الهجوم عليّ مرتبط بـ«صيت» الوزارة العاطل
يتجنّب القرم تحديد موقف واضح في كثير من المسائل، باستثناء مجاهرته بأنه يؤيّد الخصخصة على نطاق واسع، ووضع كل الإدارات بيد القطاع الخاص. إنه رجل الخصخصة في لبنان الذي يجري مناقصات ترفضها الأجهزة الرقابية في جوهرها وشكلها لأسباب تشير بوضوح إلى أنه يحوّل القطاع إلى «هدايا». رغم ذلك، سيحاول وزير الاتصالات في بضعة أيام أن يُعيد إحياء القانون 431 الميّت منذ زمن طويل. تناقضات الوزير كثيرة، مثل رغبته العارمة في الخصخصة، فهو يعترض على نزع القدرة الاستثمارية في شركتَي الخلوي من يده ووضعها بيد وزير المال ومجلس الوزراء، لكنه يؤيّد إلغاء الموازنات الملحقة… يسعى الوزير إلى تحويل استفادته من انهيار العملة وتسديد ثمن مبنى تاتش على سعر صرف 3900 ليرة، إنجاز وفّر 50 مليون دولار!
منذ مدّة تنفذ مجموعة مشاريع وإجراءات لا تعبّر عن سياسة واضحة باستثناء إدارة الأزمة، فهل أهداف الوزارة: خصخصة قطاع الاتصالات أو إدارته وتشغيله من الدولة؟
– هدفي الضغط في اتجاه تطبيق القانون 431 وهو ما سأفعله مجدداً الأسبوع المقبل لتفعيل هذا القانون، رغم أننا الآن في مرحلة تصريف الأعمال. هذا هو مستقبل القطاع. يفترض أن تكون هناك خطّة لعشر سنوات من قبل هيئة ناظمة، وباستثناء ذلك، فمهما يكون الوزير قوياً ولديه فريق قويّ ليست هذه الطريقة الصحيحة لإدارة القطاع بالشكل الحالي. توجّهي تفعيل القانون 431 وتفعيل الهيئة الناظمة وإنشاء شركة «ليبان تيليكوم».
أما السؤال عن تقييمي لمرحلة وجودي في الوزارة، فعندما تسملّت الوزارة كان القطاع يتجه إلى الانهيار الكُلّي، وقيمته «صفر» التي تُقاس وفقاً للمداخيل والأرباح. للتذكير، لم أحظَ بدعم أي جهة لتعديل التعرفة، وكان القطاع متّجهاً نحو الخراب. كانت إيرادات الخلوي 1.4 مليار دولار في عام 2018، وعبر دولرة التعرفة تمكّنا من إنهاضه. يومها كانت التوقعات بأن الإيرادات وفقاً للتعرفة المعدلة، ستُراوح بين 360 مليون دولار و380 مليون دولار، لكن فوجئنا بأن القطاع حقق إيرادات بقيمة 460 مليون دولار. السبب وراء ذلك، يكمن في إجراءات اتخذناها لرفع حصّة الدولة من بعض الخدمات إلى 75% مثل الـvas. كذلك، على مستوى النفقات التي كانت قيمتها 560 مليون دولار في 2018، خفّضناها في موازنة 2023 إلى 256 مليون دولار ثم إلى 220 مليون دولار، وهذا إنجاز أسهم في تحويل 240 مليون دولار إلى الخزينة. كما استطعت توفير 50 مليون دولار على الدولة عبر إغلاق ملف مبنى «تاتش» الذي ستصبح مستنداته بحوزتي قريباً، إذ سبق لديوان المحاسبة أن أشار إلى أن المبنى سيكلف 102 مليون دولار وكانت الوزارة قد دفعت 50 مليون دولار مسبقاً. استطعت إغلاق الملف بدفع 176 مليار ليرة وفقاً لسعر صرف يوازي 3900 ليرة فوفّرت 50 مليون دولار على الدولة.
تصنّف إيرادات دولرة التعرفة إنجازاً، لكنّ وقع هذه الإجراءات كان ثقيلاً على المستهلك، إذ لا يتم تقديم خدمة جيدة، ولا استثمارات في القطاع. فهل تُدار الوزارة بعقلية القطاع الخاص الباحث عن مراكمة الأرباح أم تراه قطاعاً يقدّم خدمات عامة؟
– عندما باشرنا النقاش في تعديل التعرفة مع فرق عمل من شركتَي الخلوي، توصلنا إلى تحديد مؤشرات منها تغطية (الشبكة) على الأراضي اللبنانية بنسبة 97%. في أول فترة بلغ عدد المحطات التي لا تعمل 100 محطة لدى «ألفا» ومثلها لدى «تاتش»، بسبب عدم توافر المحروقات. أما اليوم، تعمل كل المحطات مع إدخال تحسينات كبيرة على الخدمة. وكان يمكن تحسين الخدمة بعد، إلا أن الأمر يتطلب إنفاق 40 مليون دولار لا نستطيع إنفاقها لأن الإنفاق الاستثماري في القطاع يتطلب قراراً في مجلس الوزراء بعد تعديل المادة 36 من قانون موازنة 2020 (التعديل ألزم تحويل صافي الإيرادات من شركتي الخلوي إلى حساب الخزينة بعد حسم النفقات التي تُلحظ في بنود الموازنة السنوية لكل منهما والتي تخضع لموافقة وزيري المال والاتصالات، وأخضعت المصاريف الرأسمالية لموافقة مجلس الوزراء) أي إن حسابات الوزارة أغلقت ولم يعد لدي حق لا بالدفع ولا القبض. وبنتيجة ذلك، سأطلب هذا العام 60 مليون دولار بدلاً من الـ40 مليون لتعويض ما لم تستطع فعله في السنة الماضية من تحسينات على الشبكة.
هل أصبح القرار الاستثمار في وزارة الاتصالات رهينة وزارة المالية ومجلس الوزراء؟
– لقد عقّدنا الموضوع بيروقراطياً. فنحن وزارة تخضع لتغييرات سريعة تتطلب مواكبة سريعة. لكن أنا ضدّ الموازنة الملحقة إنما يجب استكمال صدور المراسيم التطبيقية لتحديد آلية العمل في القطاع. فمن موقعي كوزير، يستحيل شراء مولد كهرباء. وعلى سبيل المثال، عندما وضعنا موازنة 2024 وأرسلناها إلى وزارة المال على أساس إيرادات بقيمة 20 ألف مليار ليرة مقابل نفقات بقيمة 12 ألف مليار ليرة (7500 مليار للصيانة والاستثمارات، و4500 مليار للرواتب)، أي إن تحويلات الوزارة إلى الخزينة ستبلغ 8 آلاف مليار ليرة، لم نحصل على نفقات إلا على 5600 مليار ليرة. لكن من جهة ثانية، ارتفعت قيمة القطاع بعد ارتفاع ربحيته.
إذاً، لماذا نبيع قطاعاً يحقّق هذه الأرباح؟
– القانون 431 ينص على خصخصة القطاع بنسبة 40% وليس أنا. كما أنني أؤيد تسليم الإدارة لشركة أجنبية تخضع للضغط أقل بكثير من أي طرف داخلي. والتجربة السابقة في القطاع فاشلة، لأنه لم يكن هناك ملكية بل إدارة فقط وتقاسم لجزء من الإيرادات التي لم تكن مربوطة بالعائدات ككل. وفي معرض تقييم أداء وزارتي بالذات أو أي وزارة أخرى لنتطلع إلى كل القطاعات التي تديرها الدولة ونحكم أي منها يحقق أرباحاً ونجاحاً استثنائياً: الجمارك، الدوائر العقارية، وزارة المالية؟
طرحت في السنوات الثلاث الماضية تلزيم قطاعات عدة، لكن الأجهزة الرقابية كانت تصدر توصياتها بتعديل دفاتر شروط المزايدات أو بإعادة المناقصات، ثم تتوقف هذه المشاريع. بدا الأمر كأنه سعي إلى إمرار ما تريده حصراً؟
– أجرينا ثلاث مزايدات لتلزيم قطاع البريد رفضها ديوان المحاسبة طالباً دراسة جدوى بكلفة تصل إلى 4 ملايين دولار (قياساً على دراسة سابقة)، وليس لدي موازنة لها، بل تحتاج إلى قانون من مجلس النواب ومناقصة ودفتر شروط. برأيي، دفع 4 ملايين دولار على دراسة جدوى هو هدر حقيقي. رئيس هيئة الشراء العام جان العلية سمح لي بالاستعاضة عن دراسة الجدوى بدراسة أرقام ليبان بوست. عملياً بدأت الإعداد لمزايدة رابعة، لكن الأمور ليست سهلة، إذ أحتاج إلى إعداد دفتر شروط بكلفة غير متوافرة بعدما رفضت «دار الهندسة» المساعدة مجدداً.
ولا يتوافر في مديرية البريد كادر بشري باستثناء المدير وموظفة. كما يلزم نحو أربعة أشهر لإعداد دفتر شروط لتلزيم دراسة الجدوى. من أين أحصل على الأموال لتنفيذ هذه المناقصات؟ لست صاحب قرار وأحتاج إلى مجلسي النواب والوزراء لذلك. لكن في المزايدة الأخيرة توصلت إلى زيادة الإيرادات التي تحصل عليها الدولة من 40 ألف دولار سنوياً إلى 6 ملايين دولار سنوياً. وبمرور الوقت بلا تلزيم، خسرنا 6 ملايين دولار. الوقت لا قيمة له في الدولة. ونحن نتحدّث عن شركة CMA CGM. «منيح لي بيجوا يشتغلوا معنا. حالياً، عقد ليبان بوست مدّد بقرار من مجلس الوزراء لحين استكمال المزايدة. ونحن نتفاوض مع الشركة على الأسعار من أجل زيادة حصّة الدولة.
بالنسبة إلى مشروع Ewallet، طلب بعض النواب تنفيذها داخلياً (بمعزل عن مصرف لبنان)، علماً أن فريقين من ألفا وتاتش قالا في لجنة الاتصالات النيابية بناءً على دراسة أن الشركتين ليستا قادرتين على ذلك لأن الأموال التي ستدخل إلى المحافظ ستصبح أموالاً عامة. أصلاً أنا أرفض تحويل شركتَي الاتصالات إلى مصارف أو أن يتحول موظفو الشركتين إلى باعة متجولين.
وبالنسبة إلى مشروع Ott (بيع المحتوى التلفزيوني عبر أوجيرو بالتعاون مع مقدمي الخدمات) فإن هيئة الشراء العام أوضحت أنه يمكن توقيع عقد بالتراضي إذا كانت الشركة التي تقدّم المحتوى تحظى بحصرية. هذا المشروع يتيح منافسة القطاع الخاص ومكافحة الإنترنت غير الشرعي وكلفته صفر ويدرّ إيرادات من دون إلزامنا بأي شرط مسبق. نحن الآن ننتظر رأي ديوان المحاسبة.
لكن بالنسبة إلى مشروع A2P، فحتى الساعة لا يمكنني فهم سبب محاربة المشروع. فقد أوصى ديوان المحاسبة بإعادة المزايدة، وسأعيدها رغم عدم اقتناعي بذلك. كان سعر الرسالة النصية الواحدة في تاتش يبلغ 5 سنتات مقابل 6 سنتات للرسالة في ألفا. بناء على هذا التفاوت أجرينا مزايدة في تاتش بنتيجة أفضل وحصلنا على عرض بقيمة 7 سنتات ونصف السنت مقابل الرسالة النصية مع إمكانية زيادة السعر، ثم نفّذنا مزايدة أخرى في ألفا فأتت النتيجة 10 سنتات للرسالة، ما دفعني إلى إرسال كتاب على الأثر إلى تاتش لرفع كلفة الرسالة الواحدة إلى 10 سنتات. بهذه النتيجة، أحزن على تعليق المزايدة التي تمتعت بشفافية تامة حيث أجريت بنفس دفتر الشروط لشركتَي الاتصال. بمعنى أوضح، شركة inmobile فازت في تاتش وخسرت في ألفا، أما vox فربحت في ألفا وخسرت في تاتش وهذا دليل إضافي على الشفافية.
برأيك، هل هناك من يتّهمك بسوء النية وبتركيب مشاريع خلافاً للمصلحة الوطنية، وخصوصاً أنك أشرت إلى هذا الأمر في إحدى جلسات مجلس الوزراء؟
– بالنسبة إلى ديوان المحاسبة أنا أتعامل معه إلى أقصى حدود، ويهمني النتيجة وقد ذهبت فعلاً إلى ديوان المحاسبة وطلبت مساعدته في مجموعة من الأمور منها دراسة جدوى مالية لقطاع البريد. ولكنهم أو بالأحرى القاضي عبد الرضا ناصر أبلغني أن لا إمكانية لمساعدتي.
إذاً هل ثمة مسعى لتفشيلك؟
أنا أحترم هيئة الشراء العام وديوان المحاسبة، وأنا مستعد للتعاون مع كل ما يحقق لي نتائج جيدة. أما عن الهجوم عليّ، فربما لأن لوزارة الاتصالات تاريخ حافل بالمخالفات ويحتاج الأمر إلى وقت لتغيير «صيت» الوزارة العاطل. فعلى سبيل المثال، إذا كانت مدرسة معينة تتمتع بسمعة سيئة وقامت بتغيير الأستاذ لتأتي بشخص كفوء لن يسهم ذلك في تغيير سمعتها. وهكذا في وزارة الاتصالات.
لا قيم مضافة في لبنان
يقول وزير الاتصالات جوني القرم إنه دعا منذ شهرين، إلى لقاء ضم عدداً من الوزراء و5 من أصحاب المصارف إلى جانب قضاة وممثلين عن الهيئات الاقتصادية. الهدف كان الاتفاق على قانون إعادة هيكلة المصارف. يومها اقترح أحد أصحاب المصارف مشروعاً لردّ الأموال التي «طارت» عبر خلق «قيمة مضافة»، وأعطى مثالاً على ذلك مدينة دبي التي كانت أرضها صحراء قبل أن تعمد الدولة إلى عقد شراكة مع القطاع الخاص، ما رفع قيمة الأرض ودرّ إيرادات. «كان تعليقي بسيطاً» يقول القرم: «أولاً في دبي شخص واحد يقرر ويرسم الخطة وهو ما ليس متوفراً لدينا. ثانياً، لنفترض أردنا إنشاء مدينة ذكية كما في دبي، ووجدنا أرضاً مناسبة في البقاع ستكون المشكلة الأولى لماذا وقع الخيار على البقاع وليس الجنوب أو الشمال وسيتوقف المشروع. وفي حال تم التوافق على المنطقة، سيظهر عائق جديد قد يكون عبارة عن شخص يريد أن يكون مستفيداً من المشروع، إذ يكفي أن يتمتع هذا الشخص بنفوذ ومال كي يتمكن من إيقاف المشروع».