل أي أثر اقتصادي سلبي على لبنان، خصوصاً أن المادة لم تعد مدعومة. وبالتالي يتسلم التجار البضاعة بسعرها المحدد، ويسددون ضريبة القيمة المضافة التي تذهب إلى الخزينة، والتي تصل قيمتها إلى 1.8دولار عن كل صفيحة بنزين مثلا.

كما يؤكد شماس أن لا استنزاف لكميات الدولارات المتوفرة في لبنان جراء هذه التجارة الحدودية، خصوصاً أن الشركات التي تشتري البضاعة بالدولار، تعود وتقبض ثمنها أيضاً بالدولار، وهذا ما يجعل مصدر بعض الدولارات أيضاً تجار سوريون”.

أما الأرباح التي يحققها التجار أنفسهم، فهي خاضعة للعرض والطلب، وبالتالي كلما كان الطلب عال في سوريا كانت أرباحهم أكبر. هذا في وقت يعتبر الشماس أن مخاطر خرق العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، يتحملها التاجر الأخير وليس شركات الإستيراد التي ليس لديها قنوات لبيع المادة مباشرة في سوريا ولا بأي شكل من الأشكال.

إلا أنه خلافاً لكل التوقعات تراجع الطلب على كميات المحروقات من شركات التصدير مجدداً منذ آخر أسبوع من شهر كانون الثاني كما يؤكد الشماس.

ضوابط منع التهريب
وأعادت مصادر تجار المحروقات سبب التراجع في حركة بيع المحروقات عبر المعابر غير الشرعية، إلى تشدد الجيش اللبناني لمنع عمليات التهريب. إلا أنه بدا واضحاً أيضاً أثر الأحداث التي شهدتها المعابر الحدودية بين تجار المعابر. إذ تتحدث مصادر عن ربط وقف نشاط المهربين اللبنانيين في إمداد الجانب السوري بكميات المحروقات، بتراجع نفوذ حلفاء حزب الله على الجانب السوري من الحدود، هذا الأمر الذي خلق توترات عديدة بين تجار الحدود من الطرفين والذي بلغ ذروته في اليومين الماضيين، الأمر الذي سهل مهمة الجيش اللبناني، ليباشر باتخاذ إجراءات رادعة لعمليات التهريب على أنواعها.

أتى انكماش دور المحروقات الواصلة إلى سوريا من لبنان في التقليل من أثر العقوبات الاقتصادية المفروضة على سوريا، بظل انفتاح دول مجاورة لها أيضاً على تأمين حاجتها، ومن بينها تركيا والأردن وفقاً لما يؤكده متابعون. علماً أن تأمين حاجات سوريا من هذين البلدين تتم عبر المعابر الشرعية، خلافاً للبنان، الذي لم يقدم على المستوى الرسمي على أي خطة مشابهة، ليس فقط بسبب تجنب تداعيات فتح باب التبادل الاقتصادي مع سوريا بظل إستمرار عقوبات قيصر، وإنما أيضاً بسبب بطء السلطة السياسية حتى الآن في تنظيم علاقاتها المتنوعة، ومن بينها العلاقات التجارية مع سوريا، بإنتظار إكتمال تشكيل الحكومة اللبنانية التي ستكون إستعادة العلاقة الرسمية مع سوريا جزءا من مهماتها.

هذا في وقت يرى الشماس فرصة لشرعنة الواقع القائم عبر تصدير المحروقات إلى سوريا عبر الحدود الشرعية متى رفع الحظر الاقتصادي عنها. مشيراً إلى أن مسألة التهريب مرتبطة بالعرض والطلب، وبالتالي كلما تأمنت لسوريا قنوات وصول المحروقات من سائر البلدان، كلما تراجعت وتيرة تهريبها من لبنان.

مصدرالمدن - لوسي بارسخيان
المادة السابقةجمعية شركات الضمان ترفض زيادة مجزأة ستنعكس سلبا على المؤَمَنين… ميرزا :اجتماع لبحث اقتراح نقابة المستشفيات