تحولت الشركة اللبنانية لتطوير وإعادة إعمار وسط بيروت سوليدير، من شركة مساهمة تترنح بالديون عشية ليل الأزمة، إلى ملجأ للودائع الهاربة في ضحاها. مصائب المودعين بادراكهم حتمية فقدانهم أكثر من 80 في المئة من قيمة مدخراتهم، كانت عند “سوليدير” فوائد. حيث سددت الشركة الجزء الاكبر من ديونها، وارتفعت قيمة سهميها (أ) و(ب) بين العام 2019 وأيار 2022 بنسبة 1300 في المئة نتيجة إمكانية شراء الاسهم باللولار. بيد أن القشة التي أتيحت للمودعين التعلق بها، أثقلت، فهل تصمد أمام العودة المنتظرة إلى الاقتصاد الحقيقي؟!
أرخت بشائر الازمة الاقتصادية، التي كانت قد بدأت تطل برأسها في العام 2011، بثقلها فوق القطاع العقاري عامة و»سوليدير» خاصة. أسهم الشركة المدرجة في بورصة بيروت بدأت بالتراجع، متأثرة بانهيار الطلب مع استمرار إقفال وسط العاصمة التجاري، وهجرة المؤسسات والشركات، وتخريب الابنية والممتلكات. وقد عمد المساهمون الى التخلص مما يحملونه من سندات وأسهم لبنانية بشكل عام، ومنها ما يعود لـ»سوليدير» بشكل خاص. فانخفض سعر سهم الشركة من حدود 25 دولاراً في العام 2009 إلى 5 دولارات بين العامي 2018 و2019. إلا أنه مع إدراك المودعين بعد العام 2020 بعدم إمكانية الهروب من «مقصلة» الـهيركات كيفما أتت خطط التعافي، ومحاولاتهم تهريب ودائعهم بأي ثمن، تحسن سهما الشركة وارتفعا إلى حدود 9 دولارات. إلا أن التحول النوعي لم يظهر إلا بعد آذار 2021، حين سيّل المطورون العقاريون محفظتهم العقارية، وأحجموا عن قبول الشيكات المصرفية أو الحوالات، أي الدفع باللولار والاموال المحتجزة. فلم يعد في «الميدان» غير سهم سوليدير، فزاد الطلب وتدرجت قيمة السهم صعوداً من 25 دولاراً، حتى وصل في مطلع أيار الفائت إلى حدود 65 دولاراً للسهم الواحد.
الطلب ليس طبيعياً
زيادة البيوعات العقارية وإطفاء سوليدير ديونها ساهما بارتفاع الطلب على سهميها. في المقابل فان الطلب الهائل ليس طبيعياً، بل هو دليل يأس وإحباط ناتج عن فقدان الامل باسترجاع الودائع. وهو ما فتح الباب على سؤال جوهري إن كان المودعون قد هربوا من تحت «دلفة» تطيير الودائع في المصارف، إلى تحت «مزراب» فقاعة العقارات في سوق الاسهم والسندات! علمياً، يعتبر الرقم الذي وصل إليه سهما سوليدير «وهمياً وغير حقيقي»، بحسب الاقتصادي والخبير في أسواق البورصة والمال شادي حنّا. و»هو يعبّر عن سعر السهم باللولار وليس بالدولار النقدي. ولمعرفة قيمة السهم الحقيقية يجب ضرب القيمة الوهمية المحددة للسهم اليوم بـ 65 دولاراً، بسعر الخصم لشيكات الدولار الذي يبلغ 13 في المئة. فتكون النتجية ان قيمة السهم الحقيقية هي بحدود 8.4 دولارات (فريش).
ومع هذا فان المعادلة لا تُبطل إمكانية استمرار سهم سوليدير بالارتفاع أكثر. إذ كلما ارتفعت معدلات الخصم على شيكات الدولار بالتوازي مع ارتفاع سعر الصرف الحقيقي في السوق الموازية قبل ظهور الحل للأزمة، «كلما زاد الرقم لسهم سوليدير»، يقول حنّا، ويشدد على كلمة «الرقم» وليس السعر. فـ»اذا أصبح الشيك المصرفي بالدولار يباع على سبيل المثال بـ 10 في المئة من قيمته، فسيرتفع رقم السهم الظاهر على الشاشة أكثر. وذلك بسبب زيادة الطلب عليه من قبل حملة «اللولار». ومن الممكن أن يصل السهم إلى 70 أو 85 دولاراً أو حتى أكثر.
العودة إلى الحجم الطبيعي
مثله مثل مختلف السلع والخدمات فان تسعيرة سهم «سوليدير» كبيرة لانها باللولار. ولكن عند توحيد سعر الصرف ونجاح المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والبدء فعلياً بتطبيق بنود خطة التعافي، فان سعر السهم سيعود ليأخذ حجمه الحقيقي. أما أكبر المستفيدين من ارتفاع رقم سهم سوليدير فهم المضاربون الذين اشتروا باللولار، وعمدوا إلى البيع بالدولار النقدي عندما وصل السعر إلى حده الاقصى، ولو بقيم نقدية أدنى بقليل من سعر السهم. فؤلاء «كيشوا» أموالهم، أي استردوها نقداً وعوضوا جزءاً من خسائرهم، واستطاعوا أن يهربوا من حدّي الاقتطاع في المصارف وهبوط القيمة في السوق الحقيقية»، من وجهة نظر حنا. «أما الذين يدخلون السوق بنية الاستثمار على المدى الطويل فان استفادتهم ستكون محدودة. لان السعر سيعود إلى أخذ قيمته الطبيعية».
الرهان على الاستقرار
ولكن في المقابل فان سهم شركة «سوليدير»، التي تمتد على مساحة 1,9 مليون متر مربع، منها حوالى 700 ألف متر مربع من الأراضي المستحدثة على البحر، معرض للارتفاع في مرحلة النمو. خصوصاً مع ندرة الاراضي على الواجهة البحرية ومحدوديتها وجهوزيتها للاستثمارات الفخمة، سواء كان في الأبنية السكنية أو المنتجعات السياحية والفنادق وخلافه. وعليه فان «حمل الاسهم لشركة لديها مستقبل، قد يكون أضمن بما لا يقاس من ترك الاموال فريسة لـ»الهيركات» ومخططات شطب الودائع وتحميل المودعين الثمن الاكبر من الازمة»، بحسب مصادر قريبة من «سوليدير». وهذا التحليل يرتكز على النقاط الاساسية التالية:
– إن سوليدير سددت كل القروض المصرفية التي تدين بها، وارتفعت سيولتها بالدولار النقدي.
– وضع الشركة متين، فهي تملك عقارات في أهم منطقة في لبنان.
– أعطيت «سوليدير» الحق بتشييد 4200 متر مبني، قسم منه طورته الشركة كالأبنية الحكومية، الكنائس والجوامع، ومجمعات سكنية مثل «الصيفي فيلدج»، ومقرات دولية مثل «الاسكوا»، وحدائق عامة وبنى تحتية متطورة. أما القسم الآخر فهو خاضع للتطوير وينتظر المستثمرين. ومن المتوقع أن تشهد هذه المنطقة الراقية والمهمة والفريدة طلباً كبيراً في حال عودة الاستقرارين الاقتصادي والسياسي، ولا سيما في ما يتعلق بالواجهة البحرية.
– المودعون أخذوا في الاعتبار أنه حتى مع انخفاض قيمة الاسهم، فان الجزء المحفوظ من المدخرات في أسهم الشركة سيبقى أكبر، وقيمته مرشحة للازدياد وليس النقصان. وبالتالي وبدلاً من تبخر الوديعة بنسبة 80 أو 90 في المئة قد تفقد نسبة 50 أو 40 في المئة ويكونون قد تجنبوا خسارة الجزء الاكبر منها.
الطلب الكبير على أسهم شركة «سوليدير» لم يقابله طلب مماثل على أسهم الشركات (القليلة جداً) المدرجة في بورصة بيروت. فعدا عن اسهم بعض المصارف التي يهرب منها المودعون، طالما باستطاعتهم ذلك، فان «آلية التسعير التي تعود لاسهم الشركات المتبقية غير واضحة، فيصار إلى تجنبها لعدم معرفة المستثمرين قيمتها الحقيقية»، بحسب شادي حنّا. فيما شهد السوق في المقابل ارتفاع أسهم الشركات والمؤسسات غير المدرجة في البورصة والمعروفة بـ» over the counter «، والتي يجري تداولها بتنازل عند الكاتب العدل. والتبادل يتم بالدفع النقدي والقيم الحقيقية للعملة.
إهمال السياسات المالية والنقدية لعقود طويلة، عدم تطوير البورصة والعمل على إدراج الشركات المساهمة فيها، ندفع ثمنه اليوم. فعدا عن إمكانية تشكيلها مخزناً للقيمة ولا سيما في مرحلة التعافي وعودة النمو والازدهار، فان الاتكال على المصارف في المرحلة السابقة حرم الاقتصاد والمؤسسات فرص تمويل جدية في أوقات توقف الاقراض. وهذه من جملة الاخطاء التي تحتاج إلى المعالجة في المرحلة المقبلة.