جلسة أخيرة للموازنة أم بدء اشتباك جديد؟

لعلّها أكثر المفارقات اثارة للسخرية ان تبقى موازنة 2019 المتأخرة والعالقة في اشتباك سياسي وزاري بات يحتاج الى أكثر من غرفة عناية مكثفة للإفراج عنها، فيما أوعز وزير المال علي حسن خليل الى الادارات والوزارات بالشروع في التحضير لوضع مشروع موازنة 2020 وفق الأصول الزمنية! ذلك ان هذه المفارقة برمزيتها كما بدلالاتها العملية أضافت بعداً مأزوماً جديداً الى المراوحة الغريبة التي حوصرت في دائرتها ولادة الموازنة في اللحظات الأخيرة التي كان يفترض ان تنتهي فيها الحكومة من اقرارها بعد 18 جلسة لمجلس الوزراء. ومع كل الكلام والمواقف التي تطلقها القوى السياسية عن مسببات التأخير ومبرراته وذرائعه، بات مجمل المأزق يعكس ما يتجاوز ملف الموازنة حتى لو انفرجت الامور في الساعات أو الأيام المقبلة.

فالموازنة ستقر في النهاية وبعجز يقارب 7 في المئة أو أكثر بقليل بما يتيح للبنان التوجه برسالة ايجابية مالية أولى الى نادي الدول المانحة في مؤتمر “سيدر” بما يمكن الحكومة ولا سيما منها رئيسها سعد الحريري المندفع الأول والأكثر حرصاً على الشروع في تنفيذ مشاريع “سيدر” الانطلاق نحو مرحلة متبدلة يؤمل ان تحمل ملامح انفراجات تنموية واقتصادية وتالياً اجتماعية ومالية. لكن اقرارها سواء حصل اليوم أو بعده سيأتي محفوفاً بمزيد من تآكل الثقة بين المواطنين والسلطة من جهة وبين مكونات الحكومة في ما بينها من جهة أخرى، علماً ان المخاض الشاق لمناقشة الموازنة وإقرارها عمق الشروخ القائمة بين قوى عدة مشاركة في الحكومة وخصوصاً بين “التيار الوطني الحر” وحركة “امل” عبر الوزيرين علي حسن خليل وجبران باسيل، ورسم أيضاً ظلالاً كثيفة على الاستحقاقات المقبلة في ظل هشاشة التماسك الحكومي الذي فضحته مناقشات الحكومة للموازنة والتي اثبتت الصعوبة الكبيرة لتوحد الحكومة وتصرفها كفريق عمل لدى مواجهتها استحقاقات تحتاج الى هذه الوحدة.

في أي حال ، لم تجزم مجمل المعطيات المتوافرة عشية الجلسة التي سيعقدها مجلس الوزراء بعد ظهر اليوم في السرايا للعودة الى مناقشة طروحات واقتراحات اثيرت في الجلسة الاخيرة، بوضوح بأن المجلس سيخرج باعلان انهاء مناقشاته للموازنة تمهيداً لولادتها النهائية في جلسة أخيرة تعقد في قصر بعبدا.

وقالت مصادر وزارية مساء أمس إن من الأفضل التريث وعدم اطلاق توقعات مسبقة جازمة في هذا الاتجاه أو ذاك لأن المعلومات المتوافرة تشير الى تمسّك وزير الخارجية بالمضي في مناقشة الكثير المتبقي من بنود وردت في ورقته التي قدمها قبل أيام وان وزراء “تكتل لبنان القوي” يصرون على استنفاد مناقشة هذه البنود من دون التوقف عند عامل الوقت. لكن المصادر لفتت الى ان الساعات الـ48 الأخيرة التي أرجئت الجلسات خلالها شهدت تطوراً لا بد من رصد آثاره على مواقف القوى السياسية من مزيد من التأخير للجلسات وهو يتمثل في ان قوى عدة في الحكومة بدأت تبلغ الرئيس الحريري مباشرة أنها تحمل الوزير باسيل وتياره التبعة المباشرة للتمادي في تأخير اقرار الموازنة وما يترتب على ذلك من تداعيات ستتمدد الى مجلس النواب وفتح ملف تشريع الانفاق مجدداً بدءاً من الأول من حزيران باعتبار ان قانون الانفاق على القاعدة الاثني عشرية ينتهي مفعوله في نهاية ايار الجاري.

مواقف

واسترعى الانتباه في هذا السياق ما أعلنته “كتلة الوفاء للمقاومة” أمس من أنها “رغم معرفتها ببعض التحسينات التي طرأت على بنود مشروع الموازنة للعام 2019 إلّا ان المقاربات بقيت بعيدة عن أن تجسد الموازنة رؤية اصلاحية متماسكة، على رغم بعض التخفيضات في الانفاق واقفال بعض ثقوب الهدر للمال العام وزيادة بعض الايرادات”. وقالت أنها “مع ذلك تدعو الى احالة المشروع بسرعة على مجلس النواب لمناقشته واقراره بعد تصويب ما يمكن تصويبه، لتلافي الخلل الذي يصيب انتظام الحسابات المالية للدولة مع كل تأخير في انجاز الموازنة عن موعدها الدستوري المقرر”.

ولم يحمل المؤتمر الصحافي للوزير باسيل ما يؤكد أن اقرار الموازنة سيحصل اليوم، اذ قال انه “منذ عشر سنوات وأنا اسمع في الحكومة دعوات الى تأجيل الامور فمتى يؤخذ القرار لإنقاذ البلد؟”. وأضاف: “أننا وصلنا الى اصلاحات عديدة في الموازنة وهذا أمر جيد، لكنها ليست كافية، ومن حقنا ان نقول نريد أكثر، وصلنا الى تخفيض العجز ولكن هذا ليس كافياً ويمكننا تخفيضه أكثر”. مؤكداً أن “الحل موجود ومتوفر وما نقوم به في الايام المقبلة سنكمل بعملنا الايجابي ولسنا مصرين على أي شيء وهناك اقتراحات عديدة ومردوها ايجابي وفي حاجة الى الجرأة للقيام بها”.

وفي المقابل، رأى نائب رئيس الوزراء غسان حاصباني ان المسودة الاخيرة لموازنة 2019 التي تنهي العمل بها الحكومة “تؤمّن استقراراً في الوضع المالي في ظلّ المديونية العالية لكنها لا ترقى الى مستوى الاصلاحات الكبرى البنيوية المطلوبة”.

وقال لوكالة “رويترز”: “لدي مخاوف عميقة، حيال التأخير في الوصول الى الصيغة النهائية للموازنة في مجلس الوزراء، بعد ان تجاوزت الحكومة المهلة التي وضعتها لنفسها لإنهاء النقاش يوم الأربعاء. قد نكون تفادينا الكارثة من خلال هذه الموازنة التي تؤمن الاستقرار وتلجم التدهور، لكن نحن في حاجة الى الكثير من العمل من جهة الاصلاح البنيوي لتأمين النمو وتفادي أي مشاكل مستقبلية”.

ولاحظ “ان الأفكار الاضافية التي تناقش صالحة لكنها أدّت الى إضافات صغيرة نسبياً، أنا لا أقول إنها ليست جديرة بالنقاش، لكن المردودية نسبة إلى الوقت المستثمر بها خلال الاسبوع الماضي لم تكن عالية”.

ويلقي الامين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله كلمة متلفزة في السادسة من مساء غد السبت لمناسبة عيد “المقاومة والتحرير” يتناول فيها التطورات الداخلية والاقليمية.

الى ذلك، علم ان مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الادنى ديفيد ساترفيلد سيعود الى بيروت الثلثاء المقبل للقاء المسؤولين في اطار تحركه المكوكي المتعلق بالوساطة التي يتولاها في ملف ترسيم الحدود الجنوبية البرية والبحرية بين لبنان واسرائيل.

مصدرجريدة النهار
المادة السابقة“ديزني” تختار هبة طوجي لهذا الفيلم
المقالة القادمةتخبُّط وعَود على بدء… ومطالبات للحريري بالحسم