«الإنكار الكبير»، توصيف جديد أطلقة «البنك الدولي» على الأزمة اللبنانية المفتوحة على لامبالاة «الزمرة» الحاكمة في أحدث تقاريره الدورية: «المرصد الاقتصادي للبنان»، خريف 2021. فمن بعد ما وصفها بـ»الكساد المتعمّد» في تقرير خريف 2020، وتحذيره من أن «لبنان يغرق»، في تقرير ربيع 2021، ها هو البنك الدولي يستعير من علم الطب النفسي مرض الإنكار لوصف الطبقة السياسية. وإذا كان الفرد يحاول حماية نفسه من خلال رفض قبول الحقيقة بشأن ما يحدث في حياته، فان «قيادات النخبة في البلاد التي تسيطر منذ وقت طويل على مقاليد الدولة وتستأثر بمنافعها الاقتصادية دبّرت الكساد المتعمد»، بحسب البنك الدولي للمحافظة على مكتسباتها وحماية لمصالحها.
الكاتب والمحلل الإقتصادي والمدير التنفيذي لشركة ‹› InfoPro ‹› د. رمزي الحافظ يعتبر أن «هذه المؤسسة الدولية التي كانت شريكة السلطة على مدار العقود الثلاثة الأخيرة في «السراء والضراء»، ستلاقي الطريقة المناسبة للإلتفاف على عدم تنفيذ الاصلاحات والاستمرار في التمويل، في حال توفر القرار السياسي. وهذا ما يتمثل في تسديد ثمن استجرار الطاقة مباشرة للدول المساعدة كالأردن ومصر من دون المرور في القنوات الرسمية اللبنانية، وتشكيل صندوق للمساعدات المباشرة لبعض القضايا الطارئة والملحة». وبحسب الحافظ فان «الدول التي دأبت على وعظ لبنان، منذ المبادرة الفرنسية وصولاً ليومنا الحاضر، مطالبة أكثر من أي وقت مضى بالاعتراف بجوهر المشكلة السياسية والمساعدة على حلها. ذلك أن معالجة الأمور الاقتصادية والتقنية مقدور عليها».
بالأرقام، يُقدِّر التقرير إجمالي الناتج المحلي الحقيقي لعام 2021 بحدود 21.8 مليار دولار أميركي، متراجعاً من 52 مليار دولار في العام 2019. ويقدر الانكماش بنسبة 58.1 في المئة، وهو أشد انكماشاً في قائمة تضم 193 بلداً. ويظهر انخفاض الإيرادات الحكومية إلى النصف تقريباً لتلامس 6.6 في المئة من إجمالي الناتج المحلي.
اللافت في التقرير كان تناوله في القسم الخاص «أسباب الزيادة الأقل من المتوقعة للصادرات على الرغم من التدهور الحاد لقيمة الليرة اللبنانية». وهذا ما يعزوه عضو مجلس إدارة جمعية الصناعيين بول أبي نصر إلى مجموعة من العناصر يأتي في مقدمها: إقفال أبواب الصادرات اللبنانية إلى دول الخليج العربي، وتحديداً إلى كل من السعودية والبحرين، وتأثير هذا الإجراء الكبير على غيرها من البلدان. فالمجموعات الدولية المستوردة المتواجدة بكثافة في دول الخليج كانت أمام حل من اثنين: إما فصل البضائع اللبنانية عن البضائع التي تسوق في السعودية، وإما التمنع عن الاستيراد من لبنان لتجنب المشاكل اللوجستية». وبحسب أبي نصر فان المشاكل مع السعودية أبقت قيمة الصادرات بحدود 250 مليون دولار في حين أن الطموح كان العام الماضي رفعها إلى 500 مليون دولار.
كما جرى تفصيله والتنبيه إليه في الأعداد السابقة من تقرير المرصد الاقتصادي للبنان، يشدد البنك الدولي على أن استراتيجية الخروج من الأزمة يجب أن تركز على هذه النقاط:
– إطار جديد للسياسة النقدية يعيد الثقة والاستقرار في سعر الصرف.
– برنامج إعادة هيكلة الدين الذي من شأنه أن يحقّق الحيّز المالي على المدى القصير واستدامة الدين على المدى المتوسط.
– إعادة هيكلة شاملة للقطاع المالي من أجل استعادة ملاءة القطاع المصرفي.
– تصحيح مالي مُنصف وتدريجي يهدف إلى إعادة الثقة في السياسة المالية.
– إصلاحات تهدف إلى تعزيز النمو.
– تعزيز الحماية الاجتماعية.
إضافة لهذه النقاط يعتبر البنك الدولي أن الشروع في إصلاح شامل ومنظم وسريع لقطاع الكهرباء يعتبر خطوة بالغة الأهمية لمعالجة التحديات الطويلة الأمد والمعقدة لهذا القطاع، الذي يبقى في صميم مسار الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي في لبنان.