لفتت وكالة “فرانس برس”، إلى أنّ “في مواجهة الانهيار المستمرّ منذ عامين، يعمل القطاع المصرفي الّذي كان يُعدّ فخر الاقتصاد اللبناني، على إعادة تنظيم ذاته عبر تسريح آلاف الموظّفين وإقفال عشرات الفروع، في خطوة تسبق التّوافق على خطّة إنقاذ مع صندوق النقد الدولي”.
وأشارت إلى أنّ “طيلة عقود، شكّل القطاع المصرفي ركيزةً رئيسيةً للاقتصاد. وتمكّن من جذب الودائع ورؤوس الأموال، سواء من المستثمرين العرب أو المغتربين، الّذين رأوا في مصارف بلدهم ملاذًا آمنًا لجنى عمرهم”، موضحةً أنّ “قيمة الودائع الإجماليّة بلغت في ذروتها أكثر من 150 مليار دولار قبل عام من بدء الأزمة عام 2019، وفق تقديرات رسميّة”.
وركّزت الوكالة على أنّ “المشهد تغيّر كليًّا على وقع الانهيار الاقتصادي الّذي صنّفه البنك الدولي بين الأسوأ في العالم منذ العام 1850، وفرض المصارف لقيود مشدّدة على عمليّات السحب بالدولار ومنع التحويلات إلى الخارج. وجعل ذلك المودعين عاجزين عن التصرّف بأموالهم خصوصًا بالدولار، بينما فقدت الودائع بالليرة قيمتها، مع انهيار قيمة العملة المحليّة في السّوق السّوداء”. وذكرت أنّ “قاعات الانتظار في المصارف شهدت خلال العامين الماضيين، سجالات متكرّرة بين مواطنين غاضبين راغبين بالحصول على ودائعهم، وموظّفين ملتزمين بتعليمات إداراتهم. وانعدمت الثّقة تدريجيًّا بالقطاع المصرفي الّذي تراجع نشاطه ليقتصر على عمليّات بسيطة، خصوصًا السحب باللّيرة”.
إزاء هذا الواقع، كشفت “جمعية مصارف لبنان”، لـ”فرانس برس”، أنّ “المصارف لجأت إلى تقليص حجمها مجبرةً، للتكيّف مع الأوضاع الاقتصاديّة المستجدّة”، مبيّنةً أنّ “عدد الفروع المصرفيّة انخفض من 1081 نهاية عام 2018، إلى 919 فرعًا نهاية تشرين الثّاني الماضي، أي بنسبة 15 في المئة. كما تقلّص عدد الموظّفين في الفترة ذاتها من 25908 موظّفين إلى نحو عشرين ألفًا، أي بنسبة 23 في المئة”.
وأعلنت الجمعيّة أنّ “محفظة التّسليفات للقطاع الخاص المقيم وغير المقيم انخفضت من 59 مليار دولار نهاية 2018، إلى 29,2 مليار دولار (وفق سعر الصرف الرسمي) نهاية تشرين الأوّل 2021″، مشدّدةً على أنّ “التطوّرات الماليّة خلال السنتين الماضيتين، في ظلّ استمرار التلكّؤ في إيجاد حلول، فرضت واقعًا جديدًا على الاقتصاد ومؤسّساته ومواطنيه”.
وأفادت الوكالة بأنّ “في وقت الذّروة، بلغ حجم القطاع المصرفي ثلاثة أضعاف النّاتج الإجمالي المحلّي، وكان معدّل نموّه يعادل ثلاثة أضعاف معدّل نمو الاقتصاد. ووسّعت مصارف كبرى نطاق عملها إلى خارج لبنان وصولًا إلى أوروبا وإفريقيا”، لافتةً إلى أنّ “فروع 63 مصرفًا في لبنان قدّمت فوائد عالية لجذب المودعين. وفضّل كثر في السّنوات القليلة الّتي سبقت الأزمة، إيداع أموالهم وتعويضاتهم في المصارف بدل استثمارها طمعًا بهذه الفوائد. كما قدّمت تسهيلات إزاء مروحة واسعة من القروض، بدءًا من السّكن، مرورًا بشراء السيّارات والسّفر، وصولًا إلى عمليّات التّجميل”.
وأكّد رئيس جمعية المصارف سليم صفير، في تصريحات لـ”فرانس برس”، أنّ لبنان أشبه بـ”بلد متروك”، وسط تقاعس السلطات الّتي لم تقدم على أيّ “تحرّك فعلي” خلال عامين من الأزمة، سوى التخلّف عام 2020 عن سداد ديونها الخارجيّة للمرّة الأولى. واعتبر أنّ “أيّ إعادة هيكلة للقطاع خارج إطار خطّة إنقاذيّة حكوميّة شاملة، لن تؤدّي إلى النّتائج المرجوة”.
وكان حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، قد أشار للوكالة، في وقت سابق، إلى أنّ “المصارف تعمل حاليًّا على إعادة تنظيم نفسها وفق قدراتها، على أن يستمرّ بموجب عمليّة إعادة الهيكلة المصرف القادر على التّسليف”.