لم تستطع السلطة السياسية، على مدى 4 سنوات، وضع حدّ لاستنزاف أموال المودعين. بل سهّلت وتغاضت عن تحويلات مالية استفاد منها سياسيون ومصرفيون ورجال أعمال كبار. وفي المقابل، جرى تجفيف أموال صغار ومتوسّطي المودعين. وبادرت المصارف والسلطة السياسية إلى ابتداع حلٍّ مناسبٍ لهم يشرّع حجز أموال المودعين، تحت شعار “قانون الكابيتال كونترول”. ومع ذلك، لا يجد مشروع القانون طريقه إلى الإقرار في مجلس النواب، بسبب الخلافات السياسية بين أقطاب السلطة من جهة، والضغط الذي يمارسه المودعون رفضاً له.
الإصرار على الجلسة
كان من المفترض أن يعقد مجلس النواب، يوم الخميس 17 آب، جلسة للتصويت على مشروع قانون الكابيتال كونترول، بالإضافة إلى مشاريع قوانين أخرى تتعلّق بالصندوق السيادي لإدارة عائدات النفط، وقوانين تتعلّق بخطة التعافي، إلاّ أن نِصاب عقد الجلسة لم يكتمل. (راجع المدن).
واستغرب رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، على هامش مشاركته في الجلسة “قول بعض النّواب إنّهم يأتون إلى المجلس من أجل تشريع الضّرورة، فهل من ضرورة أكثر من المشاريع المطروحة اليوم؟”. وأضاف “اننا منذ 4 سنوات نتكلّم بقانون “الكابيتال كونترول” ولم نتوصّل بعد إلى مناقشته في الجلسة العامّة ولا إلى حلّ الأمر. كما هناك اقتراحات قوانين تتعلّق بخطّة التعافي وإعادة هيكلة المصارف، وهي بحاجة إلى حلّ فوري، وإلا فلا استقرار اقتصاديّاً في البلد”.
وفي معرض دفاعه عن ضرورة عقد جلسة لمجلس النواب، رأى ميقاتي أنه “إذا لم ينعقد مجلس النوّاب ولم تُقرّ قوانين التّعافي وإعادة هيكلة المصارف كباقة واحدة فوراً، فسندخل من أزمة إلى أخرى، و”اللهم إنني قد بلّغت”.
تحميل الخسائر للمودعين
قانون الكابيتال كونترول بالصيغة المطروحة أمام النواب، يحمِّل المودعين الخسائر التي نتجت عن الأزمة، ويغطّي عملية احتجاز المصارف للودائع وتجفيفها، وهذا ما رفضه نقيب المهندسين في بيروت عارف ياسين، الذي وصف القانون بأنه “تشريع تحايل المصارف وتنصّلها من كلّ التزاماتها المالية والمصرفية تجاه المودعين”.
ولأن النقابة هي إحدى الجهات المودعة في المصارف، أكّد ياسين في بيان أن “حسابات نقابة المهندسين وأموالها هي إحدى ضحايا الفوضى القانونية والاستنسابية والتعاميم والقرارات المنحازة التي هندسها مصرف لبنان منذ سنوات طويلة واستخدمتها المصارف للسطو على الودائع ومدخرات الناس بمن فيهم المهندسات والمهندسين. وعلى رغم تأخير دام لأكثر من ثلاث سنوات لإقرار مشروع كابيتال كونترول عادل، كان من المفترض أن تُحرَّر الودائع الصغيرة والمتوسطة وإقرار الضوابط على كبار المودعين بهدف منع تهريب الأموال، كقانون جدي يأتي من ضمن خطة انقاذ متكاملة أساسها تحديد المسؤوليات وعدالة في توزيع الخسائر والخروج من الانهيار باتجاه اقتصاد متعافٍ منتج وعادل”.
واعتبر أن التصويت الذي كان من المفترض أن يجري في جلسة اليوم، هو تصويت على مشروع قانون “يبرئ المصارف من كافة الارتكابات والممارسات السابقة ويبرّر لها تحويل الودائع من الدّولار الأميركي إلى الليرة اللبنانيّة في الوقت الذي تنص فيه كل القوانين على حق المودعين بالحصول على الودائع بالعملة التي كانت عليها قبل 2019”. كما أنه تصويت “يخالف القوانين بالتمييز بين الحسابات القديمة والجديدة. بالاضافة الى أنه يعطي لمصرف لبنان وحاكمه حقاً مطلقاً بإصدار التّعاميم وتحديد علاقة المودعين مع المصارف”.
وتطرّق ياسين إلى الصندوق السيادي المزمع إنشاؤه لإدارة عائدات النفط. واعتبر أن هذا الصندوق “وكما أقرته اللجان النيابية، هو عملية استخدام أموال وثروات اللبنانيين والتي هي ملك للأجيال المقبلة ووضعها بخدمة الدين العام وتسديد الخسائر التي تسببت بها السياسات المالية والنقدية بالإشتراك مع المصارف. إنها عملية للنهب المنظم لثروات اللبنانيين في الحاضر والمستقبل”. (راجع المدن).
وتجدر الإشارة إلى أنه استباقاً لعقد الجلسة التشريعية، كان عدد من المودعين قد تجمّعوا أمام مجلس النواب رفضاً لمشروع قانون الكابيتال كونترول.