ظاهرة انتشار العاملين بصرافة العملة في صيدا لا تشبه أي منطقة أخرى. صحيح أن هذه “الوظيفة” توسعت كثيراً في السنة الأخيرة للأزمة المتناسلة في لبنان منذ العام 2019، بسبب شح الاحتياطي بالعملة الصعبة اضطراداً، إلا أن ما تشهده مدينة صيدا من انتشار لهؤلاء الشبان غير مسبوق. حتى في صور أو النبطية أو طرابلس أو شتورة، حيث ينتشر العاملون في الصرافة على مختلف تقاطع الطرق، أو حتى في بيروت، حيث تقتصر المسألة على مجموعات صغيرة في المناطق، مثل البربير وغيرها، لا تقارن هذه الظاهرة بمدينة صيدا. ومرد الأمر إلى أن صيدا بوابة الجنوب حيث يحاول العاملون في الصرافة استقطاب زائري الجنوب لتصريف العملة، قبل وصولهم إلى النبطية، حيث تنتشر الظاهرة، أو صور، التي تشبه صيدا في انتشار جيش الصرافين في مختلف مناطقها. أو ربما لأن “في صيدا يوجد أعلى نسبة من المتسولين وكذلك من العاملين في الصرافة”، كما يقول أهالي صيدا، تعليقاً على هذه الظاهرة، التي باتت تشكل تهديداً لأمنهم، بعدما تفاقمت الأحداث والإشكاليات بين الصرافين، مؤخراً.
مجموعات منظمة
من حاجز الجيش اللبناني في منطقة الأولي، على مدخل صيدا، مروراً بالأوتوستراد الغربي حتى مدرسة الراهبات، ومن الأوتوستراد الشرقي حتى سرايا صيدا، ومن مجدليون حتى الكورنيش البحري، ينتشر مئات الشبان عارضين رزم الأموال من فئة المئة ألف ليرة، يلوحون بها للمارة لشراء العملة الخضراء.
مجموعات منظمة موزعة في كل مناطق صيدا، حيث باتت كل مجموعة تعرف حدودها ونطاقها الجغرافي الذي تعمل به، لعدم تخطي الحدود التي يرسمها لها المسؤولون عنهم. وفي كل نقطة توجد مجموعة على تواصل مع وكلائهم وتؤمن الحماية لهم، تقف تتفرج من على قارعة الرصيف، وتقوم بتبديل الأموال وتزويدهم بالعملة اللبنانية. ويتلقى العاملون في هذه الوظيفة مبالغ مالية مختلفة حسب نشاط كل واحد منهم. وتتراوح المبالغ بين 300 ألف ليرة ومليون ونصف المليون يومياً، كما يقول أحد العاملين في هذا الشأن لـ”المدن”.
ويشرح هذا الشخص، الذي يدير مجموعة من صرافي الشارع، أن هذه الظاهرة توسعت في مطلع فصيل الصيف، ودخل إليها أصحاب مصالح صغيرة أو سائقي أجرة في المدينة، تركوا مصالحهم وباتوا بمثابة صلة وصل بين أصحاب المؤسسات التجارية والعاملين لديهم لتأمين العملة. حتى أن سائق أجرة سابق من آل (ف) بات أحد أكبر زعماء مجموعات جمع الدولارات في صيدا. لكن يوجد أيضاً بعض أصحاب مؤسسات من آل (ص) وآل (ب). زادوا إلى سجلّهم التجاري تجارة العملة المربحة. وباتوا أيضاً صلة وصل بين وكلاء الوكلاء في المدينة، الذين يجمعون الدولار لتلبية طلب شركات الصيرفة ومصرف لبنان وجهات حزبية، غير لبنانية أيضاً.
اشتباكات بين زعماء
بما يتعلق بالطلبات الصغيرة فهي تأتي من مؤسسة تجارية من هنا أو صحاب مطعم من هناك. أي بمعنى تلبية متطلبات الحركة التجارية في المدينة وحاجة التجار وأصحاب المقاهي للدولار. ويتقلب سعر الصرف بسحب المبلغ المطلوب. فالطلب على الدولار يرتفع عندما يفتح السوق التجاري وشركة الغاز، ما يرفع سعر الصرف بهوامش معينة. لكنها لا تؤثر على السوق في لبنان. بل غالباً تحصل اشتباكات بين زعماء المناطق بسبب الاختلاف على سعر الصرف. فقد تطلب شركة ما مبلغاً كبيراً من أحد الوكلاء فيضطر إلى رفع سعر الصرف لاستقطاب الزبائن وجمع المبلغ بالسرعة اللازمة، فتحصل خلافات مع أقرانه. خلافات تحصل على هامش العمل الأساسي لجيش صرافي الشارع، أي جمع الدولار من السوق، ليس لتلبية حاجة الحركة التجارية، بل لأصحاب نفوذ من سياسيين وأحزاب وشركات تحويل أموال ومصرف لبنان.
ويضيف المصدر أنهم كرؤساء مجموعات، يعملون ضمن هامش خاص مع زبائنهم الخاصين، باتوا على دراية بحركة السوق ووجهة الأموال المراد سحبها. فعندما تكون حركة العرض والطلب مقتصرة على مليون أو ثلاثة ملايين دولار، يعلمون أنها لتلبية حاجة الشركات في المدينة. لكن أحياناً يكون المبلغ المطلوب كبير جداً، ويفوق الـ40 مليون دولار، فيعلمون حينها أنها لتلبية طلب مصرف لبنان. ويأتي الطلب عبر الوكلاء المعتمدين في صيدا، مثل باقي المناطق، لجمع الدولار من السوق. حينها يشتعل السوق فيعرف رؤساء المجموعات، بعد خبرتهم الطويلة، أن مصرف لبنان طلب من وكلائه جمع مبلغ معين. ويتلقون رزماً جديدة “مجلتنة وغير مجلتنة” لتأمين المبلغ المطلوب.
ووفق المصدر، الحركة التجارية في صيدا لا تستدعي هذا الجيش من الصرافين على الطرقات. بل إن كارتيل جمع الدولارات لجهات حزبية ولمصرف لبنان وشركات تحويل الأموال وأصحاب شركات الصيرفة، أسوة بباقي المحافظات، استدعى تشكيل هذا الجيش في صيدا. وهو يحظى بالحماية السياسية والأمنية اللازمة لبقائه على قيد الحياة. وما يميز صيدا عن باقي المحافظات اتساع عديد هذا الجيش الذي يعمل في العلن. ففي كل المناطق توجد شبكات تعمل في هذه الوظيفة الجديدة على تنسيق وتعاون من خلال الوكلاء في كل محافظة.