من عثرة تضخيم أرقام خسائر المصارف ومصرف لبنان، الى عثرة الرجوع فجأة عن الأرقام وبفارق كبير… تستمر حكومة «التكنوقراط» في مسيرتها بكل ما أدّت إليه اختلافات الأرقام من أضرار، سواء على سمعة لبنان لدى صندوق النقد والمؤسسات والأسواق الدولية أم على الثقة العامة التي كان من بين أسباب تراجعها، اعلان الخطة الحكومية عن خسائر ضخمة لدى القطاع المصرفي ساعدت في حشود الطلب على سحب الودائع وعلى ضخ كم كبير مقابلها من الليرات بما زاد معدلات التضخم وساهم في جنون الدولار وارتفاع الأسعار.
يضاف أنه مع خفض الخسائر من ٢٤٠ ألف مليار ليرة أرقام الخطة الحكومية الأصلية الى ٨٠ ألف مليار ليرة الأرقام النهائية للجنة تقصي الحقائق المنبثقة عن لجنة المال والموازنة النيابية – أي بفارق ١٦٠ ألف مليار ليرة!!!- لم يتضح فقط الأسلوب الارتجالي الذي اعتمدته الحكومة «وانما خمدت أيضا الآمال التي علقها اللبنانيون على كفاءات علمية وتقنية وادارية لدى حكومة اختصاصيين، شطبت من حسابات الدولة خسائر نقلتها الى حسابات المصارف، كي تحصل عبر هذا «التنظيف الخارجي» على «براءة ذمة» تمكنها من ملء الفجوة النقدية المقدرة لديها بـ٢٨ مليار دولار تسعى للحصول عليها على مدى ٤ الى ٥ سنوات منها: ١٠ مليارات دولار من صندوق النقد الدولي و١١ مليارا من مؤتمر «سيدر» و١٠ مليارت من الأسواق الدولية والصناديق العربية.
فيما العديد من الأسئلة تبقى بلا جواب ومنها: هل كان صندوق النقد الدولي بالفعل ينتظر أرقاما مضخمة أم مخففة عن لبنان الذي يعرف عنه أكثر مما يخفي أو يصرح به وزراء لبنانيون أو مستشارون ماليون، كي يقرر في ضوء هذه الأرقام المتغيرة خلال فترة وجيزة، حجم القرض الذي قد يقدمه للبنان والشروط التي سيفرضها في ظروف سياسية محلية واقليمية لا تحسمها فقط أرقام خيالية أم واقعية؟
ثم انه مع نقل أعباء الأرقام المضخمة بأرقام مخففة الأعباء التي كانت قد وضعتها الحكومة على عاتق المصارف (ومصرف لبنان) والتي حسب خطة الحكومة كانت ستؤدي الى شطب رساميل المصارف وتصفية جزء كبير من موجودات البنك المركزي وسط مساءلة عالية النبرة من قبل رئيس الحكومة لحاكم مصرف لبنان… كيف ستسير العلاقة بعد الآن بين الحكومة والمصارف ومصرف لبنان؟ وما مصير اعادة هيكلة القطاع بالدمج وعبر انشاء ٥ مصارف كبرى كما في خطة الحكومة؟ وكيف؟ وبأي ثمن على المال العام وعلى مستقبل القطاع المصرفي الذي التقط بالأرقام المخفضة الجديدة انفاسه من جديد على أمل الخروج من غرفة انعاش في بيئة اقتصادية تحتاج الى تصحيح وسياسية تحتاج الى اصلاح.
مصارف لبنان وعدد السكان
من المؤشرات العالية لحجم القطاع المصرفي في لبنان بين مصارف الدول من خارج مجلس التعاون الخليجي، ان حجم القطاع اللبناني حل في العام ٢٠٢٠ مباشرة بعد حجم القطاع المصرفي في مصر الذي بلغت موجوداته 368,842 مليار دولار من ضمنها ودائع 267,762 مليار دولار مقابل 216,781 مليار دولار موجودات مصارف لبنان من ضمنها ودائع 158,575 مليار دولار. ورساميل مصارف مصر بلغت 25,772 مليار دولار مقابل 20,977 مليار دولار رساميل مصارف لبنان. وهذه الفوارق ليست كبيرة اذا أخذنا بالاعتبار عدد السكان في مصر أكثر من ١٠٠ مليون نسمة في مصر مقابل حوالي ٥ ملايين نسمة في لبنان.