ثلاثة مؤشّرات مقلقة: على المودعين التمسّك بقضيّتهم

أنهَت المصارف علاقتها التعاقدية مع الكثير من المودعين بطريقة مجحفة، بعد تجفيفها قيمة الودائع، ودفعتها بالتقسيط وبأسعار لا تتناسب مع قيمتها الحقيقية. وبقيت قضية المودعين تتنقَّل بين المصارف ومصرف لبنان والسلطة السياسية، بحثاً عن حلٍّ تختلف النظرة إليه حسب مصلحة كل طرف. على أن عدم استعجال المصارف لقبول أي حلٍّ تدفع فيه حصّة من المسؤولية، عَقَّدَ الأمور أكثر. كما أن البحث عن اسم مناسب لرئاسة الجمهورية وانتظار نهاية ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وما يمكن كشفه من أوراقٍ متعلّقة بالمصرف المركزي والمصارف التجارية، عَلَّقَ قضية المودعين في الهواء بانتظار التسويات الكبرى. ومن هنا، على المودعين انتهاج طريق يُبقي قضيّتهم عصيّة على الذوبان في التسويات، وتحديداً في نَظَر المجتمع الدولي.

ثلاثة محطّات بارزة

تحوَّلَت تحركات المودعين أمام المصارف والقضاء إلى ما يشبه التحركات الرمزية، بهدف إثبات الوجود لا أكثر. وليس ذلك انتقاصاً من جهدٍ مبذول على مدى 3 سنوات تخلّله استنزاف للطاقات بفعل الأزمة الاقتصادية المستمرة، بل هو توصيف لما جهدت المصارف والسلطة السياسية للوصول إليه لتمييع هذه القضية. ووقفَ المودعون إثر ما وصلوا إليه، أمام مؤشّرات مقلقة، من ضمنها ثلاثة أساسية.

المؤشر الأول، يتعلّق بالمسار السياسي لحلّ الأزمة، وفي مقدّمته انتخاب رئيس للجمهورية.
وفي هذا السياق، حاوَلَ المودعون مجاراة التطمينات التي أطلقتها القوى السياسية التي رشّحت الوزير السابق جهاد أزعور. فتمحورت التطمينات حول قدرة الرجل على استقطاب رضى المجتمع الدولي ومخاطبته بلغة اقتصادية ومالية، مدعومة بعمله في صندوق النقد الدولي. فرأى المودعون أن أزعور قد يمتلك بعض الأوراق المميَّزة عمّا يمكن أن يحمله غيره الآتي من خلفية سياسية بحتة. وإيجابية النظرة، لم تحجب سلبية عدم تقديم أزعور خطة عمادها بالنسبة للمودعين، كيفية إعادة أموالهم المسلوبة.

أمّا وقد تراجع زخم ترشيح أزعور، من خلال عدم تمسُّك القوى السياسية به، وإيمانها أن الرئيس التسووي هو الأوفر حظّاً، فَقَدَ المودعون ورقةً رئاسية كان يمكن استخدامها لتدعيم موقفهم. ومع ذلك، يصرّ أزعور في لقاءاته الحوارية، على أن إعادة هيكلة القطاع المصرفي وحل مشكلة المودعين، هي أولوية. لكنه لا يقدِّم الآلية العَمَلية لتحقيق ذلك.

المؤشر الثاني، هو ثبات القطاع المصرفي على موقفه الرافض لتحمُّل نتائج الإخلال بعلاقته التعاقدية مع مودعيه. فالمصارف تلقي اللوم على الدولة، وبالتالي تذهب نحو تسييس الحل بعد تسييس أسباب الأزمة. وبانتظار الحل السياسي، مدّدت جمعية المصارف ولاية مجلس إدارتها لسنة واحدة. فلا أحد من الأعضاء يرغب بتحمُّل مسؤولية الوقوف في وجه المودعين بلا إجابات واضحة حول الودائع ومصير القطاع المصرفي. فالإبقاء على الإدارة السابقة يعكس الإبقاء على الوضع القائم كما هو، بانتظار ما ستؤول إليه نتائج التحقيق مع رياض سلامة والهيكلية الإدارية لمصرف لبنان بعد انتهاء ولاية سلامة. والأهم، هو انتظار خطة المركزي للعمل بعد سلامة، لأن المركزي هو “الهيئة الناظمة للمصارف والقادر على إخراج ملفّاتها من يد السياسيين إذا ما أراد تنظيم مسار القطاع المصرفي”، وفق ما تقوله لـ”المدن”، الخبيرة القانونية المتخصصة في الشأن المصرفي، سابين الكيك.

ونيّة الجمعية بـ”الصمود” لحين بروز متغيّرات جديدة لاتخاذ القرار بالتعامل معها، يعني أن على المودعين انتظار قرارات المركزي والمصارف. ولأن المكتوب يُقرأ من عنوانه، فإن التعميم رقم 165 هو عنوان يمكن للمصارف البناء عليه لتأسيس مرحلة جديدة، والقطع مع ملف الودائع السابقة وحلّ تداعياتها على مهل، من دون الإضرار بعملها المستجد بعد أي تسوية آتية تدفع باتجاه تحريك الجمود الاقتصادي.

المؤشّر الثالث هو تطبيع المودعين مع الأزمة. ويبرز ذلك برأي الكيك من خلال “تضاؤل زخم التحركات وتبعثرها وعدم وجود استراتيجية للتحرّك. كما أنها تحركات دفاعية أكثر من كونها هجومية. وهذا أمر طبيعي بعد نتائج الأزمة الاقتصادية على المودعين. كما أن خلفيات المودعين السياسية ليست واحدة وعلاقاتهم مع المصارف ليست واحدة، وهذا ما يُضعِف من قدرة القضية على الجمع تحت مظلة مشتركة”.

محاربة التضليل السياسي

لا يملك المودعون الكثير من الحلول للتمسُّك بها. ولذلك يمكن اعتماد الخيار الأصلب حالياً، وهو “رفض تسييس الملف وانتظار الحل السياسي، وهو ما تروِّج له المصارف لتضليل الرأي العام”. وعليه، تلفت الكيك النظر إلى أن على المودعين الحفاظ على المبادىء العامة القانونية للملف، والتي تتمحور حول طبيعة العلاقة التعاقدية بين المودعين والمصارف. فالطرف الأول أودع أمواله لدى المصارف، وهي ملزَمة بإعادتها. أما مسألة الحفاظ على الأموال في المحفظة وعدم إدخالها في توظيفات ذات مخاطر، فهذا شأن المصارف لا المودعين”.

مع ذلك، فإن الحل السياسي للأزمة العامة ليس مرفوضاً بشكل نهائي، بل هو مسار مطلوب. ومن هنا، أهمية الذهاب نحو المجتمع الدولي وصندوق النقد “بعقلية تشاركية، تتّجه نحو وضع خطة تأخذ بالحسبان خصوصية الأزمة اللبنانية وعلاقة السياسات الداخلية بها، وليس الركون إلى أن الحل النهائي يأتي فقط انطلاقاً من رؤية الصندوق للأزمة والحل”. ولذلك، لا ينبغي النظر إلى أزعور وعمله في الصندوق وخلفيته الاقتصادية، على أنه الحل الجاهز. بل على العكس، إن “تجربة أزعور في وزارة المالية اللبنانية تدل على أنه ابن الرؤية الاقتصادية للطبقة السياسية التي أوصلتنا إلى الأزمة. ولذلك يجب النظر للحل بصورة مختلفة، وهذ ما يجب أن يدركه المودعون والمصارف”.

مصدرالمدن - خضر حسان
المادة السابقةخدمات طبية بالتقسيط ملاذ اللبنانيين لمواجهة شح السيولة
المقالة القادمةالتزوير الأخير في ميزانيّات المركزي: خراب ستدفع ثمنه الأجيال