يستمرّ سوق العقارات على حالة الجمود التي ضربته منذ بداية الأزمة رغم التحسّن الطفيف الذي أصاب الاسعار في القطاع، إلّا أنّ توّقف السوق تسبّب بتداعيات لم تتوّقف عند هذا السوق تحديداً بل طالت كل القطاعات التي تعتمد عليه في أعمالها.كما أضرّت حالة الجمود هذه بإرتفاع نسبة العاطلين عن العمل. والأسباب كثيرة وراء ما يُعانيه هذا السوق لا سيّما توقّف القروض السكنيّة حيث لم يعد بمقدور الشباب إمتلاك أي شقة أو عقار نتيجة لذلك.
الرواتب متدنّية والقروض متوقّفة
رئيس نقابة مقاولي الأشغال العامة والبناء اللبنانية المهندس مارون الحلو يؤكّد لصحيفة «نداء الوطن»، أنّ «لبنان في وضع حرب ومن غير المُمكن أن تحصل إستثمارات في ظل الأجواء غير المستقرّة لا أمنياً ولا سياسياً، وفي ظلّ ضبابية الأفق المستقبلية. العقار يحتاج إلى إستقرار ليتشجّع المستثمر على توظيف أمواله فيه. وهناك رغبة لدى الكثير من اللبنانيين لشراء عقارات وإطلاق عمليات التطوير العقاري، إلا أنّه وللأسف اللبناني لم يعد لديه مدخرات قديمة يمكنه الإستثمار بها، أما الرواتب فمتدنّية لا تسمح بشراء عقار، كذلك القروض المصرفيّة توقفت والصناديق الدولية والعربية للإسكان أيضاً، في حين أن القروض مُحفّز أساسي للتطوير العقاري ولبيع وشراء الشقق».
الحاجة قد تكسر السعر
ويضيف: «البيع العقاري ليس معدوماً كلياً، وفي بعض الحالات الفرديّة يكون صاحب العقار بحاجة إلى سيولة فيكسر من سعره للبيع، لكن ذلك لا يعدّ نشاطاً عقارياً. بإختصار الوضع العقاري جامد حالياً، لكنه محافظ على قيمته وتحريك الجمود الحاصل مرتبط بإستتباب الأمور في البلد».
أما بالنسبة إلى تراجع حركة العقار مقارنةً مع السنة الماضية، فيشرح أنّ «الدورة الإقتصادية لم تعد إلى طبيعتها لكن لحظنا تحسناً على أكثر من صعيد في الصيف الماضي، خصوصاً مع قدوم المغتربين، لكن بدأت أحداث غزة وحملت إرتدادات على الوضع اللبناني فطال الجمود مختلف المستويات. البيع والشراء العقاري كان أفضل السنة الماضية، من دون أن يعني ذلك أن العقار يفقد من قيمته. فقط من يضطرّ الى المال ويحتاج إلى سيولة يُخفّض من سعره».
الأرقام تختلف وفق المناطق
وعن تراجع حركة العقارات مقارنةً مع العام 2019 يجيب الحلو: «تتفاوت الأرقام وفق المناطق. ففي المناطق التي عليها طلب دائم إستعاد العقار جزءاً من قيمته ليُصبح تقريباً 50 أو 60% ممّا كان عليه عام 2019. ونعوّل على عودة الأوضاع الإقتصادية والنقدية إلى طبيعتها لتستعيد العقارات قيمتها التي كانت عليها عام 2019. إلّا أنّ إستمرار الفوضى سيؤدّي طبعاً إلى تراجع».
إرتفاع الطلب على الإيجار
وعلى صعيد الإيجارات، يكشف أنها «تحسّنت لأن الطلب إرتفع، إذْ إنّ أغلبية اللبنانيين لم يعد لديهم القدرة على شراء عقار، أمّا المُقتدر فيفضّل الإنتظار ومعرفة مصير البلد قبل الشراء. كذلك النزوح الداخلي ساهم في تنشيط الإيجار الأمني وليس المستقرّ». ويختم الحلو: «آن الأوان لإيجاد حلول داخلية وتخفيف حدة التدخلات الخارجية ليستعيد البلد عافيته خصوصاً وأنّ المرحلة الصعبة التي نمرّ بها طالت أكثر من اللازم».
من سيّئ إلى أسوأ
وأما نقيب الوسطاء والإستشاريين العقاريين وليد موسى فيشير من جهته إلى أنّ «الطلب في القطاع العقاري يتراجع، فهو من سيئ إلى أسوأ. ان عدم وجود القروض السكنيّة يعني أن القطاع غير ناشط فمن دون تمويل لا يمكن للمطور تطوير مشاريع ولا للمستهلك العقاري الشراء».
بيوعات فرديّة
ويكشف موسى خلال حديث مع «نداء الوطن» أن «البيوعات الفردية المرتكزة على تبييض الأموال أو الأشخاص الذي لا يعرفون أين يُوظفون أموالهم في ظلّ أزمة القطاع المصرفي يُشكلون 10% من القطاع، وهذه نسبة ضئيلة جداً». ويتابع: «قروض مصرف الإسكان موجهة للطبقات الوسطى وتعطي ما بين 40 و50 ألف دولار لكل مقترض، لكن هذه المبالغ غير كافية لشراء شقة سكنية، ويجب أن يكون المشتري مدخراً للمبلغ نفسه تقريباً ليتمكن من الشراء، إلا أن هذا الرقم ضخم ومن الصعب تحصيله في هذه الأيام. كذلك، فإقفال الدوائر العقارية أثر سلباً علينا لا سيما في جبل لبنان ولن تعيد فتح أبوابها قبل شهرين هذا إن لم يستجد أي إضراب». ويشدد موسى على أن «الحالة صعبة جداً والحاجات المعيشية تتضخم يومياً، حتى في الإيجارات ترتفع الأسعار والموظف العادي لم تعد لديه القدرة للتوفيق بين راتبه وأسعار الإيجارات. المشكلة أن اللبناني مبنج ولا يرفع صوته».
إنقسام السوق
ويلفت إلى أن «السوق إنشق بين غني وفقير، فالمناطق التي فيها طبقات غنية لم تتأثر فيها أسعار العقارات لا بل يمكن القول إنها ارتفعت ولم تحصل فيها عمليات بيع لأن المالكين ليسوا بحاجة إلى سيولة للبيع. أما في المناطق الأفقر فانخفضت أسعار العقارات بنسبة 50% لأن البيوعات قليلة والعرض كبير نظراً للحاجة إلى سيولة». وفي ختام حديثه، يُطالب موسى الحكومة «إدراج القطاع الإسكاني على لائحة إهتماماتها، لا سيما وأن السكن حق مقدس في الدستور. صحيح أن هناك أولويات أخرى، لكن السكن حاجة أساسية. ونتمنى إعادة خلق وزارة إسكان لأن من دونها لن تُحل الأمور بسهولة».
ترقّب وضياع
من جانبه، يلفت أمين سر نقابة المطورين العقاريين مسعد فارس إلى أنّ «القطاع العقاري في حالة ترقّب. التطوير العقاري تأثّر جداً بالأزمة والعمل معدوم، فالمطورون العقاريون في حالة ضياع لأن مصير القطاع المستقبلي غير واضح ولا يعرف المطور إن كان القطاع سيستعيد مركزه في الإقتصاد أم لا. من دون إعادة هيكلة المصارف لن تعود القروض ومن دون قروض من الصعب جداً القيام بمشاريع ضخمة في مناطق مهمة». أما الوسيط العقاري فنشاطه مقبول لأنه يبيع عقارات قديمة وهناك طلب على الإيجارات».
تأثّر 72 مهنة
وعن نسبة العمال الذين تأثّروا بجمود السوق العقاري يوضح فارس لـ»نداء الوطن» أن «بناء مبنى يُساهم في تشغيل 72 مهنة، بالتالي كلها متأثرة. القطاع العقاري هو ركيزة الإقتصاد ويؤثر على صحة الدورة الإقتصادية لأن الكثير من المهن والقطاعات مرتبطة به من مخمّن ومهندس ومصانع وعمال وكهرباء وإستيراد… حتى أن الدوائر الرسميّة تتأثر والدولة تخسر مداخيل».
ويتمنّى فارس على «المسؤولين النظر إلى القطاع ومحاولة مساعدته لأنه حاجة ملحة للإقتصاد. صحيح أن هموم الدولة كبيرة وهناك الكثير من القضايا المُلحة والتي بحاجة إلى حل ضروري قبل العقارات، لكن الأخيرة أساسية لتحريك الدورة الإقتصادية».