جريمة ضخ الدولار: 1.7 مليار دولار اختفت

يوم الأربعاء الماضي، نشر مصرف لبنان ميزانيّته التي تعكس أرقام المصرف لغاية منتصف شهر آذار، بما فيها أرقام احتياطات العملات الأجنبيّة وكميّة النقد المتداول في السوق بالليرة اللبنانيّة. ومن هذه الأرقام نستنتج أنه منذ بداية مرحلة ضخ الدولار في شهر كانون الأوّل الماضي، بلغت خسائر المصرف المركزي في هذه العمليّة حدود 1.7 مليار دولار أميركي، لتقتصر الاحتياطات المتبقية اليوم على نحو 11.58 مليار دولار. مع الإشارة إلى أن حجم الاحتياطات في بدايات شهر كانون الأوّل كان يبلغ نحو 13.3 مليار دولار، حسب أرقام مصرف لبنان نفسها. أمّا في النصف الأوّل من شهر آذار وحده، فبلغت الخسائر الناتجة عن عمليّة ضخ الدولار نحو 350 مليون دولار، ما يعكس استمرار هذا الاستنزاف في الاحتياطات حتّى هذه اللحظة.

مبلغ 11.58 مليار دولار الآنف الذكر، يمثّل كل ما تبقى من سيولة لدى مصرف لبنان، من الاحتياطات الإلزاميّة التي أودعتها المصارف لدى المصرف المركزي، وأموال حقوق السحب الخاصّة التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد. مع العلم أن أموال حقوق السحب الخاصّة بلغت نحو 1.13 مليار دولار، فيما تبلغ الاحتياطات المصرفيّة الإلزاميّة قرابة 12.5 مليار. وهكذا، تكون السيولة المتبقية أقل بمليار دولار من مستوى الاحتياطات الإلزاميّة، والتي يفترض ألا تمس، حسب الحاكم نفسه.

ونتيجة هذه الخسائر، يكون مصرف لبنان قد أنفق نحو مليار دولار من الاحتياطات الإلزاميّة التي أودعتها المصارف لديه، كضمانة لأموال المودعين. مع الإشارة إلى أنّ هذه الحسابات تفترض قيام الحاكم بحرق أموال حقوق السحب الخاصّة، التي حصل عليها لبنان من صندوق النقد، قبل أن يبدأ بتبديد الاحتياطات الإلزاميّة المتبقية لديه. أما إذا كان حجم السيولة المتبقي يشمل أموال حقوق السحب الخاصّة، أي إذا كان الحاكم قد حيّد هذه الأموال عن عمليّات ضخ الدولار، فستكون النتيجة أن الحاكم أحرق ما يقارب 2.1 مليار دولار من احتياطات المصارف الإلزاميّة المتبقية بحوزة مصرف لبنان، فيما يمثّل مبلغ 11.58 مليار دولار أموال حقوق السحب الخاصّة مع ما تبقى من احتياطات إلزاميّة.

الغموض المتعلّق بهذه النقطة بالتحديد، يمثّل أبرز إشكاليّات سياسة مصرف لبنان النقديّة، بالنظر إلى قيام المصرف المركزي بالتصريح عن مجمل احتياطاته بالعملات الأجنبيّة في بند واحد فقط، من دون التمييز بين مصادر هذه الأموال. وفي النتيجة، لا يمكن للجمهور في الوقت الراهن معرفة مصادر الدولارات التي يقوم مصرف لبنان بضخها في السوق اليوم، ما يمنع معرفة الفئات التي تتحمّل وزر هذه الخسائر في الوقت الراهن. مع العلم أن توسّع مصرف لبنان في الإنفاق من الاحتياطات الإلزاميّة يعني ببساطة توسيع كتلة الخسائر المصرفيّة، المتمثّلة بالفارق بين التزامات المصرف المركزي بالعملات الأجنبيّة لمصلحة المصارف (ما أودعته المصارف في مصرف لبنان من أموال المودعين)، وما تبقى من هذه الأموال في احتياطات المصرف.

من ناحية حجم السيولة المتداولة في السوق بالليرة اللبنانيّة، تمكّن مصرف لبنان في النصف الأول من شهر آذار من امتصاص ما يقارب 3455 مليار ليرة لبنانيّة من السوق، لتصبح النتيجة النهائيّة امتصاص أكثر من 6611 مليار ليرة منذ بدء تدخّل مصرف لبنان في سوق القطع في كانون الأوّل الماضي. وبذلك، يكون مصرف لبنان قد امتصّ نحو 15 بالمئة من الكتلة النقديّة المتداولة في السوق بالعملة المحليّة، منذ ذلك الوقت، ما يمثّل تطورًا إيجابيًا على المدى المتوسّط، لأن ذلك يعني سحب جزء من كتلة السيولة “الساخنة” التي تشكّل الطلب على العملة الصعبة.

على مستوى منصّة مصرف لبنان للتداول بالعملات الأجنبيّة، بلغ حجم عمليّات المنصّة الإجمالي خلال الأسبوع الماضي نحو 424 مليون دولار، ما يعكس اشتداد الطلب على دولار المنصّة بالتوازي مع ارتفاع أسعار المواد الأساسيّة، نتيجة الأزمة الأوكرانيّة. أمّا سعر صرف المنصّة نفسه، فبلغ في نهاية الأسبوع الماضي حدود 20,800 ليرة لبنانيّة مقابل الدولار، وهو ما يقل بنحو 2,350 ليرة عن سعر الصرف الفعلي في السوق الموازية اليوم. وبذلك، يمثّل توسّع الفارق بين سعر المنصّة وسعر السوق تكريس واقع انفلات السوق خارج سيطرة منصّة مصرف لبنان، بعدما تمكّن المصرف المركزي في أولى مراحل تدخّله من دفع سعر السوق الموازية إلى ما دون سعر المنصّة. بمعنى آخر، عاد سعر السوق ليرتفع، بمعزل عن سعر المنصّة، ما يعيد التأكيد على عبثيّة تدخّل المركزي وسياسة ضخ الدولار، التي جاءت من خارج سياق أي خطّة أو رؤية نقديّة على المدى الطويل.

مصدرالمدن - علي نور الدين
المادة السابقةطوابير المحطات عادت… الشركات افتعلت أزمة!
المقالة القادمةسوق سوداء للقمح: أوكرانيا تحذّر.. ولبنان يُطمئن لثلاث سنوات