جهود أوروبية صينية تمهد طريق الانتعاش المناخي العالمي

الصين تؤكد عزمها على العمل مع الدول الأوروبية لبناء نظام عالمي لإدارة المناخ يكون عادلا ومربحا للطرفين من خلال تعزيز التنفيذ الكامل والمستدام لاتفاق باريس.

تبذل الصين والدول الأوروبية جهودا للحد من انبعاثات الكربون وذلك من خلال التعاون بشكل أكبر في مجال التنمية الخضراء بهدف تنمية المشاريع المشتركة في مجالات الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية التي تمر أساسا عبر قاطرة حياد الكربون لكسب رهان المناخ.

تقود الصين والدول الأوروبية “انتعاشا أخضر” ويقدم الجانبان مساهمات في خفض الانبعاثات فيما يسعيان لإيجاد المزيد من الفرص في مجال التعاون الأخضر، وفقا للخبراء.

وتظهر التقارير الأخيرة أن تغير المناخ قد أحدث دمارا في العالم لا يقل ضررا عن جائحة كوفيد – 19 المستعرة. وينسب تقرير حالة الخدمات المناخية للعام 2020، الصادر في وقت سابق من هذا الشهر، أكثر من 11 ألف كارثة حصلت في السنوات الـ50 الماضية إلى المخاطر المتعلقة بالطقس والمناخ والمياه، مما تسبب بمقتل مليوني شخص وخسائر اقتصادية تقدر بـ3.6 تريليون دولار أميركي.

وقال التقرير الصادر عن 16 وكالة ومؤسسة تمويل دولية إن الظواهر المناخية المتطرفة قد ازدادت من حيث الوتيرة والشدة والخطورة نتيجة لتغير المناخ وضربت المجتمعات الضعيفة بشكل غير متناسب.

ووفقا لدراسة نشرت الشهر الماضي في مجلة نيتشر العلمية، يتوقع أن يكون المعدل الذي يشهده هذا القرن لفقدان الكتلة الجليدية في غرينلاند أعلى من أي وقت اختبرته الأرض خلال آخر 12000 سنة.

وفي مواجهة التحدي الصارم الذي يشكله تغير المناخ، تبذل الصين والدول الأوروبية جهودا للحد من الانبعاثات والتعاون بشكل أكبر في مجال التنمية الخضراء.

وقال الرئيس الصيني شي جين بينغ في المداولات العامة للدورة الـ75 للجمعية العامة للأمم المتحدة عبر الفيديو، إن الصين تهدف إلى بلوغ ذروة انبعاثات ثاني أكسيد الكربون قبل عام 2030 وتحقيق الحياد الكربوني قبل عام 2060.

وقد أكد الخبراء على أهمية هذا الإعلان حيث أن الجهود المناخية العالمية بحاجة ماسة بالفعل إلى مزيد من المساهمات من قبل الدول الكبرى.

وإذا حققت الصين هدفها، فإنها ستخفض توقعات الاحتباس الحراري بنحو 0.2 إلى 0.3 درجة مئوية، وهو أكبر انخفاض منفرد يقدره متعقب العمل المناخي، وهو معهد غير ربحي لعلوم المناخ والسياسات، في برلين.

وقال نيكلاس هونه، من معهد “المناخ الجديد” وهو إحدى منظمتين شريكتين في متعقب العمل المناخي، إن “هذا هو أهم إعلان متعلق بسياسة المناخ العالمية في السنوات الخمس الماضية على الأقل. وقد حظي بترحيب الكثير من مراقبي سياسة المناخ الدوليين”.

ونسبت شينخوا لهانا كلوك أستاذة علم الهيدرولوجيا بجامعة ريدينغ قولها “إن التزام دولة كبيرة ومؤثرة مثل الصين بأهداف مناخية إيجابية يمكن أن يكون شيئا جيدا”.

ورأى فين مورتنسن، المدير التنفيذي لشركة “ستيت أوف غرين”، وهي شراكة بين القطاعين العام والخاص في كوبنهاغن تعزز حلول التكنولوجيا النظيفة في ما يتعلق بتغير المناخ، أن إعلان الصين الأخير “خطوة مهمة في مكافحة التغير المناخي العالمي”.

وقال البروفيسور لي شيان تشانغ، عضو الأكاديمية الوطنية الألمانية للعلوم والهندسة، إنه “في الوقت الذي يعاني فيه العالم من جائحة كوفيد – 19 وتعثر التعددية، تُظهر جهود الصين بشأن الانتعاش الأخضر وإعلانها بشأن الحياد الكربوني استعدادها للانفتاح والتعاون”.

وبحسب بيان صدر خلال قمة خاصة للاتحاد الأوروبي عقدت في أوائل هذا الشهر، في الوقت نفسه، رحب قادة الاتحاد الأوروبي بالهدف الذي حددته الصين.

وقال البيان إن رؤساء دول وحكومات الاتحاد الأوروبي يعتبرونها “خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح”، وذلك عقب مؤتمر عقد عبر الفيديو بين كبار المسؤولين في الاتحاد الأوروبي والصين يوم 14 سبتمبر. وفي 30 سبتمبر، قالت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أيضا إن أوروبا ستعمل مع الصين في هذا المجال بتشجيع من التزام الصين الأخير بحماية المناخ وخفض الانبعاثات.

وقالت ميركل “عندما ترى تحديات التنمية التي لا تزال البلاد تواجهها، فهذه أهداف طموحة للغاية، وينبغي أن تشجعنا أيضا في أوروبا على تحقيق أهدافنا حقا”، في إشارة إلى التزام الصين بأهداف المناخ.

في وقت سابق من هذا الشهر، وافق البرلمان الأوروبي على تعديلات في قانون المناخ الأوروبي تتوخى الحياد المناخي بحلول عام 2050 كهدف ملزم للاتحاد الأوروبي. وبعد التصويت، سيحتاج البرلمان إلى بدء مفاوضات مع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قبل الاتفاق على الصيغة النهائية للقانون.

وقالت هيلين كلاركسون، الرئيسة التنفيذية لمجموعة المناخ وهي منظمة دولية غير ربحية، “نظرا لأن الاتحاد الأوروبي يتطلع أيضا إلى تعزيز هدفه، فإن هذا (إعلان الصين مؤخرا عن هدف الانبعاثات) يساعد في ضمان بقاء العالم متسقا مع أهداف اتفاق باريس”.

وحددت بريطانيا أيضا هدفا يتمثل في خفض صافي انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري إلى حد الصفر بحلول عام 2050، وكشفت عن خطط لإنتاج ما يكفي من الكهرباء من الرياح البحرية لتشغيل كل منزل في البلاد بحلول عام 2030 بناء على الاستهلاك الحالي للكهرباء.

وقال رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون في بيان صدر مؤخرا “الآن، بينما نعيد البناء بشكل أفضل، يجب علينا إعادة البناء بشكل أكثر اخضرارا، لذلك نحن ملتزمون بأهداف طموحة جديدة والاستثمار في طاقة الرياح لتسريع تقدمنا باتجاه الوصول بصافي الانبعاثات إلى الصفر بحلول عام 2050”.

وقد حققت الصين بالفعل تقدما كبيرا في الجهود المبذولة لتحقيق أهدافها المناخية. ووفقا للمتحدث باسم وزارة الإيكولوجيا والبيئة ليو يو بين، بحلول نهاية عام 2019، كانت انبعاثات ثاني أكسيد الكربون في الصين لكل وحدة من الناتج المحلي الإجمالي أقل بنسبة 48.1 في المئة مقارنة بعام 2005، ووصلت حصة الوقود غير الأحفوري إلى 15.3 في المئة، محققة بذلك أهداف العمل المناخي لعام 2020 قبل الموعد المحدد.

ووفقا للوزارة، بلغ إجمالي حصة تداول انبعاثات الكربون في سوق تجارة الكربون التجريبية في الصين 406 ملايين طن بحلول نهاية أغسطس، لتصبح ثاني أكبر سوق في العالم.

وأضاف ليو أن البلاد عازمة على العمل مع الدول الأخرى لبناء نظام عالمي لإدارة المناخ يكون عادلا ومنصفا ومربحا للطرفين من خلال التعاون، وتعزيز التنفيذ الكامل والفعال والمستدام لاتفاق باريس.

وقالت كلوك التي ساعدت أبحاثها في الهيدرولوجيا والتنبؤ صانعي السياسة في الاتحاد الأوروبي وبريطانيا على اتخاذ قرارات أفضل بشأن الاستعداد للفيضانات “إن الاستثمار الكبير الذي ستحتاج الصين إلى القيام به في الأعمال والحلول الخضراء، ربما سيدفع أيضا تطوير هذه الأشياء”.

وتعمل جهود الصين في الحد من الانبعاثات الكربونية على تعزيز التنمية في قطاعات مثل الطاقة المتجددة والسيارات الكهربائية، حيث تتمتع الشركات الصينية والأوروبية بفرص كبيرة للتعاون.

ووفقا لتقييم سوقي نشره الشهر الماضي المركز الألماني لأبحاث السيارات، فإن الصين في طريقها لأن تصبح أكبر سوق للسيارات الكهربائية مرة أخرى بحلول نهاية عام 2020.

وخلال مؤتمر السيارات الصيني – الألماني الذي عقد هذا الشهر، وقعت شركة فاو الصينية الرائدة في صناعة السيارات وشركة أودي الألمانية لصناعة السيارات مذكرة تفاهم بشأن إنشاء مشروع مشترك لإنتاج السيارات الكهربائية على أساس منصة “بي.بي.إي”.

وقال ماركوس دويسمان، رئيس مجلس إدارة شركة أودي إي.جي إن “هذا القرار يؤكد على الأهمية الاستراتيجية للسوق الصينية، وبالتالي فإننا ندفع بنشاط الابتكارات محليا”. علاوة على ذلك، لا يقتصر التعاون على مجال التنقل الأخضر.

وقال السفير الصيني لدى بريطانيا ليو شياو مينغ في حدث مؤخرا إن “مبادرة الحزام والطريق أصبحت أكبر منصة في العالم للتعاون الدولي. الأخضر هو الخلفية البارزة لخارطة طريق تنمية الحزام والطريق”.

وبحسب ليو، أصدرت الصين وبريطانيا بشكل مشترك مبادئ الاستثمار الأخضر للحزام والطريق. ومن خلال منصة مبادرة الحزام والطريق، يمكن لشركات الطاقة توسيع التعاون الثنائي والثلاثي والمتعدد الأطراف في مجالات حماية البيئة والحفاظ على الطاقة وخفض الانبعاثات وتطوير البنية التحتية والتمويل الأخضر والتكنولوجيا المالية.

وقال “إذا كانت جميع البلدان تتحرك في نفس الاتجاه، فسيكون الأمر أسهل… لذا يجب أن نحاول دائما العمل معا. وإذا فعلنا أشياء مثل الاستثمار في التقنيات الخضراء معا، فسنحقق خفضا في التكلفة للجميع”.

مصدرالعرب اللندنية
المادة السابقةالعملاقة Acer تكشف عن أحدث حواسبها
المقالة القادمةالحكومة الأميركية تستهدف آلية عمل غوغل “المجانية”