حرب الضرائب وضرائب الحروب

يشهد عالمنا اليوم حروباً ضريبية طاحنة بين بعض البلدان، وأيضاً هناك ضرائب هائلة تُفرض لتمويل الحروب.

في هذا السياق، أعلن البيت الأبيض أخيراً برئاسة الرئيس دونالد ترامب، فرض ضرائب جديدة بنسبة 25% على كندا، و25% على المكسيك، و10% على البضائع الآتية من الصين. لا شك في أنّ هذا القرار لحماية لصناعة الوطنية والبضائع الأميركية، لكن من جهة أخرى، ثمّة أبعاد سياسية واقتصادية ومالية لهذا التغيُّر في سياسة التبادل التجاري في الولايات المتحدة.

بالنسبة إلى المكسيك، هناك ضغوط إقتصادية وديموغرافية هائلة على هذه الحدود، تبدأ بالهجرة غير الشرعية، التي وعد الرئيس المنتخب في الحَدّ منها، ومن جهة أخرى وقف تهريب البضائع من دون تسديد الرسوم الجمركية والضرائب. ففرض هذه الضرائب الجديدة هو للضغط على حكومة المكسيك، لوقف تسلل الأشخاص غير الشرعيِّين الذي وعد الرئيس ترامب بترحيل ملايين منهم، وفي الوقت عينه الضغط على الحكومة المكسيكية لحماية حدودها مع الولايات المتحدة.

أمّا عن الصين، هناك حرب باردة وطاحنة بين هذَين العملاقَين. فالصين تضغط على اقتصاد الولايات المتحدة، ولا سيما عبر عملتها الخضراء، بواسطة تجمّع الـ«بريكس»، الذي ينمو ويكبر، وقد شهد أخّراً إنضمام 4 بلدان جديدة في خريف العام 2024، (إثيوبيا، مصر، إيران والإمارات) وهناك طلبات عدة قيد الدرس للإنضمام من قِبل تركيا وغيرها.

فهنا رفع الضرائب على الصين، سلاح للضغط على اقتصادها والتبادل التجاري، لأنّه من المعروف أنّ الصين هي المعمل، والولايات المتحدة تمثل السوق القوية.

أمّا عن كندا، هناك جزء كبير من الأميركيّين يعتبرون أنّ كندا ولاية أميركية، ولا ينسون أنّ كندا قد لعبت دوراً مهمّاً في الحرب الأهلية الأميركية منذ عقود.

ففرض الضرائب هنا، هي للضغط على اقتصادها وسياستها، وإجبارها على ملاحقة الأخ الأكبر في كل قراراته من دون تردّد وحتى من دون إستقلالية. فالسياسة المتبعة هنا هي «إنّ السمكة الكبيرة تأكل الصغيرة».

أمّا على صعيد أوروبا، فهناك مشهد فرض ضرائب على الشعب والاقتصاد، لتمويل الحروب الجارية، وخصوصاً التسليح وتمويل الحرب الطاحنة بين أوكرانيا وروسيا في عمق أوروبا. فضرائب هذه الحروب لتمويل هذه الحرب ممّا يشلّ الاقتصاد والإنماء، وتجرّ هذه القارة نحو الركود والجمود والتراجع الإقتصادي وحتى الإجتماعي.

أمّا في لبنان، فالبعض يتحدّث عن فرض ضرائب، لملء الخسائر وتعويض 70 مليار دولار التي سُرقت وهُدرت، من الدولة اللبنانية. أمّا البعض الآخر فيتحدّث عن فرض ضرائب على الشعب المذلول والمنهوب، لتمويل إعادة إعمار الحرب، التي ستتجاوز الـ15 مليار دولار كتقييم أولي.

نذكّر ونشدّد، على أنّ الضرائب ليست لتمويل الخسائر لكن للإستثمار والإنماء وملء الوظائف. فكيف يمكن التحدّث عن فرض ضرائب على الشعب والاقتصاد، في حين أكثر من 50% من اقتصادنا مبني على السوق الموازية والتهريب، والسوق السوداء غير الشرعية؟ وكيف يُمكن التحدّث عن ضرائب على شعب سُرق ونُهب من دولته ودفع ثمن حرب الآخرين على أرضه، وكل مَن يحاول رفع رأسه يُغرقونه من جديد؟

في المحصّلة، التاريخ يُعيد نفسه، وبحسب مؤلفات إبن خلدون في القرن الرابع عشر، (1377) إذ كتب: «إنّ زيادة الضرائب تُفقّر الشعوب والبلدان وتطعن بالاقتصاد». لذا، ما نعيشه اليوم من حرب الضرائب هي حرب سياسية بإمتياز وحرب نفوذ بين البلدان العظمى لِمَن سيقود عالم الإقتصاد الجديد؟ أمّا الضرائب لتمويل الحروب فقد برهنت أنّها تقتل الاقتصاد وتُفقر الشعوب وتطعن بالإنماء والإزدهار. فالضرائب اليوم هي السلاح النووي الجديد الذي يُستعمل لغايات عدة، بعيداً من الغاية والهدف الأساس، وهو تمويل المشاريع الإنمائية وخلق الوظائف والإنماء.

مصدرالجمهورية - د. فؤاد زمكحل
المادة السابقةلأول مرة في الخليج… مصنع لرقائق وأشباه موصلات متقدمة للذكاء الاصطناعي بسلطنة عمان
المقالة القادمةتوجّه لزيادة السحوبات المصرفية وصولاً لإلغاء تعاميم “المركزي”