“جيه بي مورغان” يتضخّم بأحجام تثير قلق “الجميع”

اشترى “جيه.بي مورغان” البنك في مزاد حكومي بعد أسابيع من محاولات الإنقاذ الفاشلة والمناقشات غير المجدية التي ضمت عدداً من أقوى المسؤولين التنفيذيين في وول ستريت ومسؤولين في الإدارة الأميركية.

مسار الصفقة

يقول محللون إن اهتمام “جيه.بي مورغان” تجاه “فيرست ريبابليك” تطور رويداً خلال الأزمة من مجرد القيام بدور استشاري لمساعدة البنك المنهار على تعزيز موارده المالية إلى الاستحواذ عليه، وإن ما جذب انتباهه بشدة كان قائمة عملاء البنك الأثرياء التي سيربحها البنك.

وقالت مصادر مطلعة لوكالة “رويترز” إن “جيه.بي مورغان” بدأ في ذلك الوقت عملية داخلية للنظر في خيارات مختلفة بشأن “فيرست ريبابليك” بما في ذلك الاستحواذ وأبقى البنك عمل الفرق المعنية بالخيارات منفصلة عن بعضها بعضاً.

وفي آذار، جرى طرح سلسلة من الأفكار لإنقاذ “فيرست ريبابليك بنك”، وكان “ديمون” من بين الوسطاء الفاعلين الذين ناقشوا فكرة ضخ حزمة ودائع من بنوك كبرى في البنك المتعثر بقيمة تصل إلى 30 مليار دولار.

لكن بعد أن فشل ذلك في تحسين الثقة في البنك، كان “ديمون” أيضاً من بين مجموعة من المصرفيين الذين اجتمعوا في واشنطن لبحث الخطوات التي يجب القيام بها لإقالة البنك من عثرته.

وفي ذلك الوقت اقترح “جيه.بي مورغان” تشكيل تحالف لشراء البنك. كانت العقبة الرئيسية أمام إبرام صفقة مع القطاع الخاص هي وجود خسائر غير محققة بمليارات الدولارات في دفاتر البنك المتعثر، ويجب تمويل تلك الخسائر إذا اشترت أي مؤسسة البنك.

مع مرور الوقت، اقتربت الجهات التنظيمية من إعلان انهيار البنك في أواخر نيسان في الوقت الذي بات فيه الوضع أسوأ بعدما انخفضت أسهم البنك في موجة سقوط حر بعد إعلانه عن نتائج أعماله.

في ذلك الوقت أدركت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع أن الوقت ينفد لإيجاد حل خاص. وبناء على نصيحة من شركة “جوجنهايم للأوراق المالية” تواصلت المؤسسة مع مختلف مقدمي العروض المحتملين بما في ذلك البنوك وشركات الأسهم الخاصة.

وقالت مصادر “رويترز” إن السباق على الشراء تقلص إلى أربعة مزايدين هم “جيه.بي مورغان” ومجموعة “بي.إن.سي للخدمات المالية”، ومجموعة “بي.إن.سي”، ومجموعة “سيتيزين المالية” ومجموعة “فيفث ثيرد بانكورب”، حيث بدأ مستشارو المؤسسة في فحص مزايا كل عرض في الوقت الذي تقدم فيه كل عارض بعطاء للبنك بأكمله بالإضافة إلى جزء من أصوله حيث بحث المستشارون عن أي العروض سيمثل الخيار الأقل تكلفة لصندوق التأمين على الودائع.

خصص “جيه.بي مورغان” أكثر من 800 موظف للقيام بالفحص النافي للجهالة “لفيرست ريبابليك بنك” وقالت المصادر إنه في حين أن بعض العطاءات الجزئية من البنوك الثلاثة الأخرى كانت تتسم ببعض الجاذبية، إلا أن أياً منها لم يتفوق على عرض “جيه.بي مورغان” لشراء البنك بأكمله.

تساؤلات عن المخاطر

لكن الصفقة أثارت بالطبع أسئلة جديدة حول مخاطر وجود بنوك “أكبر من أن تفشل” ومدى جودة الرقابة التي تمارسها الجهات التنظيمية على الصناعة المصرفية وجدية إدارة الرئيس الأميركي “جو بايدن” في منع الشركات من أن تصبح أقوى من اللازم عبر إبرام الصفقات.

و”جيه.بي مورغان” هو أكبر بنك في الولايات المتحدة ويحوز ودائع بقيمة 2.4 تريليون دولار، بينما يبلغ حجم ميزانيته إجمالاً 3.31 تريليون دولار.

ويقول “توماس فيليبسون” القائم السابق بأعمال رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين التابع للبيت الأبيض إن حجم البنك يثير كثيراً من المخاوف ففي أي صناعة عندما يكون لديك عدد أقل من الشركات، فإن المنافسة على الأسعار تقل بالتبعية. ويعني انخفاض المنافسة السعرية في القطاع المصرفي انخفاض معدلات الفائدة التي تقدمها للمودعين ورفع أسعار الفائدة على الإقراض.

وقال محللون لدى بنك الاستثمار الأميركي “بايبر ساندلر” إن الصفقة كانت مهمة لبنك “جيه.بي مورغان” لأنها عززت مكانته الرائدة في القطاع في أوقات الاضطراب.

وكتب المحللون: “الشيء الوحيد المثير للقلق في الوقت الراهن هو المجهول. جيه.بي مورغان بالفعل لاعب كبير ومهم للغاية استطاع أن يجعل من نفسه أكبر في الوقت الذي ما زال فيه مصطلح أكبر من أن يفشل مصدر قلق سياسي”.

من جانبها دافعت المؤسسة الاتحادية للتأمين على الودائع عن الصفقة قائلة إن قرار ترسية المزاد على “جيه.بي مورغان” انطوى على “عملية مزايدة ذات تنافسية عالية” وإنه مثل البديل الأقل تكلفة لصندوق التأمين على الودائع.

شهية بلا حدود

بمراجعة التاريخ، يبدو أن “جيه.بي مورغان” يتمتع بشهية بلا حدود للاستحواذات في وقت تقول فيه الإدارة الأميركية إنها تسعى لمنع المؤسسات الكبرى من أن تزداد قوة.

ومنذ عام 2011 استحوذ “جيه.بي مورغان” على أكثر من 30 شركة في صفقات تزيد قيمتها على 5 مليارات دولار مجتمعة.

وصفقة “فيرست ريبابليك” هي الثالثة التي ينقذها البنك الأميركي في صفقة مدعومة من الحكومة بعد أن استحوذ على “بير ستيرنز” و”واشنطن ميتوال” خلال الأزمة المالية العالمية في 2008.

ساعدت الصفقات الثلاث في نزع فتيل الذعر في الأسواق المالية لكنها أيضاً أفادت “جيه.بي مورغان” الذي بات مع أصول بقيمة 3.7 تريليون دولار و14% من إجمالي الودائع في الولايات المتحدة، يتمتع بثقل لا مثيل له داخل أكبر اقتصاد في العالم.

والصفقة الأحدث من المتوقع أن تعزز أرباح “جيه.بي مورغان” بواقع 500 مليون دولار في العام الجاري وستتيح له الوصول إلى قاعدة مستقرة من العملاء الأثرياء.

وعلى مدى السنوات الأخيرة استحوذ البنك على عشرات الشركات الصغيرة في قطاعات مختلفة مثل شركة تقديم مساعدات مالية للطلاب وعدد من شركات البرمجيات وحتى موقع إلكتروني يقدم النصح بشأن أفضل المطاعم.

لم تخل مسيرة البنك من عثرات بالطبع، ففي عام 2012 تفجرت فضيحة حوت لندن والتي خسر فيها البنك أكثر من 6 مليارات دولار وتسبب فيها أحد مديري الاستثمار في فرع البنك بلندن نتيجة معاملات في المشتقات المالية ومثلت ضربة كبيرة لسمعة البنك، على الرغم من أن رئيسه التنفيذي وصفها في البداية بأنها مجرد زوبعة في فنجان.

قلق السياسيين والجهات التنظيمية

أثارت الصفقة قلق بعض السياسيين والجهات التنظيمية من أن النمو والاندماج أديا إلى خلق بنوك تشكل مخاطر على الاستقرار المالي.

كان المسؤولون الأميركيون دائما يقولون إنهم يسعون إلى وضع قيود جديدة على عمليات اندماج البنوك لمنع البنوك الكبيرة من أن يزداد حجمها. لكن مع بيع “فيرست ريبابليك” فإنه يبدو أنهم نحّوا هذه المخاوف جانباً في اعتراف بأن البنوك الكبيرة تمتلك ذخيرة مالية لا مثيل لها للتدخل في أوقات الضغط المالي. يشير ذلك إلى أن الموجة الأخيرة من الاضطرابات المصرفية ستساعد في نهاية المطاف البنوك الكبرى على النمو أكثر مما يعزز هيمنتها المعلنة بالفعل.

قالت “كارين بيترو” الشريك الإداري لدى “فيدرال فايننشال أنالاتيكس” وهي شركة استشارية معنية بتنظيم القطاع المصرفي “لا أعارض ما تم، لكنني أعتقد أن الافتقار إلى الخيارات يشير إلى عملية حل مفلسة بالفعل”.

نمت أكبر البنوك الأميركية بسرعة في العقد الذي تلا الأزمة المالية الأخيرة مستفيدة جزئياً من الافتراض بأنها كانت مهمة جداً للنظام المالي بحيث لن يُسمح لها بالفشل. أصبحت تلك البنوك تحقق أرباحاً على نحو جيد مما جعلها في وضع سمح لها بتجاوز انهيار البنوك المحلية على مدى الشهرين الماضيين وحتى الازدهار.

أثار هذا النمو مخاوف من أن البنوك الكبرى أصبحت شديدة القوة. وفي الماضي اتخذت إدارة بايدن وبعض مسؤولي مؤسسة التأمين الفيدرالية موقفاً متشككاً تجاه عمليات اندماج البنوك التي يمكن أن تسرع نموها.

ناقوس الخطر

مع تزايد حجم البنوك الضخمة، يدق منتقدون لأوضاع القطاع ناقوس الخطر بشأن توحش البنوك الكبرى لدرجة أنها تقتل المنافسة وتهدد النظام المالي.

ودعت شخصيات سياسية بارزة بما في ذلك السناتورة الديمقراطية “إليزابيث وارن” مراراً وتكراراً إلى تفكيك تلك البنوك.

وقالت وارن، التي اعتبرت الصفقة الأحدث رمزاً لضعف التنظيم والتركيز غير العادل للسلطة والثروة، في تغريدة “يُظهر إخفاق فيرست ريبابليك بنك كيف أدى رفع القيود إلى تفاقم مشكلة أن تكون أكبر من أن تفشل”. وأضافت “تم الاستحواذ على بنك كان يعاني ضعف الإشراف من جانب بنك أكبر، في نهاية المطاف سيكون دافعو الضرائب هم من يعانون. يحتاج الكونغرس إلى إجراء إصلاحات كبيرة لإصلاح النظام المصرفي المعطل”.

في البداية ثارت شكوك في أن تسمح الجهات التنظيمية بإبرام الصفقة، إذ يمتلك “جيه.بي مورغان” أكثر من 10% من إجمالي الودائع المصرفية في البلاد، ولا يسمح القانون لأي بنك بالقيام باستحواذ من شأنه أن يدفع إجمالي ودائعه فوق ذلك المستوى. لكن ثمة استثناء يعفي عمليات الاستحواذ على البنوك المنهارة من تلك القاعدة.

وقال محلل لدى “ويلز فارجو” في مذكرة بحثية إن صافي الودائع لدى “جيه.بي مورغان” سيزيد 3% نتيجة صفقة شراء “فيرست ريبابليك”.

لكن مسؤولين سابقين قالوا إنه في نهاية المطاف، فإن الحاجة إلى تجنب انتشار عدوى الانهيار في القطاع المصرفي تفوقت على المخاوف بشأن زيادة قوة “جيه.بي مورغان”.

وقال “بن هاريس” مساعد وزير الخزانة الأميركي السابق “من الواضح أن مشكلة أكبر من أن تفشل تشكل مبعث قلق، لكن في الوقت الحالي كان عليك أن تخمد النيران الأكثر سخونة أولاً”.

تأثيرات على المدى الطويل

يشعر المحللون بالقلق من أن “جيه.بي مورغان” بات أكبر من أن يفشل بعد أن أبرم تلك الصفقة. وبينما كان من المتوقع أن تهدّئ الصفقة الأسواق، قال بعض المحللين والمسؤولين التنفيذيين في القطاع إن ذلك سيكون على حساب متانة الاقتصاد الأميركي على المدى الطويل.

ووصفت “بام مارتينز” و”روس مارتينز” في مدونة “وول ستريت أون باريد” الصفقة بأنها “ثاني أكبر فشل في تاريخ الولايات المتحدة، متهمين بايدن بأنه خالف بذلك أمراً تنفيذياً صادراً في 2021 تعهد بالتصدي “لقوة السوق المفرطة”.

وقالت “باتريشيا ماكوي” أستاذة الحقوق في جامعة “بوسطن” إن الولايات المتحدة وضعت نفسها في موقع سيئ من حيث الطريقة التي تحمي بها المودعين غير المؤمن على ودائعهم وهي أنه حين ينهار أحد البنوك، فإن بنكا أكبر يلتهمه. وأضافت “هذا يجعل البنك الأكبر على الأرجح أكبر من أن يفشل. وكل مرة يحدث فيها هذا تتفاقم المشكلة”.

وقالت ماكوي إنه لا يوجد حل سهل لتلك المسألة في النظام المصرفي. وقالت “أعتقد أننا سنستمر في رؤية هذا الاتجاه حيث يزداد حجم البنوك الأكبر”.

المصادر: أرقام- رويترز- بلومبرغ- وول ستريت جورنال- بي.بي.سي – نيويورك تايمز- الإذاعة الوطنية الأميركية العامة (NPR)

إدارة بايدن تردّ

يقول محللون إن الصفقة تمثل مأزقاً لإدارة بايدن التي ركزت على تحدي هيمنة الشركات الكبيرة. أطلق الرئيس بايدن حملته الرسمية لإعادة انتخابه مؤخراً وصور نفسه على أنه صديق للعمال والنقابات ومعارض لهيمنة الشركات. لكنه دافع عن الصفقة بحجة أنها ستدعم النظام المصرفي دون أن تكبد دافعي الضرائب أموالاً. وقال بايدن «ستضمن هذه الإجراءات أن النظام المصرفي آمن وسليم، وهذا يشمل حماية الشركات الصغيرة في جميع أنحاء البلاد… تمت حماية المودعين، وخسر المساهمون استثماراتهم، والأهم من ذلك أن دافعي الضرائب لن يكونوا هم من يدينون بالمال».

من جانبها، قالت «كارين جان بيير» السكرتيرة الصحافية بالبيت الأبيض إن الاستحواذ كان ضرورياً لضمان استمرار مرونة النظام المصرفي وتم بدون تحميل دافعي الضرائب التكلفة.

وقالت في إفادة صحافية في البيت الأبيض إن إدارة بايدن كانت أكثر الإدارات تعزيزاً للمنافسة ومعالجة عملية التركز في القطاعات.

ديمون يرفض

يرفض الرئيس التنفيذي للبنك «جيمي ديمون» أي إشارة إلى أن بنكه أصبح كبيراً جداً. وقال في مؤتمر عبر الهاتف بعد الصفقة «لدينا قدرات لخدمة عملائنا، الذين يمكن أن يكونوا مدناً ومدارس ومستشفيات وحكومات، نحن نقدم الخدمات المصرفية لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي… نحن بحاجة إلى بنوك كبيرة وناجحة وأي شخص يعتقد أنه سيكون من الجيد ألا تحصل الولايات المتحدة على أمر مماثل عليه الاتصال بي مباشرة».

 

 

مصدرنداء الوطن
المادة السابقةهكذا توالت “فضائح” إهمال تملّك مبنى “تاتش”… والخسائر المنتظرة!
المقالة القادمةالعليّة يسأل: ماذا يريد من يطعن في قانون الشراء العام؟