جديد الهندسات المالية: تحويل الدولار من حلم إلى همّ

زادت المصارف في «رقة» الدفع بالدولار حتى «انفلقت». فمن بعد توقفها اختيارياً في شباط 2020 عن تقطير حقوق 80 في المئة من أصحاب الودائع بنفس عملة الايداع، سابقة بشهرين تعميم «ليلرة» السحوبات الشهير رقم 151، لم تعد ترضى الدفع إلا بالعملة الخضراء، حتى لو كان الحساب بالليرة. هذه الاجراءات التي بدأ تنفيذها، اختيارياً أيضاً، بـ1 شباط 2022 تستأهل التأريخ، فهي ليست كرماً زائداً، ولا رأفة بأصحاب الدخول المحدودة إنما كتحضير لما هو أسوأ.

قبل الدخول في تفاصيل هذه «النصبة» الجديدة التي سيتعرض لها المودعون، فان موظفة «الكاونتر» أوهمت العميل، عن قصد أو عن جهل، بأن هذا الإجراء هو نتيجة تعميم جديد من مصرف لبنان، وهو أمر عار عن الصحة. وبعيداً عن الشكليات التي تطرح علامات استفهام جدية عن كيفية تعاطي واجهة المصارف مع زبائنها، ففي المضمون سيخسر العميل من سحب 5 ملايين ليرة مبلغ 500 ألف ليرة يضاف إلى فقدان الليرة أكثر من 90 في المئة من قيمتها، وهو أمر لا يركب على «قوس قزح». فالمصرف سيعطي المبلغ على أساس سعر منصة صيرفة المحدد من قبله بـ 21500 ليرة فيما سعر الصرف في السوق 19800 ليرة. ما يعني أن العميل سيتقاضى من المصرف 232 دولاراً بدلاً من 5 ملايين ليرة ويصرفها في السوق على سعر 19800 ليرة فيكون قد سحب فعلياً 4.6 ملايين ليرة. والخسارة تزداد كلما زاد المبلغ، فهل من تفسير؟

هذا الإجراء لا ينحصر في بنك بيروت إنما يتعداه إلى الكثير غيره. وهو يطال الشق اللبناني من التعميم 158. حيث تلزم المصارف المستفيدين من 400 دولار على سعر 12 ألف ليرة تقاضي نصف المبلغ بالدولار على سعر صيرفة ووضع النصف الآخر بالبطاقة للمشتريات. السبب الأول لهذه الفوضى هو: «تحول القطاع المصرفي إلى حارة «كل مين إيدو إلو»، والاستنسابية في تطبيق التعميم 161 التي تستفيد من غياب الرقابة، وتحديداً من قبل لجنة الرقابة على المصارف»، برأي خبير المخاطر المصرفية د. محمد فحيلي. فالمصارف قد تكون استغلت التعديل الذي طرأ على التعميم 161 في البيان الاخير لمصرف لبنان، الذي لم يأت على ذكر ترك خيار السحب للمودع بالعملة التي يريد كما أكد التعميم الاساسي 161.

اليوم، «يتكرر السيناريو نفسه. فالمنظومة محشورة بدراسة الموازنة، وقد جرى إسقاط مادتين أساسيتين منها للحفاظ على ديمومتها. الاولى، تتعلق بالدولار الجمركي. والثانية، تعطي صلاحيات استثنائية لوزير المالية. وهنا يأتي دور المنقذ سلامة برأي فحيلي حيث سيستمر في تخفيض سعر الصرف إلى ما دون 20 ألف ليرة بالسوق السوداء، من ثم يصدر تعميماً يخفض فيه سعر الصرف الرسمي من 1500 ليرة إلى 8000 ليرة بسلاسة مطلقة. والسلطة السياسية تعفى من مواجهة هذه الموضوع.

سبب آخر يضيفه المستشار المالي ميشال قزح لتبرير ما يحصل على أرض الواقع. فالمصرف المركزي باع كمية من الدولار على سعر يتراوح بين 30 و33 ألف ليرة، ولمّ في المقابل كتلة نقدية كبيرة بالليرة اللبنانية، وما زال مستمراً في هذه العملية. ذلك مع الاشارة إلى أن كل الكتلة النقدية بالليرة لا تكلف المركزي أكثر من 2 مليار دولار لشرائها كاملة، والانتقال إلى الدولرة الشاملة. ولكن ليس هذا هو الهدف على ما يبدو من وراء ما يجري، إنما «قوننة الهيركات»، برأي قزح. فـ»من خلال إلزام سحب الودائع بالدولار بأقل من 60 في المئة من قيمتها، يعني تهيئة المودعين نفسياً للاقتطاع من حساباتهم 60 في المئة. ومن الجهة الاخرى يساعد تخفيض سعر الصرف في السوق الموازية وعلى منصة صيرفة تمرير الموازنة، وتقوية موقع المفاوضين مع صندوق النقد الدولي. لكن في النهاية كل ما يجري هو تمرير للوقت من حساب المودعين». أمّا في ما خص تقنين السحوبات بالليرة وفرض أخذها بالدولار فيعزوه قزح إلى أسباب قد تكون تقنية إنما غير منطقية. فـ»المصارف تملك سيولة بالليرة وعليها تلبية سحوبات عملائها بحسب السقوف الموضوعة في الأساس».

على الرغم من لمّ كميات كبيرة من الليرات منذ بدء تطبيق التعميم 161 أواسط كانون الأول الماضي، إلا أن الكميات التي ما زالت متوفرة في المصارف أكثر بما لا يقاس. وعدم الدفع بالليرة مقصود من أجل الزام المودعين عامة وأصحاب الرواتب الموطنة خاصة مع بداية هذا الشهر على تقاضي الدولار وتصريفه بسعر أقل في السوق السوداء»، يقول المستشار المالي د. غسان شماس، وبهذه العملية يحقق مصرف لبنان والمصارف هامش ربح من خلال اعادة شراء الدولار من السوق بنسبة أقل بـ10 في المئة. فتنشيف الليرة وإعطاء الدولار على سعر أعلى من سعر السوق السوداء يخفض سعر الصرف من جهة، ويساعد من الجهة الأخرى على شراء الدولار بسعر أرخص. وبهذه العملية يستفيد المركزي ويخسر المودع».

 

 

مصدرنداء الوطن - خالد أبو شقرا
المادة السابقةموجة تهريب معاكسة من سوريا إلى لبنان لنقل المحروقات
المقالة القادمةلبنان الثاني عربياً في احتياطات الذهب