في ظل الحرب التجارية المتنامية بين الصين والولايات المتحدة يحاول مقلدو السلع الفاخرة في ثاني أكبر اقتصاد في العالم استغلال هذه الظروف لتعزيز نشاطاتهم، مستفيدين من التوترات الاقتصادية والجمركية بين البلدين عبر الترويج لمنتجاتهم في منصة تيك توك.
تنتشر مقاطع فيديو على منصة تيك توك تتهم دور أزياء عريقة بتصنيع منتجاتها سرا في الصين وبيعها بأسعار تفوق كلفتها بأضعاف مضاعفة.
ولكن وراء هذه الفضائح المفترضة ثمة عملية مدروسة يسعى مدبروها لبيع منتجات مقلدة، مستغلين حالة الغموض المحيطة بالرسوم الجمركية.
ويدّعي صنّاع محتوى صينيون يُقدمون أنفسهم على أنهم عمال أو مُقاولون من الباطن في مجال السلع الفاخرة، أن سلطات بكين رفعت شروط السرية المُلزمة للمُقاولين من الباطن المحليين ردا على الزيادة الحادة في الرسوم التي فرضها الرئيس الأميركي دونالد ترامب على بكين.
وهذا القرار الصيني المفترض الذي لم تعثر وكالة فرانس برس على أي أثر له، يتيح بحسب المروجين له الكشف عن الآليات الخفية لتصنيع السلع الفاخرة في السوق المحلية.
كما من شأنه تشجيع المستهلكين الغربيين على الشراء مباشرة من مواقع إلكترونية تبيع السلع من دون أي شعار تجاري ولكن بالجودة والتصميم المُفترضين نفسيهما، بأسعار مُنخفضة للغاية، على سبيل المثال بنحو 1400 دولار لحقيبة تحمل توقيع مصممين مشهورين بدلا من سعرها الأصلي البالغ 38 ألف دولار.
والصين أحد أبرز المراكز الرئيسية لإنتاج السلع المقلدة، حيث تضخ هذه الأسواق المزورة ملايين الدولارات إلى اقتصادياتها، رغم الجهود الدولية لمكافحة هذه الظاهرة.
وتظهر عدة تقديرات غير رسمية أن قيمة سوق السلع المقلدة قد تصل إلى نحو 1.9 تريليون دولار بحلول عام 2030، وهو ما يدل على استمرارية وزيادة كبيرة في نمو هذا القطاع.
ورفضت علامات تجارية مستهدفة بهذه الفيديوهات، من بينها الماركات الفرنسية إيرميس وشانيل ولوي فويتون التي تصنع منتجاتها في أوروبا أو الولايات المتحدة وفقا لمواقعها الإلكترونية، الرد على أسئلة وكالة فرانس برس حول الادعاءات الواردة في هذه المقاطع المصورة والمنتشرة على نطاق واسع.
لكن الرئيس المؤسس لمركز الفخامة والإبداع جاك كارلس يرى أن فكرة تصنيع دور الموضة الكبرى منتجاتها في الصين “سخيفة”.
وأوضح خلال حديثه مع وكالة فرانس برس “سيكون ذلك بمثابة انتحار. لو وُجد دليل -وهو غير موجود- لكان ذلك ضربة قاضية. العلامات التجارية ليست مجنونة.”
ويُشدد مستخدمو تيك توك على خبرات العمال الصينيين الذين يُصوَّرون على أنهم أصحاب مهارات تستعين بهم العلامات التجارية الفاخرة الكبرى في الخفاء.
وقال كارلس إن “ورش التزوير هذه لا تحترم مطلقا مختلف مراحل التصنيع،” مستشهدا بمثال حقيبة “بيركين” الشهيرة من “إيرميس” التي تتطلب “مئات الساعات من العمل.”
وفي الواقع يسعى مستخدمو الإنترنت الذين ينشرون هذا المحتوى إلى “إثارة الشكوك” بهدف “استنفاد مخزوناتهم” من المنتجات غير القانونية.
ويتحدث كارلس عن “حملة واسعة الانتشار تعززت عبر وسائل التواصل الاجتماعي ويصعب التصدي لها.” أما العلامات التجارية، من جانبها، فتلزم الصمت و”تتعامل مع الأمر بازدراء”، وهو خطأ وفق كارلس.
ويرى أستاذ تسويق المنتجات الفاخرة في كلية إمليون الفرنسية للأعمال ميشال فان أن اتهام الصين بإنتاج منتجات فاخرة سرية يتم الترويج لها على أنها مصنوعة في أوروبا “لا أساس له من الصحة.”
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الرواية التي طُرحت على تيك توك وتُفيد بأن ذلك يشكل ردا صينيا على الإجراءات الجمركية الأميركية. ويقول فان “هذا غير منطقي، لأن مهاجمة العلامات التجارية الأوروبية لا تضر الحكومة الأميركية بأي شكل من الأشكال.”
وأثارت مقاطع الفيديو هذه استياء لدى مستخدمين للإنترنت، حيث عبّر البعض ممّن اطلعوا على هذه الفضائح المفترضة عن “الغضب” على شرائهم منتجات فاخرة بأسعار باهظة.
وسأل آخرون في التعليقات عن أسماء “موردي العلامات التجارية الفاخرة الكبرى” في الصين الذين يمكنهم شراء المنتجات منهم بأسعار مخفضة. وفي الوقت نفسه يُنظّم تجار صينيون عمليات بيع مباشرة على تيك توك، عبر ربطها بمواقع إلكترونية.
وتحصد فترات البث الحي أو الرسائل المباشرة مئات المشاهدات لكل منها. وتُعرض فيها نماذج للمنتجات الفاخرة وتُرقّم وتُرتّب على الرفوف.
وفي إحدى هذه الرسائل يقول صوت مولّد بواسطة الذكاء الاصطناعي بالفرنسية “توصيل سريع دي.أتش.أل. منتجات مطابقة لتلك الموجودة في المتاجر. الفرق الوحيد: السعر.”
ويُدعى مستخدمو الإنترنت إلى مسح رمز الاستجابة السريعة أو النقر على رابط لإتمام عملية الشراء عبر واتساب أو باي بال.
ورصدت وكالة فرانس برس حوالي عشرين بثا مباشرا مشابها تُبثّ في آنٍ واحد باللغتين الإنجليزية والفرنسية، ما يُشير إلى أن مستخدمي الإنترنت في أوروبا وأميركا الشمالية هم المستهدفون الرئيسيون.
وحذّرت وزارة التجارة الصينية في بيان من أنه “سيتم إبلاغ (السلطات) فورا عن أي حالة لإعلان مُضلّل، أو انتهاك، أو إنتاج سلع مُقلّدة من مُقدّمي الخدمات الذين يُقدّمون أنفسهم على أنهم مُقاولون من الباطن لعلامات تجارية كبرى” من أجل التحقيق فيها ومعاقبة المسؤولين عنها.
وتُعرف الصين بانتظام بأنها أكبر بؤرة لتقليد المنتجات في العالم. وبحسب بعض التقديرات، تُصنّع 70 إلى 80 في المئة من المنتجات المقلدة في البلد الآسيوي العملاق.
ويشكل شراء المنتجات المقلدة مخالفة قانونية في دول الاتحاد الأوروبي، وكذلك في العديد من الدول الأجنبية الأخرى. وفي فرنسا يُعاقَب على هذه الجريمة بالسجن لمدة ثلاث سنوات وغرامة قدرها 300 ألف يورو. كما يُمكن للجمارك مصادرة المنتجات وفرض غرامة تعادل قيمتها.
وبحسب مكتب الاتحاد الأوروبي للملكية الفكرية يُكلّف التزوير الصناعة الأوروبية 16 مليار يورو سنويا. وأكثر القطاعات تضررا هي الملابس ومستحضرات التجميل ولعب الأطفال.
ومع انتشار الظاهرة يصعب تتبع انتهاكات حقوق الطبع والنشر. وبشكل عام غالبا ما يبدو انتهاك التجارة الإلكترونية وكأنه لعبة تخفّ للمحامين وشركات البرمجيات الذين يراقبون الإنترنت بسبب الحجم المتضخم للانتهاكات.
وحددت أمازون، أكبر سوق عبر الإنترنت في الولايات المتحدة، 7 ملايين منتج مزيف قامت بمصادرته من البائعين خلال عام 2023، ارتفاعا من 6 ملايين قبل عام، وفقا لتقارير حماية العلامة التجارية للشركة.