إذا كان رئيس حزب “القوات اللبنانية” الدكتور سمير جعجع قد أنهى لقاءه مع مجموعة من الإعلاميين بالتأكيد على أنه بصحة جيدة، وأن ما رُوّج عن مرضه “إشاعات”، فإن مضمون لقائه بهم لم يحمل اطمئناناً على وضع لبنان المالي والاقتصادي بل على العكس، دقّ جرس الإنذار بإعلانه أن الانهيار وشيك إذا لم يتحمّل كل مسؤوليته وإقرار سلسلة خطوات متكاملة.
وقد اختار الدكتور جعجع التطرّق لنقطتين أساسيتين، الأولى تناولت الوضع المالي، إذ بادر للقول: “نحن في وضع اقتصادي ومالي ومعيشي صعب، ونحتاج لتكاتف جدي وتصرّف بمسؤولية، فيما الحلّ الأسرع هو بإقرار الموازنة “…
جعجع الذي لفت إلى أن الاجتماعات الحكومية لدراسة سبل مواجهة الأزمة ككل “شهدت طرحاً لأفكار، ومن المتوقع عقد إجتماعات لإقرار الموازنة”، رأى أن مكافحة الفساد “تحصيل حاصل”، معارضاً التحرّك بالشارع “لإن من شأن ذلك أن يجرّ تحرّكات أخرى في الشارع، فيما المطلوب معالجات وحلول جذرية”.
وإذ أبدى تفهّمه لمن هم في الشارع، وبأن الحل “ليس بالنزول إلى الشارع إنما بضبطه”، أعرب عن قلق الجميع ممّا آلت إليه الأوضاع، داعياً للعمل “كي لا تنزلق الأمور إلى الهاوية ، لإننا في بدايتها اليوم”. وأكد أن الوضع “لا يحتمل تصرّفات شعبوية وعدم جرأة وتهرّب من المسؤولية، علماً أننا كحزب لا نتهرّب منها”… لافتاً في هذا السياق لما أعدته “القوات اللبنانية” من ملفات لكافة المشاكل “جرى دراستها علمياً، منها ما هو متعلّق بالموازنة وبالوضع المالي”.
لذا، شدّد جعجع على أنه “لا يُمكن لأحد تحميلنا مسؤولية ما وصل إليه حال البلد، فتوجّه القوات واضح من كل الحلول المطروحة”.
وفيما رأى أن اللجنة الوزارية المكلّفة إيجاد حلول للأزمة المالية، اعتبر أن خطة الكهرباء “جزء من الحل، فيما أموال مؤتمر “سيدر” سيكون لها دور في حلّ الأزمة المالية ولكن ليس في المدى المنظور، نظراً للقيود المفروضة لحصول لبنان عليها بعد إجراء ورشة جدية للإصلاحات المطلوبة”.
معالجة الأزمة الاقتصادية – المالية ، وفق جعجع “لا تتوقّف عند حدود تخفيض المعاشات حيث من المفترض أن تبدأ بقطاعات تتحمّل أكثر من غيرها، إذ يُمكن التفكير بها كقطاع الاتصالات وإشراك القطاع الخاص، ودراسة كل الخطوات وإقرار سلّة متكاملة تسمح بخروج لبنان من أزمته”.
وفيما أكدّ جعجع أن التوافق السياسي هو عامل أساسي “وللغاية، شكّل الرئيس الحريري لجنة من كل الأفرقاء السياسيين للتفاهم حول الخطوات الضرورية”، حذّر من أن الإنهيار”بات قريباً جداً في حال لم توضع حلول سريعة تسمح بقلب الحلقة الجهنمية لصالح تحسين الأوضاع، وذلك بإقرار موازنة متوازنة تُساهم في الحدّ من الإنفاق، وبالتالي ابتعاد البلد عن الهاوية، ما يسمح للسوق بتصحيح نفسه”.
أما الموضوع الثاني الذي تطرّق له رئيس حزب “القوات اللبنانية” فهو المؤتمر الأخير لأمين عام “حزب الله” السيد حسن نصرالله ، حيث اعتبر كلامه “بغير محلّه، خصوصاً وأننا نعيش أزمة داخلية عميقة، والمنطقة تتجه أكثر فأكثر إلى التصعيد”.
وعلّق بالقول: “كنت أتمنى على محور الممانعة أن يجدوا لأنفسهم موقعاً في سوريا أو العراق أو إيران لإيصال رسائلهم.”
وشدّد جعجع على ضرورة أن ” نضع لبنان أولوية وطنية.. خصوصاً وأن كلام نصرالله الأخير لا يخدم الشعب ، بل يضرّ به وبمصالحه”، ومتمنياً “العمل على حلّ مشاكلنا الداخلية وليس مشاكل المنطقة، لإن وضعنا اللبناني لا يسمح بذلك”.
ونفى جعجع مهادنته لـ”حزب الله” بقوله “لا مهادنة معه وإن نتقاطع معه في بعض الملفات، لا مجال لتفاهم أو تنسيق بيننا، لديهم مشروع سياسي واضح لا نتقبّله ،وطننا هو لبنان فيما هو مع الأمة بمعناها الأشمل”… وجدّد تأكيده “ولا لحظة نعترف بسلاح داخل الدولة إنما بالجيش الوحيد المولج دستورياً الدفاع عن حدود لبنان”، ومعتبراً رداً على ما يُقال بأن “حزب الله” أوصل رئيس للجمهورية “لو أنه قادر لما انتظرنا كل ذلك الوقت”.
وعن اعتماد القوات سياسة المهادنة مع رئيس الجمهورية، علّق جعجع بالقول: “القصة ليست مهادنة إنما قصة مواقع دستورية.”
وأكد أن “أمام معركة الرئاسة 3 سنوات ونصف”، نافياً أن يكون نادماً على ورقة التفاهم التي أوصلت الرئيس عون للرئاسة، من منطلق أنه “كانت لها ظروفها”.
وعن تحرّك وزير الخارجية جبران باسيل وتشديده من المنابر الدولية على وجوب عودة سوريا إلى أحضان الجامعة العربية، اعتبر جعجع أن باسيل “يمثّل نفسه وليس موقف الدولة، وسنطرح هذا الموضوع على طاولة مجلس الوزراء من خارج جدول أعمالها”.
وعن رأيه في ما يُحكى عن إدخال روسيا بأجندات لبنانية، وما إذا كان ذلك يقوّض علاقة لبنان بواشنطن، لفت جعجع إلى “أنه علينا وضع سياساتنا الوطنية ونرى أين هي مصالحنا وأن نجدّد سياستنا الخارجية ، لا أن نتصرّف وفق مصالح ضيقة. علينا الموازنة في التقديمات وفق عملية حسابية”.
وإذ أكّد أن لا زيارة له لروسيا التي وصف علاقته بها بـ”العادية”، أشار إلى أن لا معلومات واضحة لديه حول صفقة القرن، معتبراً أنه “بين القدس والجولان، الأمور غير مشجّعة وإن اعترف بهما ترامب لصالح إسرائيل، لست متفائلاً بصفقة القرن”.
وعن ملّف عودة النازحين السوريين، أوضح جعجع أن” الجميع متفّق على عودتهم، وإن اختلفت مفاهيم تلك العودة… فيما الواضح أن بشار الأسد لا يريدهم لأسباب إستراتيجية ووجودية، ولم يفلح الروس بإقناعه بعودتهم”، ومتسائلاً “كيف يُمكن لباسيل إقناعه؟”
ورأى أن الحلّ الوحيد “بعمل مكثّف للروس في إعادتهم لبعض الأماكن الآمنة على الجانب السوري، خصوصاً وأن الأمر ليس بمكلف على الأوروبيين، ومتمنياً على الرئيس عون والرئيس الحريري وباسيل التفاوض مع الروس”.
وأكد جعجع أن قرار عودتهم “هو قرارسيادي لبناني، وضمن حدود المواثيق الدولية والحفاظ على حقوق الإنسان. ولفت إلى أنه بصدد تشكيل لوبي لطرح فكرة عودتهم “.
أما بما خصّ اللبنانيين في السجون السورية والمخفيين قسراً، أكّد جعجع استمرار طرح هذا الملف “إذ ليس مقبولاً إعادة رفات إسرائيليين ، فيما أسرانا والمخفين اللبنانيين لا، إنها قضية إنسانية” .
الدكتور جعجع استبعد في أن يكون لبنان على موعد مع حرب بين “حزب الله” وإسرائيل “لعدم وجود مؤشرات لها”، ولافتاً إلى أنه “ضد أي فوضى في الجنوب”، وخلص في لقائه الإعلامي للتأكيد مجدداً بأن “المنطقة تغلي وعلينا التمسّك بسياسة النأي بالنفس عن كل الملفات المطروحة”.