في ظلال عودة المواجهة بين المودعين والمصارف التي كانت آخر فصولها يوم الخميس، تحاول جمعية المصارف «تقطيع المرحلة الحالية» بأقل خسائر ممكنة من خلال التمديد لرئيسها سليم صفير وأعضاء مجلس ادارتها الحالية، لسنة واحدة كون ولايتهم ستنتهي نهاية حزيران الجاري، بعدما تراجعت أكثر من شخصية مصرفية عن الترشح لرئاسة الجمعية لأسباب عدة منها الخلافات الداخلية، والضبابية الطاغية على المشهد السياسي التي تؤثر سلباً على اتفاق لبنان مع صندوق النقد الدولي وايجاد حل للأزمة المصرفية المستفحلة منذ قرابة 3 سنوات، فضلاً عن الفراغ المتوقع حصوله في منصب حاكم مصرف لبنان.
ليس لأنه المنقذ
اذاً ليس سبب التمديد لصفير لأنه «المنقذ» الذي لا يمكن الاستغناء عنه أو لأنه يتمتع بكاريزما تجعله الاصلح لادارة الازمة، بل على العكس تماماً، برأي مصرفيين، اذ ان لائحة الملاحظات على أدائه تطول من قبل أهل البيت اي اعضاء الجمعية قبل غيرهم. ولذلك فقرار التمديد سيكون أهون الشرور ولأسباب فرضتها تطورات الازمة. وبناء على ذلك ستجتمع الجمعية العمومية للجمعية غداً في 20 حزيران الحالي لتعديل المادة 13 من النظام الداخلي والتمديد لصفير ومجلس ادارة الجمعية سنة واحدة بدل سنتين «ريثما يتم انتخاب رئيس جديد للجمهورية وتشكيل حكومة جديدة وتعيين حاكم جديد للمركزي» على حد تعبير مصدر مصرفي لـ»نداء الوطن»، لافتاً الى أن «النظام الداخلي لجمعية المصارف يسمح بتعديل المادة 13 من النظام الاساسي بعد موافقة ثلاثة ارباع الاصوات وهذا الامر مؤمن، وبذلك يمكن التمديد لمجلس الادارة الحالي برئاسة صفير لأن كل اعضاء مجلس ادارة الجمعية موافقون على هذا التمديد بالرغم من كل الانتقادات، لأن اياً منهم لا يريد تحمل المسؤولية في ظل التخبط الذي تعيشه المؤسسات الدستورية في لبنان، وبعد استتباب الامور يمكن ادخال دم جديد ورؤية وتوجهات جديدة على الجمعية تتماشى مع الوضع الجديد في البلاد».
كان منحازاً للتيار؟
يذكّر مصدر في الجمعية أن «صفير تولى مهامه في حزيران 2019 وبعد عدة أشهر انفجرت الازمة، ومن المآخذ عليه هو تشبثه برأيه ومراعاته لمصالح اطراف مثل التيار الوطني الحر ورئيسه علماً أن جمعية المصارف ليست نظاماً شمولياً وهناك آراء متعددة فيها. ولكن في النهاية كان رأيه ينفذ مع اعطاء هامش خاص لكل مصرف».
تراجع خوري وشماس
يضيف: «مع انتهاء ولاية مجلس الادارة الحالي للجمعية لا يمكن تركها من دون رئيس ومجلس ادارة جديد، وكل اعضاء الجمعية مع التمديد لأن القطاع المصرفي هو جزء من الازمة الحالية ويتأثر بعدم وجود قابلية سياسية لتطبيق الاصلاحات وتعذر توقيع الاتفاق مع صندوق النقد في ظل حكومة تصريف الاعمال وغياب رئيس جديد للجمهورية»، مشيراً الى أن «كل هذه التعقيدات أدت الى تراجع رغبة الوزير السابق رائد خوري عن الترشح لرئاسة الجمعية بعد أن ابدى رغبته في الترشح لفترة وجيزة، (كما أبدى نقولا الشماس/احد المساهمين في بنك سيدروس رغبته ايضا بالترشح وعدل عن ذلك لاحقاً). وبالتالي يرى اصحاب المصارف أنه من الاجدى أن يكمل مجلس الادارة الحالي للجمعية مهامه الى ان تتضح الصورة السياسية والمصرفية، كونه واكب الازمة منذ بدايتها وليس صعباً عليه الاستمرار في سياسته بغض النظر عن نسبة الاخطاء التي ارتكبها، تجنباً لحصول خضات اضافية في القطاع المصرفي في ظل خطر حصول فراغ في رئاسة المصرف المركزي، والجمعية تريد تقطيع المرحلة بأقل مشاكل ممكنة».
ليس متمرساً ولا صلباً
في مقابل هذا التمديد المرتقب، ثمة مآخذ عديدة على أداء صفير يعددها المصدر المصرفي بالقول: «في الايام العادية كان يمكن ان يكون الشخص المناسب لتولي رئاسة الجمعية، لكن خلال الازمة منذ 2019 أظهر أداؤه أنه ليس شخصية مرنة ومتمرسة يمكنها التعامل مع مشكلة بحجم الانهيار الذي حصل. كما لم يكن صلباً وقادراً على مواجهة الطبقة السياسية وحاكم المصرف المركزي اي المسؤولين الاساسيين عن حصول الانهيار، برأي المصارف. ففي اجتماع بعبدا الذي حصل في 19/ 11/ 2019، وبينما كان أحد الخبراء الماليين المشاركين في الاجتماع يشرح ضرورة اقرار قانون الكابيتال كونترول كما يحصل في البلدان التي تشهد ازمات مماثلة تفادياً للأسوأ ولحفظ أموال المودعين، انبرى احد اصحاب المصارف للقول أنه يجب التمهل في هذا الامر ووافقه كل المسؤولين السياسيين والمصرفيين الحاضرين للاجتماع، بمن فيهم صفير الذي لم يحرك ساكناً بالرغم من معرفته بخطورة الوضع، وان النتيجة ستكون سلبية على المودعين و المصارف معا».
مستسلم متشائم
يضيف المصرفي: «على الصعيد الشخصي صفير مستسلم ومتشائم لجهة امكانية تخطي هذه المرحلة الصعبة، والاسوأ أنه سمح للسياسيين أن يجرّوه الى وضع صعب صارت فيه الجمعية في مواجهة المودعين، في حين ان عليه العمل ليكون مع المودعين في مواجهة الدولة والبنك المركزي الذي موّل الدولة من اموال الناس»، مشدداً على أنه «صحيح انه لا يملك عصا سحرية لرد اموال المودعين، لكن أداءه خلال الازمة سمح للطبقة السياسية أن تجعل المصارف في مواجهة المودعين، بينما كان يجب ان يعمل ليكونوا في خندق واحد للدفاع عن حقوقهم في مواجهة الدولة التي اهدرت اموالهم وهو لم ينجح في هذا الامر».
حالة ضياع مصرفية
من جهة أخرى يشرح خبير اقتصادي لـ»نداء الوطن» اسباب التمديد لصفير بالقول: «ليس هناك شخصية مصرفية تريد تولي المهمة حالياً بسبب الضغوط الكثيرة التي عليه تحملها، لأن المشكلة الاساسية أن جمعية المصارف لا تملك حلولاً للأزمة المصرفية، وهناك حالة ضياع يعيشها أصحاب المصارف، بالاضافة الى أن هناك اختلافاً في الرؤية بينهم حول كيفية حل الازمة المالية والنقدية الحالية».
يضيف: «التمديد لمجلس ادارة الجمعية ليس خطأ في المرحلة الحالية وفي الظروف السياسية الراهنة، لأن ما هو مطروح على الطاولة الآن هو الخطة الحكومية مع صندوق النقد الدولي، وهذه الخطة مقبولة من عدد من المصارف الكبرى لأنها تحل لهم الكثير من المشاكل. هناك مصارف تعرف انه لا يمكن الاكمال بهذه الطريقة وانه لا بد من تنفيذ خطة صندوق النقد، لكن المشكلة ايضا هي عند السياسيين لأن اكثريتهم لا تتجرأ على تشريع الهيركات وهم ايضا من يحاولون ابقاء الوضع على ما هو عليه الى ما شاء الله».
يحاولون شراء الوقت
يلفت المصدر عينه الى أن «خطة صندوق النقد تنص على اعادة 100 الف دولار للمودعين، وأكثرية المصارف ليس لديها القدرة على رد 100 الف دولار وأقل، حتى لو تمت تصفية كل موجوداتها. وهذه المصارف التي ليس بامكانها رد الودائع تتلطى خلف اقرار قانون للكابيتال كونترول، وهناك مصارف لديها القدرة على تنفيذ اقتراح الحكومة بالنسبة للودائع، وهذا التباين يدفع الى التمديد لصفير حالياً لأن وجوده يناسب المرحلة. ومع وجود نفس التركيبة السياسية الحالية لن تدخل جمعية المصارف بنقاش جدي حول وضعية المصارف بل تحاول شراء الوقت وترك الامور على ما هي وتذويب الودائع ولو بشكل بطيء».
تأجيل المشكل لما بعد
ويوضح أن «هناك مصارف تريد اصلاح الامور واعادة رسملة القطاع لكنها تتجنب فتح «مشكل في الوقت الراهن» لأنها تعرف بأنه ليس هناك سلطة سياسية يمكن التحاور معها بجدية، وفي حال تغير الوضع يمكن ان يحصل انفصال وفرز بين مصارف تريد حلاً واخرى تريد استمرار الوضع القائم لأنها مفلسة»، مشدداً على أن «جمعية المصارف تشهد حاليا خلافاً داخلياً بين مصارف تريد اعادة هيكلة القطاع المصرفي، واخرى لا تريد مقاربة هذا الموضوع لأنها لا تريد دفع التزامات عليها للمودعين وابقاء الوضع على ما هو عليه، أي فتح حسابات مصرفية بالفريش دولار تغطي مصاريف وارباحاً وميزانية على سعر صرف الدولار 15000 ليرة من دون المساس بها لأنها مفلسة».
ويختم: «هناك مصارف تريد حلاً لأنها تريد الاستمرار كمصارف وليسن كبنوك «زومبي» ولن يتم الحديث في هذه الخلافات حالياً لأن ليس هناك جهة سياسية جدية يمكن النقاش معها حول هذا الوضع ولذلك سيتم التمديد لصفير».
مودعون يرفضون سرديات المصرفيين
مصادر بعض المودعين ترفض ما يقال عن ان المصارف ضحية وان الجمعية تريد رئيساً يشكل رأس حربة ضد الدولة ومصرف لبنان على اساس سردية ان «المركزي» موّل الدولة من اموال المودعين. فهذه السردية تضليلية لسبب بسيط هو ان المودع اودع امواله لدى مصرفه وليس لدى البنك المركزي او الدولة. بين المودع والبنك علاقة تعاقدية على البنك احترامها. اما القول ان الدولة «عدوة» المصارف فهو هراء بدليل ان هذه الدولة هي التي حمت المصارف من قضايا المودعين بمساعدة قضاة معينين تواطأوا ضد مصلحة اصحاب الحقوق لحماية المصارف، رغم وجود بعض القضاة العادلين الذين حاولوا الحكم بعدالة… ولكن!
وتضيف المصادر ان لا مصلحة للمصرفيين في معاداة السياسيين، لأن هناك وعداً بتحمل الدولة للخسائر ولو بشكل وهمي عبر اقاويل مثل «الودائع المقدسة» او انشاء صندوق لأصول الدولة تستخدم ايرادات منه لرد الودائع.
وتختم مصادر المودعين بتأكيد أن مصرفيين سيواجهون مصيرهم مهما طال الزمن، اذ يكفي التقيد بشروط صندوق النقد لنرى انهم سينكشفون، اما عدم التقيد وبالتالي عدم وجود برنامج اصلاحي انقاذي فمن نتائجه مفاجآت سلبية ليست كلها في حسبان المصرفيين اليوم.