لا تنسوا أنتم الذين تصيغون مستقبلنا الاقتصادي، عندما تتناولون موضوع إعادة جدوَلة الدين العام، أن ترأفوا بالقطاع الخاص الذي تكبّدت إنتاجيّته الكثير جرّاء سياساتكم الفاشلة وتنفيعاتكم الاستنسابية. فمجرّد الحديث عن إعادة الهيكلة، يفرض جدليّة أكثر أهمية هي المتمثّلة بسبل تحرير قوى الانتاج الحيّة التي رزحت طويلاً تحت عجز القطاع العام.
من هنا، لن تُجدي جدوَلة ديون القطاع العام وحدها نفعاً إن لم تقترن بإصلاحات جذرية، وبإعادة جدوَلة قروض الشركات والأفراد المتعثّرة والتي بلغت مستويات غير مسبوقة.
ضعوا حدّاً اذاً لشدّ الحبال ما بين القطاع المصرفي والقطاعات الانتاجية كافة، بعدما أوقفت المصارف التسهيلات المصرفية، المترافقة مع تقييد التحويلات، والتي كانت قوى الانتاج تتّكل عليها لتتمكّن من الاستمرار في ظل الظروف الصعبة. فهذه القطاعات تعثّرت على نحو مطّرد وتخلّفت عن سداد قروضها، (الامر الذي ينعكس لا محالة على رأس مال المصارف).
لا تتأخّروا أكثر بخفض الفوائد المدينة للأفراد والشركات على حدّ سواء فهذه الطريقة الوحيدة لحثّهم، الى جانب إعادة جدوَلة ديونهم، على الدفع خصوصاً بعدما أطلقت مجموعة كبيرة من الشركات وموظفيها حملة “القطاع الخاص – خط أحمر”، الداعية إلى التوقف عن دفع الضرائب وتسديد بعض القروض، كنوع من العصيان المدني حتى تحقيق المطالب.
المطلوب اليوم واحد: إصلاحات جذرية تساهم في الإفراج عن قطاع الإنتاج الذي لا يزال رهينة النظام الاقتصادي الريعي الحالي، والذي رسّخ قدرة القطاع العام المهترئ على امتصاص نظيره الخاص وإنتاجيّته وموارده وقضى على ما تبقّى من ثرواته.
من شأن إعادة جدوَلة قروض الأفراد والشركات أن تساهم في إعادة دفع القروض المتعثّرة ودفع الضرائب المستحقة للدولة، ما يُخفّف من المخاطر المحدقة بالمصارف، ويملأ من دون أي شك خزينة الدولة “المنهوبة”. وهنا لا بدّ من الإشارة الى أن القروض المتعثّرة بلغت حتى أواخر العام 2019 حوالى 25% من مجمل القروض المصرفية للشركات والأُسر والأفراد.
تُعَدُّ معدّلات التعثّر في تسديد القروض المصرفية مرتفعة جدّاً لدرجة باتت تُشكّل دليلاً واضحاً على هشاشة القطاع المصرفي من جهة، والأزمة التي يعاني منها القطاع الخاصّ وتعثّر الاقتصاد من جهة ثانية. فـ”القروض الشخصية” تقتطع أكثر من 50% من مدخول العائلات والأشخاص الذين استلفوا من المصارف.
أما النتيجة الوحيدة الراسخة فهي المتعلّقة بالضعف المتزايد في القطاعات الإنتاجية، وتفاقُم العجز التجاري، وتعاظُم الدين العام وما يرافقها على المستوى الشخصي- الاجتماعي من تدهور معدّلات النمو وتفاقُم نِسَب الاستدانة والبطالة والتضخّم، ما انعكس في نهاية المطاف على رواتب الموظفين في القطاع الخاص وأجورهم ومن خلالهم على القطاعات التجارية والصناعية، وأرهق تالياً القدرة الشرائية في الأسواق لا بل دمّرها. وإن كانت “دولة” بكل ما تزخر به من سيادة وموارد لم تعُد قادرة على الإيفاء بمستحقاتها، فكيف ستتمكن شركات وعائلات محدودة الموارد من ذلك؟!