أكثر نواب الأمة من الكلام أمس للتغطية على قلّة نشاطهم. قاعة مجلس النواب التي حضرت إليها كل الكتل لمناقشة الموازنة العامة (تُستكمل اليوم) تحوّلت في بدايتها إلى مسرح ثرثرة ومزايدات فارغة مع نقل الجلسة على الهواء. لكنّ المشهد بدا مكرراً إلى حد الغثيان: ملحم خلف يهمّ بالشروع في محاضرة عن الدستور ولادستورية الجلسة، يتدخّل «ملائكة» رئيس المجلس متصدّين، فينفعل «ملائكة التغيير والشفافية»، ليدخل الجميع في حفلة تشاتم لزوم التشويق… قبل أن تبدأ الجلسة التي تسابق فيها الجميع على ذمّ الموازنة بعدما تفاخروا قبل أيام بإدخال تعديلات عليها في لجنة المال والموازنة، إلى حد جعلها أشبه ما تكون بموازنة صادرة عن مجلس النواب لا عن الحكومة، كما لاحظ النائب حسن فضل الله في مداخلته.المفارقة أن كل الكتل حضرت لمناقشة الموازنة وإقرارها قبل انتهاء المهل حتى لا تُقرّها الحكومة بمرسوم كما هي من دون تعديلات، ومن ضمن هؤلاء كتلة القوات اللبنانية و«التغييريون» و«السياديون» ممن صاغوا سابقاً مطوّلات حول لادستورية التشريع في ظل فراغ رئاسي.
وبعدما قرأ رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان تقرير الموازنة وفنّد التعديلات التي أجرتها لجنته، منتقداً تحويل مشاريع الموازنة في كل مرة بلا حسابات مالية حتى باتت «دولة بلا ذمة وبلا شرف»، توالت مداخلات البكاء على المواطنين والمتقاعدين والأساتذة والمودعين، قبل أن يصرّح رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في مستهلّ الجلسة المسائية بأن الحكومة «أوقفت الانهيار»، معلناً «بداية مرحلة التعافي»!
ولم تغب السياسة عن الجلسة مع مداخلة طويلة للنائب فضل الله، روى فيها فصولاً من تاريخ الاعتداءات الإسرائيلية على لبنان، ومؤكداً «أننا أمام نكبة جديدة في غزّة تشبه نكبة الـ 48 ونحن معنيّون بأن نتّخذ الموقف الذي يتلاءم مع الحدث، وخصوصاً إذا كنا على لائحة الوحش القاتل». واعتبر أن «لبنان اليوم في موقع قوة، وكل الوفود التي تزور لبنان هي دليل على أننا أصبحنا على خريطة المنطقة، والموقف السياسي اللبناني يرفض التهديدات، وما يهمّنا اليوم هو النتائج الميدانية التي يضجّ منها العدو، وكيفية حماية بلدنا والتصدي لمخاطر المشروع الصهيوني»، معتبراً أنه «على المستوى اللبناني المطلوب أقله يجب ملاقاة الموقف الرسمي للدولة اللبنانية». وشدّد على أن «قرار الحرب بيد الكيان الصهيوني وقرار وقفها بيد أميركا وما نملكه نحن هو حق الدفاع عن النفس، وثمن الدفاع عن البلد يدفعه أهل الجنوب والمقاومون من دمائهم، وندفع هذه الأثمان بملء إرادتنا»، مذكّراً بـ«حق الدفاع المشروع عن النفس وحق اللبنانيين في مقاومة الاحتلال كما أقرَّته الدولة بكل حكوماتها ومجالسها النيابية منذ اتفاق الطائف». غير أن ذلك لم يحل دون تكرار نواب القوات و«التغيير» و«المستقلين» انتقاد «استئثار فئة بقرار الحرب والسلم»، داعين إلى الاقتداء بالدول العربية بدعم الفلسطينيين كلامياً.
ووجّه النائب جبران باسيل سهامه إلى كل الأطراف من القوات الرافضة للتشريع والحاضرة رغم ذلك، إلى رئيس الحكومة الذي يحاول السطو على صلاحيات رئيس الجمهورية بالقرارات والتعيينات، إلى المجلس النيابي العاجز عن إقرار الكابيتال كونترول، إلى المقاومة التي هي «جزء من الدولة ولكنها ليست الدولة. فالسلاح يحمي لكنه لا يكفي وحدَه ولا يمكن المواجهة بحكومة بتراء». وسأل: «ماذا نقول لأهالي الشهداء الذين سقطوا في الجنوب؟ علينا أن نلاقيهم بالسؤال عن تقرير ألفاريز ومارسال وعن قطعات الحسابات التي لم تصدر بعد عن ديوان المحاسبة بالإضافة إلى لجنة تقصّي الحقائق في موضوع الفساد وانفجار مرفأ بيروت». وأكّد أن «لا خلاف على مبدأ إقرار الموازنة بالصيغة التي طرحتها لجنة المال والموازنة بل على شرعية الجهة التي أقرّتها»، معلناً أن كتلته لن تصوّت على الموازنة كونها ستصدر بمرسوم عن حكومة مستقيلة وغير مكتملة.