جنون الدولار يعصف باللبنانيين: سياسة نقديّة متعمَّدة

واصل سعر صرف الدولار الأميركي منذ صبيحة أمس الثلاثاء مسار صعوده السريع في مقابل الليرة اللبنانيّة، ليتجاوز حدود 28,400 ليرة لبنانيّة، في مستوى قياسي غير مسبوق على الإطلاق. مع الإشارة إلى أن السوق الموازية افتتحت تداولاتها في بيروت بسعر 27,500 ليرة للدولار، ما يشير إلى سعر الانحدار اليومي في قيمة العملة المحليّة. وعلى وقع هذه التطوّرات، سارعت المتاجر في عدّة مناطق لبنانيّة إلى إقفال أبوابها، بانتظار تبيان مآل سعر صرف الليرة، قبل إعادة تسعير بضاعتها، وفقًا لأسعار الصرف الجديدة، فيما قام عدد كبير من الصرّافين بالتوقّف عن بيع الدولار لسبب نفسه.

في خلاصة الأمر، ستكون الأسواق حتمًا على موعد مع موجة تضخّم قاسية مقبلة، كنتيجة بديهيّة لهذا التدهور في قيمة العملة المحليّة، خصوصًا كون سعر المازوت بات يعتمد بشكل مباشر على كلفة الحصول على الدولار من السوق الموازية لاستيراده، بينما رفع مصرف لبنان نسبة الدولارات التي يفترض أن يتم تأمينها من السوق الموازية لاستيراد البنزين إلى 15%. ومع ارتباط أسعار السلع في السوق بثمن المحروقات التي تستخدمها المؤسسات التجاريّة، بات مؤشّر التضخّم اليوم تحت ضغط عاملين: ارتفاع أسعار البضائع المستوردة نتيجة ارتفاع سعر صرف الدولار، وارتفاع أسعار السوق نتيجة غلاء المحروقات. مع العلم أن رفع سعر صفيحة البنزين صباح اليوم كان مجرّد نتيجة لارتفاع سعر صرف الدولار خلال الأيام الماضية، بينما من المتوقّع أن يشهد ثمن الصفيحة ارتفاعات إضافيّة إذا استمرّ انخفاض قيمة الليرة بهذه الوتيرة.

في الشكل، جاءت موجة صعود الدولار الأخيرة بعد قرار مصرف لبنان رفع سعر الصرف المعتمد للسحوبات النقديّة بالليرة من الودائع المدولرة من 3900 ليرة لبنانيّة لغاية 8000 ليرة. وهو ما أشعل موجة من الطلب على الدولار نتيجة توقّع الأسواق انحدار مقبل في قيمة الليرة، بفعل الزيادة المرتقبة بحجم السيولة المتداولة بالليرة بعد هذا القرار. وموجة الهلع هذه، جاءت مدفوعة بتصريحات سابقة لحاكم مصرف لبنان نفسه، توقّع فيها تأثيرات سلبيّة على سعر صرف الليرة في حال رفع سعر الصرف المعمول به لهذا النوع من السحوبات من المصارف.

باختصار، لا يملك مصرف لبنان اليوم رؤية متماسكة لكيفيّة إدارة السياسة النقديّة، وتحديدًا من جهة كيفيّة الوصول إلى سعر صرف عائم وموحّد ومضبوط من قبل المصرف المركزي. وهذه الإشكاليّة تحيلنا تلقائيًّا للسؤال عن منصّة المصرف المركزي، التي كان من المفترض أن تكون أداة الحاكم لتوحيد أسعار الصرف، والتخلّص من آليّات عمل السوق السوداء وفوضى سوق القطع. وكان من المتوقّع أن تكون هذه المنصّة بالتحديد الأداة التي تسمح للمصرف المركزي بالتدخّل في السوق لحماية قيمة الليرة اللبنانيّة، بعد أن تستوعب المنصّة عمليّات بيع وشراء الدولار عوضًا عن السوق الموازية.

مصدرالمد- علي نور الدين
المادة السابقة“المركزي”… تدابير “موقتة” للجم الدولار!
المقالة القادمةالبنزين اللبناني إلى سوريا من جديد: هل ستعود الطوابير؟